حدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس 22 مايو/ أيار و31 يوليو تموز القادمين، موعدين لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية. في هذه المرة، تم الاعتناء بالتفاصيل، فتوافقت "فتح" و"حماس" بشأن الجهاز الأمني المسؤول عن تأمين التصويت، والمحكمة التي ستبت في الطعون الانتخابية وستتولى الفصل في الخلافات القانونية المحتملة، والتي طالما كانت موضع خلاف بينهما، مما يوحي بأن الأمور تمضي قدما بعدما عطّل الخلاف الفلسطيني الداخلي أي فرصة لإجراء الانتخابات على طول خمسة عشر عاما. هل يمكن أن يحظى الفلسطينيون بانتخابات ناجحة؟
الانتخابات الفلسطينية وفق مرجعيات اتفاقيات أوسلو تجعل من الديمقراطية الفلسطينية ديمقراطية ناقصة، ليس فقط لأنها تتم في ظل استمرار الاحتلال، بل أيضا لأنها تستبعد مشاركة نصف الشعب الفلسطيني اللاجئين في الشتات، ناهيك عن أنه لا ضمانات حتى الآن لمشاركة فلسطينيي القدس المحتلة (350 ألفا) في هذه الانتخابات، وقد أكد الرئيس الفلسطيني، في غير مناسبة، أنه لا انتخابات فلسطينية بدون القدس، وفي مرسومه الأخير القاضي بإجراء الانتخابات دعا الفلسطينيين في "القدس وجميع محافظات الوطن" للإدلاء بأصواتهم في " انتخابات حرة ومباشرة". لم تتبين السلطة الفلسطينية حقيقة الموقف الإسرائيلي قبيل إعلان مرسوم الانتخابات، متوقعة ضغوطا من دول أوروبية وعربية على إسرائيل حتى لا تعطل الانتخابات في المدينة. ويبقى السؤال قائما حول موقف السلطة من الانتخابات في حال فشلت تلك الضغوط. صحيح أن المقدسيين شاركوا في الانتخابات الفلسطينية السابقة في أعوام 1996 و2005 و2006 لكن هناك خشية حقيقية اليوم من أن تمنع إسرائيل مشاركتهم، وأن ترفض أي مؤشرات للسيادة الفلسطينية في القدس الشرقية توفرها مشاركتهم في الانتخابات الفلسطينية القادمة، بعد اعتراف الولايات المتحدة بالمدينة كعاصمة لإسرائيل العام 2017 ووسط الاستعدادات للانتخابات الإسرائيلية في 22 مارس. في العام 2006 شارك أكثر من 18 ألف ناخب مؤهل في القدس الشرقية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية لعام 2006، ولكن بعد إعلان النتائج اعتقلت إسرائيل النواب المنتخبين في القدس الشرقية بتهمة الانتماء إلى حركة حماس، ليتم نفيهم لاحقا إلى الضفة الغربية وسحبت منهم تصاريح الإقامة في القدس. يتساءل كثير من الفلسطينيين: ما الذي تغير ليبدو أن الولايات المتحدة، وأعضاء آخرين في الأسرة الدولية، سوف يقبلون بنتائج تلك الانتخابات إن فازت فيها "حماس". صحيح أن إسرائيل وحماس تفاوضتا طوال السنوات الماضية عبر وساطة مصرية، لكن هل إسرائيل مستعدة للتفاوض مع حكومة فلسطينية تقودها "حماس" أو فتح قنوات مباشرة معها؟ هل سيتكرر على هذا الصعيد سيناريو انتخابات 2006؟
لا يمكن للفلسطينيين أن يأملوا في انتخابات ناجحة، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو محلية، تؤدي إلى تجديد ديمقراطي، دون إصلاح مؤسسي طال انتظاره، بما في ذلك إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) التي ظلت ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني قبل أن تتحول إلى أداة للتمديد لسلطة الرئيس محمود عباس. أما انتخابات المجلس الوطني المعلنة في آب/ أغسطس القادم فلا يتوفر لها الوقت ولا التحضير ولا الآليات التي تضمن لها أن تعكس تمثيلا حقيقيا، ولكنها ستتمم الديمقراطية الاسمية الفلسطينية التي تجدد للساسة الفلسطينيين "تفويضهم الديمقراطي" من قبل الأطراف الدولية المانحة، حتى وإن لم تُحدث صناديق الاقتراع فارقا يذكر. التأييد الشعبي لفتح في الضفة الغربية وحماس في غزة آخذ في التضاؤل، ويستمرون في إحكام قبضتهم في رام الله وغزة من خلال الاستبداد والقمع والفساد. ولن تكون الانتخابات القادمة تدريبا على ممارسة الوحدة الفلسطينية بقدر ما ستتيح للطرفين تكريس الهيمنة في منطقتيهما، لتصبح الانتخابات مجرد إجراءات تقنية لا تحقق بالضرورة الديمقراطية، فاللجوء الى صناديق الاقتراع لم يعد خصلة لصيقة بالنظم الديمقراطية، بل يخدم كذلك مصالح الطبقات المسيطرة في النظم الاستبدادية.
ستدعم الانتخابات الوضع القائم الذي لا يسمح بديمقراطية حقيقية، ولن يؤدي الى قيادة ديمقراطية وتمثيلية. لم يكن إعلان الانتخابات استجابة لمطالب شعبية فلسطينية بل نتيجة ضغوط وشروط خارجية، دولية وإقليمية. فبعد تهميشٍ من إدارة ترامب، ترغب سلطة محمود عباس في رام الله، وتشاركها في هذه المصلحة حركة حماس في غزة، بإرسال رسالة واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة مفادها أنهم مستعدون للتعاون، وهم مستعدون لتلقي المساعدات المالية، والاعتراف الديبلوماسي الدولي. إذا، لا انتقال ديمقراطيا ولا إصلاح للنظام السياسي الفلسطيني، بل ديمقراطية اسمية، فبنى القمع والاستبداد قد تجذّرت فلسطينيا ولم يعد بالإمكان تغييرها عبر إجراء جزئي يتمثل في الانتخابات، يسهم فيه، عن غير قصد، الناخب الفلسطيني والفصائل الفلسطينية الأخرى، في تجديد شرعية الحرس القديم ذاته في غزة ورام الله. إنها انتخابات ستقوض الديمقراطية الفلسطينية، كثير من الفلسطينيين يعون ذلك، ولنا ألا نستغرب إذا ما كانت نسبة المشاركة الشعبية فيها منخفضة.