يدخل السباق الانتخابي في المغرب مراحله الحاسمة على بعد أيام من موعد الاقتراع في الثامن من سبتمبر/ أيلول الحالي، وذلك في ظلّ تنافس حزبي شديد لاستقطاب الناخبين من خلال برامج وعروض سياسية تتضمن وعوداً متعلقة بقضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية تفرض نفسها في مرحلة ما بعد كورونا. ومع بدء العد التنازلي لرابع انتخابات تُجرى في ظل دستور تمت المصادقة عليه باستفتاء شعبي (2011) كأحد الإصلاحات الدستورية التي جاءت استجابة لمطالب "الربيع المغربي" ممثلاً في "حركة 20 فبراير"، يسابق 31 حزباً سياسياً الزمن قبل حلول "الصمت الانتخابي" في السابع من سبتمبر، من أجل تسويق برامج انتخابية تختلف شعاراتها، لكنها تشترك من حيث الطموحات والأهداف، في محاولة التأثير في الناخب ودفعه للذهاب إلى صناديق الاقتراع.
احتلت الإصلاحات السياسية مرتبة ثانوية في برامج الأحزاب
وتأتي الانتخابات المغربية في ظلّ سياق سياسي مختلف عن سابقاتها، أبرز سماته وضع اقتصادي واجتماعي صعب فرضه تفشي فيروس كورونا، واستحقاقات مستقبلية تخص على وجه التحديد تطبيق النموذج التنموي الجديد الذي وضعته لجنة عينها العاهل المغربي في نهاية 2019.
وفي ظل هذا الوضع، كان لافتاً حرص الأحزاب السياسية المغربية في برامجها الانتخابية وعرضها السياسي لاستقطاب الناخبين، الاهتمام بالجوانب الاجتماعية، وبآليات تجاوز الانعكاسات السلبية التي خلفتها الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي كورونا، فيما احتلت الإصلاحات السياسية مرتبة ثانوية في تلك البرامج. وعلى امتداد الأيام الماضية، أطلقت الأحزاب المشاركة في الانتخابات المقبلة مجموعة برامج ووعود بتحسين الوضعية الاقتصادية والاجتماعية، كان من أبرزها برنامج حزب "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، الذي ارتكز على خمسة محاور رئيسية، هي: تعزيز الموقع السياسي والاستراتيجي للمغرب في محيطه الإقليمي والجهوي والدولي، وتحسين المناخ الديمقراطي والسياسي والحقوقي، وتعزيز كرامة المواطن وتثمين الرأسمال البشري، وإطلاق جيل جديد من الإصلاحات من أجل العدالة الاجتماعية الشاملة وتقليص الفوارق، والانتقال إلى مصادر جديدة للنمو وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني.
وبينما يقترح "العدالة والتنمية"، في سياق سعيه لاستقطاب الناخبين، استحداث أكثر من 160 ألف منصب شغل سنوياً، والوصول إلى نصف مليون مقاول ذاتي (كل شخص يزاول بشكل انفرادي نشاطاً صناعياً، أو تجارياً، أو حرفياً، أو تقديم الخدمات. وتم تطوير هذا النظام بهدف الحد من البطالة وتشجيع التشغيل الذاتي)، ومواكبة انتقال 125 ألف وحدة من الاقتصاد غير المهيكل (غير النظامي) إلى المهيكل، تعهد حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الساعي إلى الإطاحة بالإسلاميين، بالشروع في تنفيذ أولوياته المتمثلة في خلق مليون منصب شغل، مع إطلاق برنامج طارئ لتوفير 250 ألف وظيفة من خلال برامج كبرى وصغرى للأشغال العمومية. بالإضافة إلى تمكين كل مواطن في وضع هش ويبلغ 65 سنة أو أكثر، من الحصول على تغطية صحية بالمجان، ومدخول مضمون لا يقل عن 1000 درهم (نحو 100 دولار) شهرياً، في أفق سنة 2026.
لزرق: برامج الأحزاب أقرب إلى تجميع للشعارات من كونها قابلة للتطبيق
في المقابل، أبدى حزب "الأصالة والمعاصرة" (أكبر حزب معارض في المغرب)، تطلعه إلى بناء اقتصاد في خدمة المجتمع، وأن يستفيد كل المغاربة من ثمار التنمية والتقدم، معتبراً أن الهدف الأساسي لبرنامجه الانتخابي هو "تحقيق التقدم الاجتماعي والثقافي لكل المغاربة" و"تحسين شروط الولوج إلى الرعاية الصحية" و"ولوج الجميع لسكن لائق يضمن كرامة المواطنين".
بدوره، أطلق حزب "الاستقلال" (أعرق الأحزاب المغربية)، تعهدات انتخابية عدة، أبرزها رفع وتيرة النمو إلى نحو 4 في المائة، وتقليص نسبة البطالة إلى أقل من 9 في المائة وطنياً، وبطالة الشباب إلى أقل من 20 في المائة، مع رفع نسبة نشاط النساء إلى ما يزيد عن 30 في المائة عوض 20 في المائة حالياً، وكذلك إخراج مليون أسرة من دائرة الفقر، وذلك في أجل أقصاه عام 2026.
وركز البرنامج الانتخابي لحزب "الحركة الشعبية" (المشارك في الائتلاف الحكومي)، على "إرساء أسس العدالة الترابية"، من أجل النهوض بالعالم القروي وتقليص الفوارق الاجتماعية، والحاجة إلى الدعم المباشر لصغار المزارعين، ومحاربة البطالة وتبسيط إجراءات حصول الشباب على القروض الصغرى وتشجيع إحداث التعاونيات، والارتقاء بالمنظومة الصحية. أما حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" (المشارك في الحكومة)، فأطلق وعوداً بتقوية وتوسيع الطبقة الوسطى، ومحاربة الهشاشة من أجل دعم التنمية الاقتصادية وتعزيز السلم الاجتماعي، وكذلك اعتماد نظام جبائي عادل ومنصف لتوجيه التنمية الاقتصادية بشكل فعال.
