انتخب البرلمان العراقي، اليوم الخميس، عبد اللطيف رشيد (78 عاما) رئيسا بعد مفاوضات ماراثونية بين الحزبين الكرديين الرئيسين لم تفض طوال الأشهر الماضية إلى أي تفاهمات، ليتم حسم الصراع على المنصب الذي جرى العرف السياسي المعمول به في البلاد أن يكون من نصيب القوى الكردية، عبر الغلبة بأصوات نواب البرلمان.
وتنافس الرئيس الجديد عبد اللطيف رشيد مع الرئيس السابق برهم صالح، الذي سعى للحصول على ولاية ثانية بدعم من حزبه (الاتحاد الوطني الكردستاني)، وسط غياب شبه تام للمرشحين الآخرين الذين بلغ عددهم 30 مرشحا بعد انسحاب مرشح الحزب الديمقراطي ريبر أحمد، والسفير السابق في دولة قطر عمر البرزنجي من السباق قبل نحو ساعتين من بدء الجلسة.
وأدى رشيد اليمين الدستورية رئيساً لجمهورية العراق، ليكون الرئيس السادس للبلاد منذ الغزو الأميركي.
وفي جلسة برلمانية مغلقة لم يسمح بتواجد وسائل الإعلام فيها، وبمشاركة 277 نائبا من أصل 329، بعد مقاطعة عدد من القوى المدنية والمستقلة للجلسة تجنبا للاصطفاف في الصراع السياسي الحالي، حصل المرشح لرئاسة الجمهورية عبد اللطيف رشيد، في الجولة الأولى، على 157 صوتا مقابل 99 صوت لمنافسه برهم صالح، ليذهب البرلمان إلى جولة ثانية بسبب عدم حصول أي من المرشحين على ثلثي الأصوات.
وفي الجولة الثانية، حصل عبد اللطيف رشيد على أغلبية أصوات أعضاء البرلمان العراقي، بواقع 162 صوتا، على حساب منافسه برهم صالح (99 صوتا)، الذي أخفق في الحصول على الدعم الكافي من القوى السياسية الأخرى، بعد تفاهمات وصفت بأنها "مبطنة"، بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وقوى "الإطار التنسيقي"، حيث سحب الأول مرشحه ريبر أحمد، وقرر دعم عبد اللطيف رشيد للمنصب، بهدف منع تمرير برهم صالح لولاية ثانية، في خلاف بدا عليه الطابع الشخصي أكثر من الحزبي بين القوى الكردية المتنافسة.
ووافقت رئاسة البرلمان على تسمية تحالف "الإطار التنسيقي"، الكتلة الأكبر داخل البرلمان التي يحق لها تشكيل الحكومة، وقدم التحالف مرشحه محمد شياع السوداني رسميا لتشكيل الحكومة، فيما ينتظر أن يتبنى التكليف الرئيس المنتخب عبد اللطيف رشيد فيما تبقى من جلسة اليوم، بحسب اشتراطات الدستور التي ألزمت أن يكون التكليف بنفس جلسة اختيار رئيس الجمهورية، بحسب المادة 76 من الدستور.
ومع اقتراب انتهاء جولة الخميس السياسية في العراق، تكون البلاد، قد خطت باتجاه تجاوز واحدة من أصعب أزماتها التي هددت في مراحل وأشواط عديدة منها على مدى عام كامل، في تحولها لاقتتال حزبي وفصائلي.
ورغم ما تحقق، اليوم الخميس، لا ينفي وجود القلق واستمرار مخاوف القوى السياسية من رد فعل جديد للتيار الصدري الفائز الأول في الانتخابات، والذي تسبب حرمانه من تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية التي كان يصر عليها إلى قرار زعيمه مقتدى الصدر الانسحاب من البرلمان والتصعيد باتجاه حله والذهاب لانتخابات مبكرة، إلا أن ذلك لم يتحقق للتيار الأكثر شعبية في العراق، وهو ما يجعل إمكانية الجزم بتجاوز العراق أزمته السياسية غير متاحا على الأقل خلال الفترة الحالية.
