امتناع تونس عن التصويت على قرار أممي يدعو لهدنة في غزة يثير جدلاً

28 أكتوبر 2023
خلال تظاهرة مناصرة للفلسطينيين في تونس الخميس (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

أثار امتناع تونس عن التصويت على مشروع القرار العربي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، جدلاً واسعاً. وفي حين بررت السلطات التونسية موقفها بالقول إن مشروع القرار منقوص ويساوي بين الضحية والجلاد، اعتبره كثيرون مهيناً.

وفسّر مندوب تونس الدائم لدى الأمم المتحدة، طارق الأدب، في الاجتماع الطارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة، الموقف قائلاً إن "الوضع الخطير وغير المسبوق في قطاع غزة، نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي المتواصل على الشعب الفلسطيني وإجراءات الإغلاق ومنع كل وسائل الحياة عن ملايين الفلسطينيين، يستوجب سقفاً أعلى وموقفاً أكثر وضوحاً".

وأشار طارق الأدب إلى أنه "على الرغم من أن مشروع القرار يدعو إلى تسهيل دخول المساعدات الإنسانية ومنع التهجير، فإنه أغفل الإدانة الصريحة والقوية لجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال، كما لم يتضمن المطالبة بمحاسبة المحتل على هذه الجرائم، ولم يشر بشكل واضح إلى المطالبة بالوقف الفوري للعدوان، علاوة على مساواته بين الضحية والجلاد".

وأضاف الأدب: "لذلك دعونا إلى التصويت على نص قرار لا يزيد في مفاقمة الوضع ومعاناة الفلسطينيين... وبعد عدم تبني المخرجات المذكورة، صوتنا بالامتناع عن القرار، تماهياً مع موقف تونس المبدئي الذي يرفض المساواة بين المُعتدي والمُعتدى عليه ويؤكد على الإدانة الواضحة والصريحة لاعتداءات قوات الاحتلال على الفلسطينيين، وهي مسائل مبدئية وثوابت في موقفنا لا نقبل بتغييبها عن قرار في مثل هذا الوضع الاستثنائيّ والخطير".

في المقابل، وصف القيادي في جبهة الخلاص، بدر الدين عبد الكافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، موقف تونس "الغريب والمفاجئ" بأنه "غير مشرف وغير مقبول من قبل التونسيين"، إذ "تمايز عن جميع الدول العربية التي صوتت له، بما فيها حركة حماس التي رحبت بمشروع القرار، باعتباره يعد متنفساً لإدخال الأدوية والغذاء والإمداد، ويوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها آلة الحرب الصهيونية على الأبرياء والمدنيين والأطفال منذ أسابيع أمام صمت دولي مخجل وعجز عربي مهين".

ورأى عبد الكافي أنه "مهما كانت تبريرات السلطة فهي غير مقبولة، إذ تتعارض مع طلب وقف إطلاق النار وعملية الإبادة، فيما تتماهى مع مواقف داعمة للكيان الصهيوني المساندة لعملية إبادة شعبنا في فلسطين".

وبيّن عبد الكافي أن "رفض التونسيين وغضبهم واضح على مواقع التواصل الاجتماعي من هذا الخيار الذي انتهجته السلطة في وقت رحبت به المقاومة الموجودة في خط المواجهة والقتال".

من جهة ثانية، رأى المتحدث الرسمي باسم التيار الشعبي (قومي) محسن النابتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن موقف تونس "صائب ومشرف وعظيم بكل المقاييس؛ البيان دسّ السم في العسل، فمن جهة طالب بوقف إطلاق النار وهدنة إنسانية، وهو مطلب كل الإنسانية الحرة، ومن جهة أخرى تحدث عن عمليات الفلسطينيين ضد مدنيين إسرائيليين، وهذا الموقف مرفوض في تونس، لأنها الدولة الوحيدة التي لا تعترف بوجود إسرائيل، وهو موقف أعلى سلطة في الدولة، وهو رئيس الجمهورية، كما تعتبر أن حق الشعب الفلسطيني هو الحق المشروع، وأن وجود الكيان الصهيوني غير مشروع".

