طالب "تجمّع المهنيين" بحل قوات الدعم السريع فوراً
سعى نظام البشير لمنح "الدعم السريع" الشرعية السياسية والتشريعية
الوثيقة الدستورية تنص على حل كل المليشيات ودمجها بالجيش
تعود قوات الدعم السريع عنواناً جدلياً في الساحة السودانية، وهذه المرة من باب الانتهاكات بحق المدنيين، وتحديداً بعد مقتل الشاب بهاء الدين نوري في 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحت التعذيب داخل أحد مقرات هذه القوات عقب اعتقاله وإخفائه، ما أثار غضباً شعبياً كبيراً، ليتجه "تجمع المهنيين السودانيين"، الذي يعتبر دينامو الحراك الثوري، للمطالبة بحل هذه القوات ودمجها في الجيش السوداني. وبينما تتزايد الأصوات المنادية بحل هذه القوات، تبقى بعض الأطراف متمسكة بدور "الدعم السريع"، أكان العسكري أو في حماية الحدود، أو في المصالحات القبلية. وفي ظلّ هذه الأجواء، تهدد القوى المعارضة لـ"الدعم السريع" بخيارات للتصعيد والضغط على الحكومة والمكون العسكري وحتى تحالف "قوى الحرية والتغيير" الحاكم لتفكيك تلك القوات.
وشكّل مقتل الشاب بهاء الدين نوري الشهر الماضي، تحت التعذيب في أحد مقرات "الدعم السريع"، صدمة كبيرة لكثير من السودانيين، الذين تنادوا بعد الحادثة للمطالبة بحل هذه القوات أو تقليص صلاحيتها، خصوصاً في مجال الاعتقال والتحفظ. ودشن "تجمع المهنيين" على وجه التحديد، حملة تحت شعار "إعرف حقك"، هدفها كما يقول تفكيك وإغلاق مقرات الاعتقال الخاصة بالدعم السريع وكل القوات الأخرى، عدا الشرطة. ويعتبر "التجمع" خطواته شكلاً من أشكال المواجهة مع حالات انتهاك حقوق الإنسان الممنهجة التي بدأت في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، وتستمر إلى اليوم عبر الأجهزة الرسمية وغير الرسمية، ومن بينها "الدعم السريع" التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
دعا "تجمع المهنيين" لدمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني خلال مدى زمني معلوم
وفي مذكرة سلّمها يوم الأحد الماضي للنائب العام تاج السر الحبر، طالب "التجمّع" بتشكيل لجنة من النيابة العامة ونقابة المحامين لمراجعة كل مقار قوات الدعم السريع وغيرها من القوات، للتأكد من خلوها تماماً من المعتقلين المدنيين، وتسليم الموجودين في هذه المقار للشرطة. كما شدد على أن تكون التحريات نفسها من اختصاص الشرطة، داعياً إلى فتح تحقيقات في حالات الاعتقال المنفّذة باعتبارها اختطافاً واعتقالاً غير مشروع، مع تشكيل لجنة دائمة بكل الصلاحيات لمراجعة الانتهاكات السابقة وتلقي الشكاوى ممن تعرضوا لممارسات القبض والاعتقال والتحقيق من قبل "الدعم السريع"، وإنصافهم عبر تحويل هذه البلاغات للمحاكمة العادلة. وخلص "تجمّع المهنيين" في نهاية المطاف لتقديم مقترحه بحل قوات "الدعم السريع" فوراً.
واقترح "التجمّع" في مذكرته، وكتدابير مستقبلية للحد من الانتهاكات والمخالفات، تعديل المادة 35 من الوثيقة الدستورية لسنة 2019، وهي الوثيقة التي أنتجت السلطة الانتقالية الحالية بين المكونين المدني والعسكري. ونصّ المقترح على جعل القوات المسلحة، هي المؤسسة العسكرية الوحيدة الحامية للوطن، وبالتالي إلغاء قانون "الدعم السريع" ودمجها في الجيش السوداني خلال مدى زمني معلوم، لم يحدده، تتم خلاله عمليات دمج من تتوفر فيهم شروط الالتحاق بالقوات المسلحة، وعملية تسريح من لا تتوفر فيهم الشروط التي يحددها صراحة قانون القوات المسلحة السودانية.
