انتهاء ولاية فرماجو: عام من الوقت الضائع في الصومال

09 فبراير 2022
انتهت ولاية فرماجو في فبراير 2021 (أمانويل سيليشي/فرانس برس)
+ الخط -

مرَّ عام كامل منذ انتهاء ولاية الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، في 8 فبراير/ شباط 2021، ليصبح أول رئيس صومالي تنقضي مدته ويبقى في الحكم عاماً كاملاً، وسط مخاوف اليوم من تأجيل عملية تنظيم الانتخابات الرئاسية، المتوقع إجراؤها بحلول إبريل/ نيسان المقبل، بسبب عدم إمكانية استكمال الانتخابات النيابية قبل 25 فبراير الحالي، كما كان مخططاً.

إذ لم ينتخب الصوماليون إلى الآن سوى 100 من أعضاء البرلمان من أصل 275، بينما استكمال انتخاب الـ175 نائباً المتبقين أمر تواجهه عقبات وتحديات، فضلاً عن إمكانية تأجيل انتخاب المرشحين لبعض المقاعد النيابية التي تهيمن عليها الخلافات العشائرية إلى أجل غير مسمى. وهو ما يلقي بظلاله على انتخابات الرئاسة، إذ إن النواب هم من يختارون الرئيس.

وفي إطار نظام انتخابي معقد وغير مباشر، يقوم نحو 30 ألف مندوب عن القبائل باختيار 275 عضواً في البرلمان.

تمديد ولاية فرماجو يُدخل الصومال بأزمة عميقة

وبعدما طغت الخلافات السياسية العميقة على مجريات ومسار إجراء الانتخابات البرلمانية عام 2020، أُرجئت هذه الانتخابات مجدداً بعد فشل المؤتمر التشاوري بين الحكومة الفيدرالية ورؤساء الولايات الفيدرالية في فبراير 2021، بعد انسحاب فرماجو من المؤتمر.

وشهدت البلاد بعد ذلك أزمة دستورية وسياسية وأمنية عميقة، إثر قرار للبرلمان بتمديد ولاية فرماجو في 12 إبريل الماضي، لعامين إضافيين، وبرزت فصائل مسلحة في العاصمة مقديشو موالية للمعارضة، واشتبكت مع أفراد من الشرطة والجيش الصومالي، وهو ما أدى إلى إلغاء التمديد لفرماجو في مايو/ أيار الماضي.

شهد الصومال بعد التمديد لفرماجو أزمة دستورية وسياسية وأمنية عميقة

وطبقاً للدستور الصومالي، فإن ولاية رئيس الجمهورية مدتها أربع سنوات اعتباراً من تاريخ تنصيبه رئيساً للجمهورية. وينتخب البرلمان الصومالي بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، رئيس البلاد في انتخابات تجرى عادة في مقديشو بحضور أعضاء المجلسين.

ويفوز المرشح الذي يحصل على ثلثي أصوات البرلمان (219 صوتاً) من الجولة الأولى، لكن إذا لم يتمكن أي من المرشحين من تحقيق هذه النسبة، ينتقل المرشحون الأربعة الأكثر حصداً للأصوات إلى جولة انتخاب ثانية، والتي تكون حاسمة في اختيار الرئيس.

كما أن ولاية البرلمان محددة بأربع سنوات فقط، بعد أداء أعضائه اليمين الدستورية، وقد انتهت فترة البرلمان الحالي للصومال قبل انتهاء فترة الرئيس فرماجو، وذلك في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2020، وهو ما جعل الصومال تعيش في فراغ دستوري كامل لمدة عام، قبل البدء في مسار الانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني الماضي.

وشهد الصومال في عام 2021 أزمات أمنية واقتصادية وإنسانية. وتجلى التوتر الأمني في المواجهات العنيفة التي شهدتها العاصمة مقديشو، بعد تظاهرات منددة بالتمديد الذي أقره البرلمان لولاية فرماجو.

كما أثرت جائحة كورونا سلباً على اقتصاد البلاد نتيجة الإغلاقات العامة وتراجع حركة التصدير إلى الخارج. أما إنسانياً، فلا تزال الصومال تصنّف ضمن إحدى أخطر الدول لناحية معاناتها من كوارث إنسانية، وباتت البلاد على شفا مجاعة، إذ يحتاج نصف سكان الصومال لمساعدات إغاثية، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

صعوبات تواجه الانتخابات التشريعية الصومالية

وعرضت لجنة الانتخابات الفيدرالية في منشور لها على حسابها بموقع "فيسبوك" أخيراً، خرائط الانتخابات التي تبيّن عدد النواب الذين انتُخبوا منذ انطلاق العملية الانتخابية في 15 يناير الماضي.

وأوضحت أن أرض الصومال تقترب من استكمال انتخاب أعضائها (64 مقعداً)، بينما لا تزال عملية انتخاب أعضاء ولاية هرشبيلي والبالغ عددهم 37، وأعضاء قبائل البنادري البالغ عددهم خمسة، متعثرة.

ولفتت اللجنة أيضاً إلى أن الانتخابات في باقي الولايات، وهي بونتلاند وجوبالاند وجلمدغ، تسير ببطء، ما يرجح فرضية تمديد مهلة إجراء الانتخابات البرلمانية إلى مارس/ آذار المقبل.

