انتهاكات روسية لأجواء البلطيق واسكندنافيا: استعراض قوة ورسائل "نووية" لأوروبا من كالينينغراد

01 مايو 2022
وزير الدفاع السويدي: سنتخذ موقفاً دبلوماسياً حيال انتهاك المجال الجوي (Getty)
+ الخط -

مع إعلان السويد والدنمارك عن تكرار "الاستفزاز" الروسي العسكري بانتهاك أجواء البلدين، وآخرها ما أعلن عنه مساء أمس السبت، فإن خبراء عسكريين يتوقعون "المزيد من خطوات استعراض القوة العسكرية بهدف التخويف". 

ويتصاعد بصورة منتظمة التوتر في منطقة بحر البلطيق ودول الشمال، مع تزايد الانتشار العسكري الغربي فيها.

ومنذ الإعلان عن اقتراب عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، دفعت موسكو مبكرا بتعزيزات عسكرية نحو الحدود الفنلندية، وواصلت إرسال طائرات عسكرية لاختراق المجال الجوي للدول الاسكندنافية. 

ووفقا للبيانات السويدية، فإن روسيا انتهكت ليل الجمعة الأجواء فوق منطقة بليكنغ (جنوبي السويد ومقابل جزيرة بورنهولم الدنماركية في البلطيق). الانتهاك الذي حدث لفترة وجيزة دفع بالطائرات الحربية في كل من الدنمارك والسويد إلى التصدي المشترك، وجرى تصوير الحادثة والطائرة الروسية، بحسب مسؤول سلاح الجو السويدي كارل يوهان إيدستروم.

وتصاعدت التحركات العسكرية الروسية بشكل متزايد منذ مارس/آذار الماضي، بما يعيد إلى الأذهان أجواء مشابهة انتشرت بعد 2014، وسط تقارب السويد مع حلف شمال الأطلسي على خلفية ضم موسكو شبه جزيرة القرم.

وأكّدت رئيسة الحكومة السويدية، أن السويد يجب ألّا تتخذ، "باستخفاف"، أي قرار يتعلّق بتقديم أو عدم تقديم طلب للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

وقالت ماغدالينا أندرسون، خلال مؤتمر صحافي على هامش احتفالات عيد العمّال: "كنّا غير منحازين طوال مائتي عام، وكان ذلك نافعًا لنا، وهو قرار يجب ألا يُتّخذ باستخفاف".

وأضافت أن تقديم طلب للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي هو "مسألة صعبة جدًا جدًا تتطلّب تحليلًا معمّقًا".

وأثار الغزو الروسي لأوكرانيا تأرجحًا في الرأي العام السويدي تجاه طلب انضمام محتمل إلى حلف شمال الأطلسي.

واعتبر وزير الدفاع السويدي بيتر هولتكفيست، مساء أمس السبت، أنه "من غير المقبول بالمرة انتهاك المجال الجوي السويدي، وبالطبع، سنتخذ موقفا دبلوماسيا حيال هذا التصرف غير المهني في سياق الوضع الأمني العام، ونشدد على ضرورة احترام السيادة".

ويؤكد السويديون أن "الاستفزازات الروسية كانت مرصودة بشكل تام، وسلاح الجو كان مستعدا لها". ويشير المسؤولون في الجيشين الدنماركي والسويدي إلى أن الحديث "ليس عن خطأ، بل عن عمل مقصود يجعل الطائرات الحربية الروسية على بعد 10 إلى 15 كيلومترا من الأجواء السيادية".

الدنمارك تستدعي السفير الروسي

من جانبه، أعلن وزير الخارجية الدنماركي يبي كوفود، أن كوبنهاغن دانت انتهاك طائرة استطلاع روسية للمجال الجوي الدنماركي، واستدعت السفير الروسي لديها بشأن هذا الحادث.

وكتب يبي كوفود، في تغريدة على "تويتر": "استدعي السفير الروسي للحضور إلى وزارة الخارجية غدًا" الإثنين. وأضاف: "انتهاك روسي آخر للمجال الجوي الدنماركي هذا غير مقبول إطلاقا ومثير للقلق، خصوصا في الوضع الحالي".

وشهدت أجواء الدنمارك، قبيل حادثة انتهاك المجال الجوي لجزيرة بورنهولم مساء الجمعة الماضي، محاولات روسية قبل أكثر من أسبوع لدخول الأجواء، وتصدت لها الطائرات الدنماركية مع أخرى من "الأطلسي".

رسائل نووية أبعد من "الشمال"

ويولي مسؤولو الدفاع والسياسة في دول الشمال اهتماما خاصا للتحركات الروسية وتعالي نبرة التهديد، سواء على المستوى السياسي أو إرسال رسائل محذرة على القنوات التلفزيونية الروسية، وخصوصا عن دور مدينة كالينينغراد الروسية على بحر البلطيق.