مسار من الانتهاكات
أُسست قوات الدعم السريع، كمليشيات قبلية سلّحت نفسها وسلّحها نظام البشير في المعارك ضد حركات التمرد التي ظهرت في إقليم دارفور غرب البلاد في العام 2003، وسعى النظام بعد ذلك لمنحها الشرعية السياسية والتشريعية عبر قانون أجيز في العام 2013 بواسطة البرلمان، لتخوض بعد ذلك معارك ضارية في دارفور. ثمّ أرسل النظام وحدات منها في العام 2015 لتقاتل مع التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، ما قرّب قيادتها، خصوصاً حميدتي، إلى المحور بشكل ملحوظ، لا سيما إلى الجانب الإماراتي.
وبعد اندلاع الثورة ضدّ نظام البشير في ديسمبر 2018، شارك حميدتي في مخطط الإطاحة بالبشير ليلة 11 إبريل/نيسان 2019، ليكافأ بتعيينه نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الذي تسلم زمام السلطة في البلاد، وسط رفض من قوى الثورة المطالبة بالحكم المدني، مستخدمة في ذلك سلاح الاعتصام الشعبي أمام محيط قيادة الجيش السوداني، قبل فضه في الثالث من يونيو/حزيران 2019، لتوضع قوات الدعم السريع كمتهم رئيس في عملية الفض وتكلفتها البشرية التي زادت عن 100 قتيل وعشرات الجرحى والمفقودين.
فاروق: قوات الدعم السريع ورثت كل النهج القمعي من النظام البائد
وعلى الرغم من التوافق الذي تم بشأن الوثيقة الدستورية، وتشكيل السلطة الانتقالية ومنح حميدتي منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، إلا أنّ الاتهامات ظلّت تطارد قوات الدعم السريع بالتورط في انتهاكات واسعة ضد المدنيين سواء في الخرطوم أو دارفور أو جنوب كردفان. كما سبق أن انسحبت "الحركة الشعبية-قطاع الشمال" بقيادة عبد العزيز الحلو، في أغسطس/آب الماضي، من المفاوضات مع الحكومة السودانية احتجاجاً على رئاسة حميدتي للوفد الحكومي، وعزت الحركة وقتها قرارها إلى تصرفات قوات الدعم السريع وهجماتها المتكررة التي تستهدف المواطنين الأبرياء والعزل في مدن وأرياف السودان، ووضعتها في خانة القوات المعادية للمواطنين والسلام.
كذلك دارت اتهامات حول "الدعم السريع" في ما يتعلق باختطاف القرار السياسي والهيمنة على ملفات الفترة الانتقالية مثل السلام وإدارة الاقتصاد، فضلاً عن اتهامات أخرى بالتوسع في النشاطات الاقتصادية والتجارية، لا سيما في مجال التعدين.
ويعزو المتحدث الرسمي باسم "تجمع المهنيين السودانيين"، حسن فاروق، في حديث مع "العربي الجديد"، الموقف الأخير للتجمّع إلى "التجاوزات المتكررة لقوات الدعم السريع، وهي تجاوزات لا يمكن أن تحدث في أي دولة تحترم القانون وحقوق الإنسان". ويعتبر فاروق أنّ "تلك القوات ورثت كل النهج القمعي من النظام البائد وجهاز أمنه، ومارست القتل الهمجي في كثير من الأحيان وفي عدد من المناطق، وآخر ذلك حادثة الشاب بهاء الدين نوري"، مبيناً أن حديث هذه القوات عن تسليم المتهمين في الحادثة للنيابة "لا يسنده دليل، وبالتالي لا مجال سوى لحلّ تلك القوات نهائياً".
ويوضح فاروق أنّ الحاضنة السياسية للحكومة ممثلة بـ"قوى إعلان الحرية والتغيير"، "تماهت تماماً ورضخت لسيطرة قوات الدعم السريع على المشهد السياسي ومكامن اتخاذ القرار"، مؤكداً أنّ "تجمع المهنيين يمتلك كل خيارات التصعيد الثوري للضغط على الحكومة والمكون العسكري وتحالف الحرية والتغيير، للرضوخ للمطالب الشعبية بحل تلك القوات وتفكيكها، خصوصاً أنها لا تمتلك أي وصف حقيقي في الدولة". وينبه إلى أنّ حديث رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان عن أن قوات الدعم السريع تابعة للقوات المسلحة وتأتمر بأمرها "غير صحيح لأنها مستقلة في كل شيء وتمتلك إدارات للاستخبارات وفرقاً للاعتقال بعيداً عن الجيش".