وأضاف النابتي: "تونس تحفظت من موقف مبدئي على العبارات المسمومة الموجودة في البيان التي تصم المقاومة بالعنف والإرهاب، وهي بالتالي منسجمة تماماً مع موقفها الثابت أن لا وجود لدولة إسرائيل على شبر واحد من دولة عربية ولا اعتراف بها، وفي الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية والإنسانية في المقاومة حتى رحيل هذا الاحتلال، ووفق هذه الثوابت، تتحرك تونس وفق موازين القوى".

وقال إن "موقف حماس موقف سليم تكتيكياً، وموقف تونس سليم من الناحية المبدئية الدبلوماسية الصرفة، وهما موقفان يتكاملان، فتونس لا تتحفظ على الهدنة، بل على وصم المقاومة بالإرهاب والمساومة بين المجرم والضحية".

ووصف الدبلوماسي السابق عبد الوهاب الهاني الموقف التونسي بـ"فضيحة دولة، بل جريمة دولة وخيانة موصوفة للقضيَّة الفلسطينيَّة وعار يلاحق تونس"، وذلك عبر حسابه في "فيسبوك".

وكتب وزير الخارجية السابق والقيادي في حزب النهضة، رفيق عبد السلام، على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، أن "حماس ترحب الآن بالقرار وتطالب بتطبيقه فوراً، لأنه فعلاً يعطي متنفساً لأهالي غزة في الحد الأدنى لدفن شهدائهم وتخفيف محنتهم. أما قيس سعيد (الرئيس التونسي)، ولأنه ثوري عظيم، فلا يمكن أن يقبل بما تقبل به حماس (المهادنة). ألم نقل لكم إن الثورية المزيفة لا تعبر عن مواقف صلبة ومتوازنة، بل هي مجرد مزايدات كلامية فارغة وكاذبة لغايات في نفس يعقوب".

وطالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة الجمعة بغالبية كبيرة بـ"هدنة إنسانية فورية"، في اليوم الحادي والعشرين للعدوان الإسرائيلي على غزة. والقرار غير الملزم الذي انتقدته إسرائيل والولايات المتحدة لعدم إشارته إلى حركة حماس، أيّده على وقع التصفيق 120 عضواً، وعارضه 14، فيما امتنع 45 عن التصويت، من أصل 193 عضواً في الجمعية العامة.

وطلب القرار الذي أعدّه الأردن باسم المجموعة العربية التي تضم 22 بلداً "هدنة إنسانية فورية دائمة ومتواصلة تقود إلى وقف للعمليات العسكرية". وكانت الصيغة السابقة للقرار تطالب بـ"وقف فوري لإطلاق النار".

ويتمحور مشروع القرار الذي صاغه الأردن، ورعته قرابة 50 دولة، حول الوضع الإنساني في غزة، ويطالب خصوصاً بتوفير ماء وغذاء ووقود وكهرباء "فوراً" و"بكميات كافية"، ووصول المساعدة الإنسانية "بلا عوائق".

ويندد النص أيضاً بـ"كل أعمال العنف الموجهة ضد المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا سيما الأعمال الإرهابية والهجمات العشوائية". ويعرب عن "قلقه الشديد من التصعيد الأخير في العنف منذ هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول".

وأثار القرار غضب السفير الإسرائيلي جلعاد أردان الذي اعتبر الخميس أن مكان هذا النص "في مزبلة التاريخ". من جهتها، قالت السفيرة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد: "من المشين أن يفشل هذا القرار في تحديد مرتكبي الهجوم الإرهابي الذي وقع في 7 أكتوبر". وأضافت أن "الكلمة الرئيسية الأخرى المفقودة في هذا القرار هي الرهائن".

وأعرب السفير الفلسطيني رياض منصور عن سعادته، شاكراً الجمعية العامة على "شجاعتها" لقولها "كفى، هذه الحرب يجب أن تتوقف، المذبحة ضد شعبنا يجب أن تتوقف".

ورحبت "حماس" من جهتها "بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي لهدنة إنسانية فورية ودائمة ومتواصلة تُفضي إلى وقف العدوان على شعبنا في قطاع غزة"، وطالبت الجمعية العامة والهيئات الأممية ذات العلاقة "باتخاذ الإجراءات الكفيلة لتطبيق القرار فوراً، بما يُمكّن من فتح المعابر وإدخال الوقود والمساعدات الإغاثية الطارئة".

المساهمون