ويتابع المراقبون في دول الشمال بقلق الرسائل الروسية العلنية عن الصواريخ النووية المنتشرة بالقرب من حدودهم، وبالأخص في جيب كالينينغراد الذي يقابل دولهم مباشرة.

ونشطت موسكو أخيرا في توجيه الرسائل إلى الغرب عن شاشة القنوات التلفزيونية، وخصوصا من خلال برامج الصحافية أولغا سكابييفا، التي يطلقون عليها في الغرب "دمية بوتين التلفزيونية الحديدية"، التي تستضيف محللين وبرلمانيين روسا وتناقش معهم باستفاضة ما إذا كان على روسيا إطلاق صواريخ نووية نحو أوروبا.

وظهرت سكابييفا قبل أيام تستضيف عضو مجلس الدوما الروسي أليكسي زورافليوف، وناقشا سرعة وصول الصواريخ النووية إلى بعض أنحاء أوروبا.

وجيب كالينينغراد (كان عاصمة شرق بروسيا، وسيطر عليه الاتحاد السوفييتي عام 1944)، يقع بين بولندا وليتوانيا العضوين في حلف الأطلسي، وعلى بعد 300 كيلومتر فقط من أراضي دول الشمال، حيث يعتقد الخبراء أن الجيب بات يحتوي ما هو أكثر من صواريخ إسكندر التكتيكية القادرة على حمل رؤوس نووية.

ورغم عدم تأكيد موسكو سابقا نشرها تلك الرؤوس في الجيب، إلا أن تزايد التهديد من خلاله، واستخدام ما يشبه غرافيكس محاكاة استهداف دول أوروبية، يستحوذان على اهتمام متزايد من قبل المتابعين.

وكان البرلماني الروسي زورافليوف ظهر على التلفزيون الروسي في ضيافة سكابييفا، حيث حللا صور وسرعة وصول الصواريخ، حيث أفادا بأن "صاروخاً نووياً من نوع سارمات سيستغرق 202 ثانية للوصول إلى لندن".

ثم يقول السياسي زورافيلوف: "انظروا جيدا إلى الصورة، عدوا الثواني، هل يمكنكم فعل شيء؟ هل يمكنك فعل شيء؟ عد الثواني فقط، 200 ثانية إلى باريس، و106 ثوان إلى برلين إذا أطلقت الصواريخ من كالينينغراد".

والتركيز الروسي على الجيب الواقع في البلطيق، على الأقل على الشاشات التلفزيونية التي تدور في فلك الكرملين، يعتبر تغيرا في سياسة التكتم النووي السابق التي انتهجت من موسكو.

ويقرأ ساسة وعسكريو دول البلطيق واسكندنافيا تلك الإشارات الروسية على أنها بمثابة رسائل واضحة، تقول إنهم ينفذون ما توعدوا به من نشر للأسلحة النووية في حال انضمت فنلندا والسويد إلى حلف "ناتو".

بث الرعب

واستغرب وزير دفاع ليتوانيا، أرفيداس أنوساوسكاس، التهديد الروسي بتكديس السلاح النووي في كالينينغراد في حال انضمام البلدين إلى الحلف، فـ"الجميع في المجتمع الدولي يعرفون أن الصواريخ النووية موجودة بالفعل فوق أرض الجيب الروسي". 

التلويح العلني بالصواريخ النووية، وعن شاشات روسيا، يبدو أنه "تعبير عن انزعاج وضيق"، بحسب ما يذهب الباحث في الدراسات العسكرية بجامعة كوبنهاغن ألكسندر هويسبرج تيتزلاف.

وذكر تيتزلاف للقناة الثانية الدنماركية أن ما أظهره التلفزيون الروسي "أنه يمكن نقل صواريخ سارمات إلى كالينينغراد، والنقاش الذي يديرونه هو ليس حول ذلك، بل عن سرعة إصابة الأهداف الأوروبية، وحتى من دون هذا الجيب، حيث يمكن إطلاق الصواريخ من موسكو نفسها".

ويؤكد هذا الباحث أن الاستفزازات الأخيرة وانتهاك الأجواء واستعراض القوة على الشاشات تهدف إلى "إشاعة الرعب، ويستخدم الروس النووي وسيلةَ تواصل مع الرأي العام، وباستعراض عضلات كالينينغراد يريدون القول للغرب: لا تقتربوا، لأنهم ببساطة استنفدوا قدرتهم على التصعيد أكثر".

ويشكك تيتزلاف، كغيره من المحللين العسكريين، في إمكانية ذهاب موسكو إلى استخدام السلاح النووي، فـ"ذلك يعني تدميراً شاملاً، وذلك ليس في مصلحة روسيا، كل ما في الأمر أنهم يريدون دائما التخويف بالصراخ: لقد حضرت الذئاب".

المساهمون