من جهته، يؤكد الحزب الشيوعي السوداني، أن موقفه من استمرار قوات الدعم السريع سابق لموقف "تجمع المهنيين"، بل أعلنه حتى قبل سقوط النظام. ويرى الحزب على لسان المتحدث باسمه كمال كرار، أنّ "إعادة هيكلة القوات المسلحة بتكوين جيش قومي وحل المليشيات، هي الضمان الوحيد لدعم التحول الديمقراطي وحماية الفترة الانتقالية من أي انقلابات عسكرية"، مشيرا إلى أنّ "قوات الدعم السريع ولطبيعة تكوينها اللاقومي، غير مؤهلة إطلاقاً للقيام بذلك الدور الكبير". ويضيف كرار، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الطريقة المثلى لتحقيق حل الدعم السريع هي استيعاب أفرادها من الضباط عبر الكلية الحربية والجنود عبر مدارس التدريب المعروفة"، معتبراً أنه "إذا لم يتم ذلك ستبقى خطراً على المواطن والأمن القومي هي وغيرها من بقية المليشيات".
الحزب الشيوعي: إعادة هيكلة القوات المسلحة وحل المليشيات، هما الضمان الوحيد لدعم التحول الديمقراطي
ويشير كرار إلى أنّ المجلس التشريعي، البرلمان المزمع تشكيله قريباً، "هو القادر على القيام بتلك الخطوة بتعديل وإلغاء القوانين ذات الصلة وتعديل حتى الوثيقة الدستورية، وإذا لم يقم بذلك، فإنّ الشعب السوداني قادر على فرض إرادته عليه وعلى الحكومة والمكون العسكري، لأنه شعب الثورة التي هزمت كل الطغيان"، حسب قوله.
ويتفق القيادي في قوى "الحرية والتغيير" جعفر حسن، مع مطالب حل قوات الدعم السريع، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ تلك المطالب "مؤسس لها حتى في الوثيقة الدستورية نفسها التي تنصّ على حلّ كل المليشيات وقوات الحركات المسلحة وأي قوات أخرى، ودمجها في الجيش السوداني"، مشيراً إلى أنّ "تنفيذ تلك النصوص متروك لتقديرات عسكرية بحتة، لكن على المستوى السياسي متفق ومتوافق عليه". ويضيف حسن أنّ "تعدد الجيوش في السودان هو واحد من الكوارث التي ورثتها الثورة من النظام البائد، وعلاجها يحتاج إلى بعض الوقت، ومزيد من ترتيبات الدمج والتسريح التي خبرها السودان منذ سبعينيات القرن الماضي حينما تم دمج قوات حركة الأنيانيا في جنوب السودان (حركة تمرد انفصالية تأسست في الخمسينيات) مع الجيش القومي".
في المقابل، يرفض المحلل السياسي يعقوب الدموكي، فكرة ومقترح تسريح قوات الدعم السريع التي يعتبرها "مكوناً مهماً من مكونات الثورة السودانية وحمت الثورة في مهدها، ولعبت دوراً في تحقيق التوافق على المرحلة الانتقالية، عدا أدوارها الأخرى في مكافحة الهجرة غير الشرعية ومكافحة المخدرات وحماية الحدود والمساهمة في المصالحات القبلية"، معتبراً أنّ "لها أيضاً دوراً مجتمعياً وإنسانياً كبيراً ظهر جلياً في تسيير قوافل الدعم أخيراً للمتأثرين بالسيول والفيضانات في مختلف بقاع الوطن".
ويرى الدموكي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ تلك القوات "ليست بعيدة عن الجيش القومي، وتأتمر بأمر وتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة وفق نصّ القانون ولا تتحرك إلا في حدود علمه"، لافتاً إلى أنه "حتى دفع رواتب الدعم السريع وتسليحها يتم بواسطة الدولة ومن الخزينة العامة، وكذلك التأهيل والتدريب يتمان تحت إشراف القوات المسلحة". وحول اتهامها بانتهاك حقوق الإنسان، يؤكد الدموكي أنّ "قيادة الدعم السريع مؤمنة تماماً بسيادة حكم القانون، بدليل أنها سلمت النيابة كل أفرادها المشتبه في تورطهم بمقتل الشاب بهاء الدين نوري"، معتبراً أنّ "مطالبات تجمع المهنيين بحل الدعم السريع جاءت بعد أن فقد التجمع أي دور سياسي له، بعد تشكيل الحكومة وتحقيق السلام مع الحركات المسلحة، لذا بات يبحث عن أدوار وبطولات وهمية"، وفقاً لقوله.