ترتفع في ليبيا المؤشرات إلى قرب الإعلان عن تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلى موعد يتخطى 24 ديسمبر/كانون الأول الحالي، كما كان مقرراً وفق الخريطة الأممية للحل الليبي، وربما إلى ما هو أبعد من الشهرين الأولين من العام المقبل، وذلك في انتظار جلاء توافقات دولية، تبدو منسجمة مع توجهات داخلية نحو هذا الخيار، في ظلّ احتدام المنافسة على منصب الرئاسة واحتقان الأجواء السياسية المتصاعد في الداخل الليبي.
وتنتظر مبادرات عدة، يعمل عليها الداخل والخارج، ضوءاً أخضر أميركياً، كما يبدو، في ظلّ ترشح كل من اللواء المتقاعد خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي، المرفوضين من واشنطن.
تعود الأميركية ستيفاني وليامز، إلى الملف الليبي كمستشارة حوله للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس
ومع عودة الأميركية ستيفاني وليامز، إلى الملف الليبي كمستشارة حوله للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ينتظر استحقاق الانتخابات الليبية، ما سيجري العمل عليه من تدوير للزوايا لجميع الأفرقاء، ومن بينهم الأمم المتحدة، لتأجيل الاستحقاق والخروج بمعادلة قد تجمد الوضع الانتقالي في البلاد، على أن يشكل ذلك فرصة لبعض الدول لعقد مؤتمرات جديدة في هذا الشأن.
وكانت وليامز قد قادت فريق ملتقى الحوار السياسي الليبي لإنجاز خريطة الحل الليبي، حين كانت المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا، بعد استقالة غسان سلامة في ربيع 2020.
مبادرة للمجلس الأعلى للدولة لتأجيل الانتخابات
وفيما ينتظر مجلس النواب الليبي الذي استمع، أول من أمس الثلاثاء، إلى رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح، حول العراقيل التي تواجه عمل المفوضية ومسار الانتخابات، تقريراً سيصدر عن اللجنة التي شكّلها لهذا الغرض، أطلق المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، أمس الأربعاء، مبادرة لإنقاذ العملية الانتخابية في البلاد، تتضمن تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإجراءها بالتزامن في فبراير/شباط المقبل.
وأوضح نائب رئيس المجلس، عمر أبو شاح، أن المبادرة تتلخص في الدعوة إلى "إجراء الانتخابات البرلمانية في فبراير، على أن تكون المهمة الأولى لمجلس النواب المنتخب إنجاز الاستحقاق الدستوري".
ولفت إلى أن المبادرة تقترح إجراء الانتخابات البرلمانية وفقاً للقوانين الانتخابية الصادرة عن المجلس الوطني الانتقالي لعام 2012، والتي تسمح بالترشح الفردي ووفقاً للقوائم التابعة للكيانات السياسية، وجرت على أساسها أول انتخابات برلمانية في البلاد في العام ذاته.
وتوصي المبادرة، بإجراء الانتخابات الرئاسية بالتزامن مع البرلمانية، على أن يجري ذلك بـ"نظام القائمة المكونة من رئيس ونائبين ورئيس حكومة". وأشار أبو شاح إلى أن اختصاصات الرئيس ورئيس الحكومة جرى التوافق حولها بين لجان الحوار في مجلسي النواب والدولة عام 2017، وتم تضمينها لاحقاً في التعديل الـ11 للإعلان الدستوري من قبل مجلس النواب.
كما أشار إلى أن المبادرة تقترح أن تكون ولاية الرئيس ومجلس النواب المقبل 4 سنوات "لدورة واحدة وغير قابلة للتجديد"، مع "التزام الحكومة الحالية بتوفير كل الإمكانات والظروف لإجراء الانتخابات في موعدها، والتزام المفوضية العليا للانتخابات بمراجعة سجل الناخبين ومطابقته مع منظومة الأحوال المدنية وتوخي النزاهة والشفافية في ذلك".
إضافة إلى ذلك، توصي المبادرة بـ"اعتماد جملة من إجراءات بناء الثقة بين الأطراف السياسية".
وحول أسباب إطلاق المبادرة، رأى أبو شاح أن "المتتبع للمشهد السياسي في ليبيا، يدرك أن بلادنا تمر بمفترق طرق لا يسمح بخوض أي مناورة سياسية تشوبها احتمالية الفشل".
وحذّر أبو شاح من أن "كل المؤشرات الحالية تؤكد أن الاستمرار في الانتخابات الرئاسية، وفي غياب أي ضوابط دستورية أو قانونية منظمة لإدارة المرحلة، وفي ظروف يسودها التوتر وحالة من انعدام الثقة بين الأطراف والتدخلات الخارجية، ستعصف بالعملية السياسية برمتها، وهو ما بدأت مؤشراته تظهر".
في غضون ذلك، طالب أعضاء في ملتقى الحوار السياسي الليبي، أمس، الأمين العام للأمم المتحدة، بالتدخل لإنقاذ خريطة الطريق للانتخابات. وأعرب 17 عضواً في الملتقى، في رسالة لغوتيريس، عن ترحيبهم بتعيين وليامز مستشارة أممية خاصة للشأن الليبي، مؤكدين على ضرورة التدخل الأممي لإنقاذ العملية السياسية في ليبيا "التي أوشكت على الانهيار".
كما طالبوا غوتيريس بـ"الإسراع في تغيير طاقم البعثة، لما يتوارد بشأن انتفاء مبدأ تعارض المصلحة وارتباط بعض أفراد البعثة بأطراف الصراع بشكل مباشر".
