انتُخب صالح قوجيل، البالغ من العمر تسعين عاماً، اليوم الأربعاء، رئيساً لمجلس الأمة في الجزائر، بعد شغور هذا المنصب منذ 22 شهراً، عقب تولّي رئيس المجلس السابق عبد القادر بن صالح مهام رئاسة الدولة بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من منصبه في الثاني من إبريل/ نيسان 2019.
وصوّت أعضاء مجلس الأمة، في جلسة علنية، على صالح قوجيل مرشحاً وحيداً لهذا المنصب بعد انسحاب المرشحَين محمود قيساري ومصطفى جغدالي. وحاز قوجيل على 126 صوتاً، مقابل امتناع عضو واحد عن التصويت.
ويُعدّ مجلس الأمة الغرفة العليا للبرلمان الجزائري، ولم يشملها قرار الحلّ الذي اتخذه الرئيس عبد المجيد تبون، الخميس الماضي، واقتصر على الغرفة السفلى، أي المجلس الشعبي الوطني. ويضمّ مجلس الأمة 144 عضواً، بينهم 48 عضواً يعيّنهم رئيس الجمهورية.
وبغض النظر عن كون انتخاب صالح قوجيل رئيساً لمجلس الأمة مسألة وظيفية سداً لشغور هذا المنصب منذ ما يقارب السنتين، إلا أنه يمثل رسالة سياسية غير موفقة من حيث مضمونها وتوقيتها، اذ إن انتخاب رجل يقارب عمره التسعين عاماً، يثير استياءً كبيراً في المجتمع السياسي والمدني والشارع في الجزائر، لكونه يناقض خطابات السلطة السياسية والرئيس تبون، بما فيها خطابه الأخير الخميس الماضي، المتضمن مزاعم بضرورة إقحام الشباب في المشاركة السياسية ومؤسسات الدولة، ودعم ومساندة ترشحهم في الانتخابات النيابية والمحلية المقبلة.
وفي السياق، يعتقد المحلل السياسي ومدير صحيفة "أخبار الوطن" رياض هويلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تثبيت قوجيل رئيساً لمجلس الأمة، بعد قرابة العام من شغله للمنصب بالنيابة، له دلالتان سياسيتان في غاية الأهمية، أولاهما أن حلّ المجلس الشعبي الوطني بقرار رئاسي، الخميس الماضي، عجّل بالترسيم لتفادي أي طارئ في الأداء المؤسساتي، ولا سيما في ظل الظروف الحالية التي تمرّ بها البلاد والتي يتفق الجميع أنها تتميز بالتردد سياسياً"، مضيفاً أن هذا التطور يطرح الكثير من الأسئلة حول خطاب السلطة، مضيفاً: "بالنظر إلى سنّ الرجل (تسعون سنة)، يتضح أن النظام غير قادر على الانفتاح أكثر على كفاءات من خارج محيطه الضيق، على الرغم من وجود بعض السيناتورات القريبة من عنصر الشباب والقريبة من النظام في مجلس الأمة، وهو ما يضع خطاب (التشبيب) على المحك".
لكن توقيت انتخاب قوجيل وسدّ الشغور في رئاسة مجلس الأمة في هذا التوقيت، يثير من جانب آخر نقاشاً قلقاً حول ما إذا كان انتخاب رئيس مجلس الأمة يتعلّق بمخاوف من حدوث أي طارئ غير متوقع يخلق شغوراً مؤسساتياً في رئاسة الجمهورية، وخصوصاً أن الرئيس تبون حلّ البرلمان، الخميس الماضي، وبالتالي تجنّب وقوع البلد في مأزق دستوري يشبه وضع يناير/كانون الثاني 1992 نفسه، عندما استقال الرئيس الشاذلي بن جديد عشية إجراء الدور الثاني للانتخابات النيابية، وكان البرلمان في وضع حلّ، ما دفع الجيش إلى تشكيل مجلس رئاسي للدولة، وخصوصاً أن رئيس مجلس الأمة، وفقاً للدستور الجديد، هو الذي تنتقل إليه السلطة في حال وجود شغور في منصب الرئاسة.
وتنصّ المادة 94 من الدستور على أنه "إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، تجتمع المحكمة الدستورية بقوة القانون وبدون أجل، وبعد أن تتثبّت من حقيقة هذا المانع، وتقترح بأغلبية ثلاثة أرباع (4/3) أعضائها على البرلمان التّصريح بثبوت المانع، ويُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه (مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني) والمجتمعتين معاً، ثبوت المانع لرئيس الجمهوريّة بأغلبيّة ثلثي (3/2) أعضائه، ويكلف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوماً، رئيس مجلس الأمة".
وبغض النظر عن الناحية القانونية البحتة كون انتخاب قوجيل تصحيحا لوضع قانوني موقت استمر طويلاً حيث شغل منصب الرئيس الموقت لمجلس الأمة لمدة قاربت السنتين، فإن الاعلامي والناشط السياسي عماد بوكري يعطي قراءة سياسية لذلك، ويوكد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "يبدو أن المنظومة السياسية لا تريد الإطالة في هذا الوضع الموقت، وهي حسمت الصراعات داخل الغرفة العليا للبرلمان، وهذا يعني، برأيي، أن السلطة ماضية في تطبيق أجندتها السياسية من دون أي اعتبار لمطالب الحراك والطبقة السياسية المساندة له، وما هذا التثبيث في المنصب إلا إجراءً تقنياً ربما لمحاولة إحداث توازن داخل المنظومة مع انتخاب مجلس شعبي وطني جديد قد تختلف تركيبته عن سابقيه".