انتهاكات "الدعم السريع"

23 مايو 2023
عنصران في "الدعم السريع" قرب الخرطوم، يونيو 2019 (Getty)
+ الخط -

لم تتورع قوات الدعم السريع، في حربها مع الجيش السوداني، عن ارتكاب انتهاكات فظيعة بحق المدنيين في الخرطوم وغيرها من المدن السودانية، بما يشمل قتلهم ونهبهم وترويعهم واتخاذهم دروعاً بشرية، والسيطرة على منازلهم وعلى المنشآت المدنية كالمستشفيات والمدارس.

وفوق هذا وذاك هناك اتهامات جادة بارتكاب حالات اغتصاب واعتداء جنسي. يحدث كل ذلك وقيادة قوات الدعم السريع تتدثر بالصمت وتغض الطرف عن تلك الانتهاكات، ولم تفعل شيئاً حتى اللحظة لإيقافها، وبالتالي يجعلها متورطة فيها، ولن تفيدها التبريرات الممجوجة بأنها تصرفات فردية.

الشعب السوداني، ومنذ تفجر ثورته في 2018، زاد الوعي لديه بمبادئ وقيم عدم الإفلات من العقاب، سواء في جرائم دارفور وبقية مناطق النزاعات والحروب الأهلية، أو بعد حادثة فض اعتصام محيط قيادة الجيش في العام 2019، وحتى جرائم قتل الثوار السلميين قبل وبعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وسيزداد قناعة بتلك المبادئ بعد انتهاكات قوات الدعم السريع التي يجب أن تطاول يد المحاسبة والعدالة المتورطين فيها، طال الزمن أم قصر. وإن عجزت أجهزة العدالة في الداخل عن القيام بدورها المنوط بها، فإن العدالة الدولية متاحة لملاحقة المجرمين أينما كانت مواقعهم ومناصبهم والقوة التي تحرسهم.

من اللافت للنظر أن مفاوضات جدة بين الجيش و"الدعم السريع" التي تتوسط فيها الولايات المتحدة والسعودية، لم يرد في بنودها حتى الآن، ذكر لتلك الانتهاكات بوضوح تام، ولم تتحدث عن التحقيق والعدالة والمحاسبة، وهذا عوار بائن ينبغي على الوسطاء الانتباه إليه وتداركه في المفاوضات اللاحقة. فالضحايا لن يرضوا باتفاقيات عبثية تحلحل القضايا الفوقية، وتلبي انشغالات وهموم جنرالات الحرب ولا تكترث للضحايا وما يبرئ جراحهم، ويسترد حقوقهم ويضمن عدم تكرار الانتهاكات.

السلطة، التي يتولاها الجيش الذي ما فتئ يصدر البيان تلو البيان عن انتهاكات قوات الدعم السريع، هي كذلك مدانة حتى النخاع ومسؤولة أخلاقياً عما حدث، فكل مؤسساتها، بما في ذلك الجيش والشرطة والمخابرات، عجزت عن حماية المدنيين وهو من أوجب واجباتها.

وبما أن الحرب كانت واقعاً منظوراً قبل بدايتها، فلم تلحظ السلطة في خططها أي جزء لحماية المدنيين، وسمح تهاونها وتقاعسها قبل ذلك وهي تمنح "الدعم السريع" مقارّ تلو المقار وسط المناطق المدنية، بأن تدور الحرب وسط الأحياء والمنازل وفوق الرؤوس، وهو أمر يحتاج يوماً ما للتحقيق والمحاسبة السياسية والجنائية، لأنه من الخطل النظر للحرب وانتهاكاتها كحدث عارض، بل هي امتداد لخيبات وأخطاء تاريخية للدولة السودانية وأنظمة الحكم.

النظام البائد وأبواقه السياسية والإعلامية، تتاجر سياسياً بانتهاكات "الدعم السريع"، وتسخرها ضد شخوص وأحزاب ونقابات ومنظمات مدنية تقول إنها تصمت عن إدانة تلك الانتهاكات، ثم ترفع في وجهها كروت التخوين وتصادر عنها صكوك الوطنية. ولأنهم يظنون أن ذاكرة الشعب ذبابية، وينسون حقيقة أنهم من أنشأوا كل المليشيات وأحاطوها بالدعم والرعاية والصمت عن انتهاكاتها السابقة، ولو أن هناك محاسبة فلتبدأ من هذه النقطة. وقف الحرب اليوم قبل الغد، هو المدخل الصحيح لوقف الانتهاكات ومن ثم التحقيق والمحاسبة.

المساهمون