ولفت الموقعون إلى اختراق عدد من الأطراف الليبية لـ"خريطة الطريق"، بما في ذلك الحكومة الانتقالية ورئيسها عبد الحميد الدبيبة "كجهة راعية ومحايدة وضامنة للعملية الانتخابية". كما تحدثوا عن "تقاعس المجلس الرئاسي في رعاية المصالحة الوطنية".
اتصالات مصرية لتأجيل انتخابات ليبيا
ويتزامن الحراك الليبي الداخلي، الذي يقود مسعى لتأجيل الانتخابات، مع توجه الدول المعنية بالملف، إلى الذهاب أيضاً في خيار التأجيل، في محاولة لإعادة ترتيب الأوراق، بما يسمح بالتوافق على شخصية قادرة على قيادة ليبيا في المرحلة الراهنة.
تخشى القاهرة فوز عبد الحميد الدبيبة تحديداً بالرئاسة
وفي هذا الإطار، أكد مصدر ليبي مطلع على الاتصالات التي تجريها مصر مع الأطراف الليبية المختلفة المنتمية للمعسكر المصري الإماراتي الروسي، أن الانتخابات الرئاسية باتت قاب قوسين أو أدنى من التأجيل.
وأوضح المصدر أن هناك صعوبة شديدة في إجراء الانتخابات، في ظلّ الظروف الراهنة وصعوبة الاتفاق على قيادة قوية توحد البلاد التي تعاني من الانشقاق والعنف منذ عقد، معتبراً أنه حتى لو أجريت الانتخابات، فلن يعترف الخاسر بالنتيجة، وستدخل البلاد في دائرة جديدة من الخلافات.
وقال المصدر لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة بعدما كانت تخطط لحسم مسألة تأجيل الانتخابات عن طريق الدعوة إلى مؤتمر بشأن ليبيا في القاهرة، يتم خلاله دعوة كافة الأطراف الليبية والمرشحين للرئاسة، بحجة "التباحث والاتفاق على صيغة تضمن اعتراف الجميع بنتائج العملية الانتخابية حال إجرائها"، فقد بدت مترددة في عقد المؤتمر، بعد تعالي أصوات من الداخل الليبي تتبنى فكرة التأجيل، وهو ما سيمنح مصر الفرصة لاستغلال تصاعد الخلافات، في محاولة إقناع الأميركيين بأن إجراء الانتخابات حالياً سوف يتسبب في أزمة أكبر.
وأوضح المصدر أن دخول كل من حفتر وسيف الإسلام إلى سباق الرئاسة، سيكون أيضاً مصدر قوة للمصريين في الضغط على الأميركيين.
وقال المصدر الليبي إن القاهرة تخشى فوز عبد الحميد الدبيبة تحديداً، أولاً لأنه صاحب فرصة جدية في الفوز، وثانياً لأن المصريين يعرفون جيداً أنه شخصية يصعب السيطرة عليها.
ولذلك فإن القاهرة، بحسب المصدر، تتعامل مع عدد من السيناريوهات، منها الذي جرى بشأنه مباحثات معمقة مع أطرافه، وهو تفعيل اتفاق قديم تمّت هندسته في مصر بين وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ويقضي بتنسيق انتخابي برعاية مصرية، ودعم من أطراف دولية أخرى، بحيث يكون ذلك التنسيق جاهزاً مع إجراء العملية الانتخابية، وذلك لمواجهة إمكانية فوز الدبيبة.
وأكد مصدر دبلوماسي مصري، رغبة مصر الشديدة في تأجيل الانتخابات الليبية، قائلاً إن المسألة باتت شبه محسومة، لا سيما مع التوافق المصري الروسي حول الأمر، ما سيدعم فكرة عدم انتظار الموافقة الأميركية، لا سيما أن الجانبين الفرنسي والإيطالي "باتا متوافقين بدرجة كبيرة على التأجيل في ظلّ صعوبة إتمام العملية الانتخابية" في الموعد المحدد سلفاً، مؤكداً أن "تنسيقاً مصرياً فرنسياً إيطالياً يجرى في الوقت الراهن لدفع واشنطن إلى تبني رؤيتهم نحو تأجيل الانتخابات".
وقالت مصادر مصرية مطلعة إن المؤتمر، الذي تعكف عليه الجهات المصرية المشرفة على الملف الليبي، يهدف أيضاً إلى "تعظيم الوجود المصري في ليبيا، خصوصاً في ظلّ صعوبة الرهان على مرشح واحد لتقارب فرص عدد كبير من المرشحين، بالإضافة إلى صعوبة موقف بعض أصحاب الفرص الجيدة، والذين يتمتعون بعلاقات متميزة مع القاهرة".
وأشارت المصادر إلى أن "الرغبة المصرية تتمثل في تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى مارس/آذار المقبل، أو ربما إلى أبعد من ذلك، إلى حين التوصل إلى صيغة دولية جديدة بين الأطراف الفاعلة في ليبيا، تكون بمقتضاها القيادة المنتخبة قادرة على لمّ شمل الليبيين، وأيضاً إقناع التركيبة القبائلية والجهوية في ليبيا بالتعاطي الإيجابي معها".
في غضون ذلك، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، أن اتصالات تجري في هذا الخصوص بين بلاده ودول أخرى معنية، لكنه أعرب عن أمله في أن تجرى الانتخابات الليبية في موعدها.