ويعتبر عبد اللطيف الرئيس الخامس للعراق منذ الغزو الأميركي للبلاد، عام 2003، بعد كل من غازي الياور، ثم جلال الطالباني لولايتين، ثم فؤاد معصوم، وبرهم صالح الذي أكمل سنوات ولايته الأربعة رغم قرار الانتخابات المبكرة التي أجريت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ أدى إطالة عمر الأزمة إلى بقائه بالمنصب وسط جدل قانوني ودستوري.
وكان آخر تصريح للرئيس الجديد في 13 يناير/ كانون الثاني 2022، حيث أعلن أن ترشحه رسميا لمنصب رئيس الجمهورية العراقية، مؤكدا: "لست مرشحا لأي حزب ولا أنوي الانسحاب حتى نهاية التصويت".
كما أكد، خلال التصريح ذاته، عدم اعتراض الحزبين الكرديين على الترشيح قائلا: "إنهم لم يعربوا عن استيائهم، وعلى العكس فإن معظم الأحزاب تؤيدني".
وفي تعليق له على التطورات السياسية ببغداد، قال رئيس حكومة تصريف الاعمال مصطفى الكاظمي، إنه يتمنى نجاح عبد اللطيف رشيد في مهمته برئاسة العراق، مطالباً "جميع القوى السياسية إلى التعاون وتوفير الدعم له".
وعلق الرئيس السابق، برهم صالح، والذي انسحب من البرلمان قبل نهاية عد أصوات الجولة الثانية على فوز منافسه عبد اللطيف رشيد بالقول: "تشرّفت بموقعي رئيساً لجمهورية العراق، والتزمت بإصرار في المضي تحت سقف الوطنية مساراً لمهامي ودعم مسار الإصلاح في سبيل بلد مُقتدر خادم لمواطنيه".
وأضاف "بمودة واحترام أهنئ رئيس الجمهورية المنتخب السيد عبد اللطيف رشيد متمنياً له النجاح والتوفيق في مهام عمله.
تشرّفت بموقعي رئيساً لجمهورية العراق، والتزمت باصرار في المضي تحت سقف الوطنية مساراً لمهامي ودعم مسار الإصلاح في سبيل بلد مُقتدر خادم لمواطنيه، وسأبقى ملتزماً بهذه المبادئ.
— Barham Salih (@BarhamSalih) October 13, 2022
بمودة واحترام أهنئ رئيس الجمهورية المنتخب السيد عبد اللطيف رشيد متمنياً له النجاح والتوفيق في مهام عمله.
سيرة رئيس العراق المنتخب عبداللطيف جمال رشيد
ويعتبر عبد اللطيف جمال رشيد المولد في السليمانية عام 1944، أحد كوادر العمل السياسي الكردي القديم في العراق منذ سبعينات القرن الماضي، وعمل في "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، في بداياته ثم في عدة أنشطة طلابية كردية بأوروبا وهو متزوج من عضو الهيئة القيادية في "الاتحاد الوطني الكردستاني" شاناز إبراهيم.
يحمل رشيد البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1968 من جامعة ليفربول والماجستير والدكتوراة عام 1976 في الهندسة من جامعة مانشستر.
وعمل في مجال التدريس ضمن جامعة السليمانية حتى عام 1979، ثم باحثا في مجال الري والتنمية بالسعودية لثلاث سنوات، قبل أن يتجه للعمل في الصومال ضمن مشروع تطوير زراعي عام 1981، ثم إلى الكويت ضمن مشروع منظمة الغذاء الدولية لدعم اليمن.
تولى عبد اللطيف رشيد وزارة الموارد المائية العراقية من 2003 وحتى نهاية العام 2010، وفي ديسمبر/كانون الأول 2010 عيّن مستشارا أقدم لرئيس جمهورية العراق.
وبحسب ما قال مقربون منه لـ"العربي الجديد"، فإن رشيد يجيد اللغات العربية والكردية والفارسية والإنجليزية. وحاول الرئيس العراقي الجديد، خلال سنوات عمله كمستشار في رئاسة الجمهورية تنمية الجامعات والواقع العلمي بشكل عام في البلاد، إلى جانب دعم المنظمات في مجال نشر الوعي والثقافة داخل المجتمع العراقي.
ويوصف رشيد بالقارئ النهم للأدب العربي وخاصة المصري منه، ويتمتع بلغة خطاب جيدة على غرار الرئيس السابق برهم صالح.