في السياق، يقول الصحافي والكاتب الصومالي أنور ميو، في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك"، إن "خمس سنوات مرت منذ انتخاب الرئيس الصومالي لإدارة البلاد، وكنت من بين مؤيدي انتخابه، لكن لاحقاً تغيّرت قناعاتي بشأنه، لناحية أنه سيُخرج الصومال من أزماتها، ولن يكون سبباً في تأزيم الوضع في البلاد".

ترجيح تمديد مهلة إجراء الانتخابات البرلمانية إلى مارس/ آذار المقبل

وفي حديث مع "العربي الجديد"، يوضح أنور ميو أن "فرماجو يعتبر من القادة الشعبويين الذين لا يحظون بتأييد من النخبة ورجال الأعمال والمثقفين، ولكنه ما زال يحتفظ بتأييد البسطاء والمهمشين من الشعب، ولا يزال يعدّ من بين أوفر المرشحين حظاً، نظراً لإمكانيات فريقه وتحالفه مع بعض زعماء الولايات. ولكن في النهاية، لن يحصل على الأصوات الكافية، ومن الممكن هزيمته إذا وجدنا تياراً متناسقاً وغير متعارض".

انتكاس التحول الديمقراطي في الصومال

بدوره، يقول الصحافي الصومالي عدنان عبدي، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إن "بقاء فرماجو في الحكم عاماً إضافياً بصفة غير شرعية، يعدّ انتكاسة للتحول الديمقراطي في الصومال، وتحدياً للدستور والقوانين المعمول بها في البلاد".

كما أن ذلك يعكس، وفق عبدي، "فشلاً ذريعاً في إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية"، معتبراً أن "هذا التمديد غير الشرعي يورث البلاد سنّة غير حميدة، يمكن أن يقتدي بها من يأتي لاحقاً إلى الحكم".

ويشير عبدي إلى أن "شعبية فرماجو تراجعت بشكل كبير بسبب التوترات الأمنية والسياسية التي رافقت مسيرة حكمه، لا سيما في العام الأخير".

ويضيف أن هذه التوترات "كادت أن تجر البلاد إلى نفق حرب أهلية في إبريل الماضي، لو لم تكن هناك جهود من قبل رئيس الحكومة محمد حسين روبلي لإبعاد شبح هذه الحرب عن البلاد، خاصة عندما شهدت مقديشو اشتباكات بين مسلحين موالين للمعارضة وأفراد من الجيش الصومالي".

ويلفت عبدي إلى أن تمديد ولاية فرماجو لعامين "أحدث أيضاً انقسامات عريضة في الأجهزة الأمنية، بين مؤيدين لهذه الخطوة ومعارضين لها، وهو ما فاقم المخاوف".

أنور ميو: فرماجو من القادة الشعبويين الذين لا يحظون بتأييد من النخبة

وحول إمكانية تنظيم انتخابات رئاسية في إبريل المقبل، يرى عبدي أن هناك "فرصاً كبيرة لحصول هذا الأمر بحال مضت الانتخابات التشريعية بالوتيرة نفسها وتقدمت نحو الأمام، إذ لم يتبق سوى انتخاب 175 نائباً".

لكن عبدي يشير في الوقت نفسه إلى أن "هناك تحدياً كبيراً يهيمن على الانتخابات البرلمانية حالياً ويتمثل بالخلافات السياسية، والحل هو بأن تبتعد الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية عن هذه الخلافات، لضمان إنجاز الاستحقاقين التشريعي والرئاسي".

ضرورات وراء التمديد لفرماجو؟

من جهته، يرى مدير موقع "مقديشو برس" عبد القادر عثمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "فرماجو بقي في الحكم لعام إضافي جراء الضرورات الحتمية لتصحيح بوصلة الانتخابات البرلمانية والرئاسية".

ويعتبر عثمان أن "بقاء فرماجو في الحكم يزعج فقط مرشحي الانتخابات الرئاسية، الذين يعانون من نزيف اقتصادي جراء الصرف على حملاتهم الانتخابية، وسيتضررون أكثر إذا ما بقيت الأوضاع على ما هي عليه، من دون إجراء انتخابات رئاسية في القريب العاجل".

ويقول عثمان إن "أعضاء البرلمان الذي أيدوا تمديد فترة فرماجو في إبريل الماضي، يرون أن بلداً خرج للتو من حرب أهلية، لا يمكن إصلاحه بين ليلة وضحاها. وهذا هو الأمر الرئيسي الذي أدى لتمديد فترة الرئيس، على الرغم من تباين وجهات النظر والرؤى حول شرعية تلك الخطوة من عدمها".

عدنان عبدي: التمديد غير الشرعي لفرماجو يورث البلاد سنّة غير حميدة

ويشهد الصومال حالياً انتخابات برلمانية انطلقت في معظم الولايات الفيدرالية، في 15 يناير الماضي. وتسارع الحكومة والولايات معاً لاستكمال الانتخابات التشريعية في غضون شهرين، لكن تحديات كبيرة لا تزال حاضرة.

ففضلاً عن الخلافات العشائرية حول بعض المقاعد النيابية، هناك الخلافات السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية، والتي يمكن أن تنال من جهود استكمال الانتخابات التشريعية وتنظيم الانتخابات الرئاسية، وهو ما يهدد عملية التحول الديمقراطي في الصومال.

المساهمون