وبينما تتقارب البرامج التي تقدمت بها الأحزاب المتنافسة بشكل كبير في اللغة والوعود واللجوء إلى الأرقام والنسب المئوية، تطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى واقعية تلك البرامج، وما تضمنته من شعارات ووعود سياسية واقتصادية واجتماعية، في ظل مخاوف من أن تظلّ حبراً على ورق، وشعارات براقة لاستقطاب أصوات الناخبين فقط، من دون أن تستجيب لانتظاراتهم الكثيرة.
في السياق، رأى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية رشيد لزرق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما طرحته الأحزاب تحت مسمى برامج انتخابية، هو استنساخ حرفي بدون مدلول سياسي لمشروع النموذج التنموي"، الذي كان قد تسلم العاهل المغربي الملك محمد السادس، في أواخر مايو/ أيار الماضي تقريره، من قِبل اللجنة التي كلفها بإعداده، بعدما كان قد أعلن في خطاب عيد العرش لسنة 2019، أن النموذج الذي كانت تعتمده البلاد قد أبان عن عجزه عن مواكبة الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعن الحد من الفوارق الاجتماعية.
وتبقى البرامج الانتخابية، وفق لزرق، "وعوداً بلا أساس واقعي، وهي أقرب إلى المتمنيات، في وقت يفترض فيه أن تقوم الأحزاب بطرح البدائل التي تلبي تطلعات المواطنين والمواطنات بغية دفعهم إلى التصويت. كما أن هذه البرامج بدون مدلول سياسي وتفتقد للصبغة العملية، بل هي أقرب إلى تجميع للشعارات من كونها قابلة للتطبيق".
وأضاف لزرق أنه "في ظل مرحلة موسومة بالطابع الشعبوي، وبهاجس واحد هو الظفر بالأصوات من دون قدرة على بلورة برامج، باتت هناك هوة عميقة بين الأحزاب السياسية وبين المواطنين بمختلف شرائحهم الاجتماعية؛ لا سيما جراء ما تروجه هذه الأحزاب من خطاب فكري وسياسي متناقض وغامض وبدون مدلول سياسي بالنسبة للمجتمع". وأكد على "ضرورة اعتماد تلك الأحزاب الواقعية السياسية ومراجعة سياستها والتخلي عن الشعارات الأقرب إلى الشعبوية، التي تحاول من خلالها بناء علاقة نمطية بينها وبين المجتمع".
لموير: تفتقد الأحزاب للكفاءات القادرة على طرح مشاريع جديدة تتناسب وطبيعة التحديات المستجدة
من جهتها، رأت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المنظومة الحزبية في المغرب تواجه مشاكل حقيقية، وعاجزة عن التحول من منطق أحزاب الأشخاص إلى أحزاب المؤسسات"، لافتة إلى أنّ "ما يشهده المشهد الحزبي اليوم في سياق حملة الدعاية الانتخابية، هو تراجيديا سوداء". وأوضحت أن "واقع المنظومة الحزبية جراء تدبيرها بمنطق حزب الفرد، جعلها تطرد الكفاءات وتعجز عن مواكبة الزمن الدستوري والمشاريع الكبرى، وبالتالي عجزت عن تغيير أساليب عملها، بما يساهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي، ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية".
ووفق لموير، فإن الأحزاب "ركزت كل اهتمامها على كيفية الاستفادة من التغييرات التي عرفتها القوانين الانتخابية، في حين افتقدت للكفاءات القادرة على طرح مشاريع جديدة تتناسب وطبيعة التحديات المستجدة"، مشيرةً إلى أن "هذا ما جعل البرامج الانتخابية للمحطة الانتخابية الحالية نسخة عن برامج ووعود سابقة لم تنفّذ على أرض الواقع".
بدوره، قال رئيس "المرصد المغربي للمشاركة السياسية" جواد الشفدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "على الرغم من أن كل حزب حاول أن ينفرد ببرنامجه الانتخابي الخاص، إلا أن هناك تشابهاً كبيراً بين برامج الأحزاب المتنافسة، جراء استلهامها من بنود النموذج التنموي الجديد". ولفت إلى أن "الاختلاف يقتصر على نوعية الآليات التي يمكن أن يتبناها كل حزب، ومدى الثقة التي يمكن أن يحظى بها مرشحو كل حزب، خاصة أن الفترة الانتخابية تتميز بتداعيات جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير على قطاعات عدة وزادت من هشاشة شرائح اجتماعية عديدة".
وفي الإطار ذاته، رأى الباحث في العلوم السياسية محمد شقير أن البرامج الانتخابية التي تقدمت بها الأحزاب "تتشابه في مجملها ولا ترقى لتطلعات وانتظارات المواطنين". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الثقافة الانتخابية اليوم عند غالبية الناخبين المغاربة ما زالت مرتبطة بالأشخاص، وبعيدة كل البعد عن البرامج الانتخابية. وتبعاً لذلك، يبقى دور البرامج الانتخابية ضعيفاً جداً في استمالة أصوات الناخبين، كما أن لا تأثير لها في النتائج النهائية للاقتراع". واعتبر شقير أن هذه البرامج "ليست سوى وسيلة لإيجاد محتوى للتواصل مع الناخبين، لا تتبعها أي محاسبة أو تقييم، لأنها تنصهر في برامج باقي الأحزاب المشكلة للحكومة لتصبح بلا لون ولا رائحة".