مع انطلاق أعمال الدورة الـ55 العادية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، اليوم الاثنين، برزت القضية الفلسطينية بشكل كبير في كلمات المسؤولين الأمميين وممثلي الدول، وأيضا في النقاشات الجارية بين الهيئات الحقوقية والفاعلين الحقوقيين من مختلف دول العالم.
ومع دخول الحرب على قطاع غزة يومها الـ143، تتصاعد الآمال بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق يفضي إلى وقف القصف الإسرائيلي المتواصل على مختلف أنحاء القطاع. وفي حين ما زال الجوع يفتك بالسكان شماليّ قطاع غزة، يتواصل القصف في مختلف أنحاء القطاع، فيما يقترب عدد الضحايا من 30 ألف شهيد، فضلا عن عشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين.
وفي السياق، أكد رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المغربي عمر زنيبر أن الدورة الحالية، التي تترأسها بلاده، تشهد تقديم عدد من التقارير ذات الصلة بالحرب على غزة، بينها تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان حول الوضعية في الأراضي المحتلة فولكر تورك، فضلا عن تقريرين آخرين حول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وفي المستوطنات.
وأضاف رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في لقاء مع عدد محدود من الصحافيين، حضره "العربي الجديد"، في جنيف، أن المجلس سيتوقف خلال جدول أعماله بالتفصيل عند مستجدات القضية الفلسطينية، في إطار المادة السابعة المخصصة حصرا لها، مشيرا إلى أن المجلس سيتخذ موقفه آنذاك، خاصة في ظل مشروع قرار ستتقدم به منظمة التعاون الإسلامي.
وبخصوص تجاوب المجلس مع الوضعية الكارثية في قطاع غزة، كشف عن أن "هذه الدورة ستشهد تقديم العديد من التقارير، بما في ذلك تقريران للمفوض السامي، والمقررة الخاصة حول الوضعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي، بالإضافة إلى تقرير خاص بالمستوطنات في الضفة الغربية، علما أنه، كما هو مضمّن في جدول أعمال المجلس.. هناك نقطة خاصة بالقضية؛ في إطار البند السابع؛ ستجرى مناقشات، وسنتخذ مواقف، في غالب الظن، انطلاقا من قرارات مقدمة على وجه الخصوص من طرف منظمة التعاون الإسلامي باسم فلسطين".
غوتيريس: استمرار الحرب في غزة يعد تجاهلاً للتشريعات الكونية
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى وقف الحرب في غزة، معتبرا أن استمرارها يعد "تجاهلاً للتشريعات الكونية، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف". ورفض غوتيريس مبررات الحرب على غزة بقوله: "لا شيء يبرر العقاب الجماعي للمدنيين في غزة".
وارتباطا بتهديدات الاحتلال الإسرائيلي بشن عملية واسعة النطاق في رفح، جنوبي القطاع، دقّ الأمين العام للأمم المتحدة ناقوس الخطر، باعتبار الأمر "أكثر من الكارثة"، وهو ما يشكل "تهديدا للقانون الدولي لحقوق الإنسان".
ورفض غوتيريس التضييق الإسرائيلي على تدفق المساعدات الغذائية إلى القطاع، داعيا إلى الكفّ عن "ترويع المدنيين وتجويعهم".
وفي خطابه خلال افتتاح أشغال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، دعا رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة دنيس فرنسيس إلى وقف الحرب على قطاع الغزة، وتمكين الفلسطينيين في القطاع من المساعدات الكافية، عبر فتح المعابر لإغاثة أزيد من مليون ونصف مليون فلسطيني محاصر في رفح جنوبي القطاع.
ونبه فرنسيس إلى "معاناة المدنيين في غزة"، مورداً أن 90 بالمائة من الفلسطينيين في القطاع مهددون وجرى "تهجيرهم قسرياً"، مشيرا إلى أن "الفئات الأكثر هشاشة، كالأطفال والنساء وكبار السن والأشخاص في وضعية الإعاقة، توجد بين نارين".
وفي السياق ذاته، جدّد المسؤول الأممي الدعوة إلى فتح معابر إنسانية لمرور مساعدات إنسانية للمدنيين والنازحين في القطاع.
وفي وقت أعلنت دول غربية وقف المساهمة المالية في صناديق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، شدد فرنسيس على "الدور المحوري للوكالة في مساعدة الفلسطينيين"، داعيا المجتمع الدولي إلى التحرك، حيث وصف الجمود إزاء الوضع بـ"التواطؤ".
وشدد المتحدث ذاته على ضرورة احترام حقوق الإنسان قائلاً إنها "يجب أن تطبّق على الجميع ولصالح الجميع"، مشيراً في الآن نفسه إلى النزاعات المسلحة الأخرى التي يعرفها العالم، بدءاً بالحرب الروسية الأوكرانية، مرورا بالوضع في اليمن، ووصولا إلى النزاع في السودان.
الدورة الأطول.. ورشات مفتوحة في مجلس حقوق الإنسان
وخلال افتتاح الدورة الـ55 لمجلس حقوق الإنسان، أكد عمر زنيبر أن "إصلاح هذا الجهاز الأممي يكتسي أهمية مركزية للحفاظ على ثقة الدول والمجتمع المدني والشركاء بدوره الحيوي للنهوض بحقوق الإنسان". وقال إن "ورشات الإصلاح تمر عبر إجراء تقييم دقيق للإنجازات الإيجابية وتقويم الثغرات على مستوى الفعالية وجدول الأعمال في أفق القرار المتخذ بشأن الإصلاح من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2026".
وأبرز رئيس المجلس، الممثل الدائم للمغرب في جنيف، الذي كان قد انتخب رئيسا للمجلس في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن هذه الدورة، التي تتواصل إلى غاية 5 إبريل/ نيسان المقبل، "هي الأطول منذ إنشاء المجلس، بحيث ستقارب عدة تحديات ينبغي رفعها في مناخ من الثقة، بهدف تحقيق تقدم ملموس في مجال حقوق الإنسان على الرغم من الوقع الكبير للأزمات الجيوسياسية".
وسينظر المجلس في أكثر من 100 تقرير مقدم من الأمانة العامة للأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وخبراء في مجال حقوق الإنسان وهيئات تحقيق أخرى تتعلق بمواضيع عديدة وبأوضاع حقوق الإنسان في ما يقرب من 45 دولة. كما يعقد المجلس 23 مناقشة تفاعلية مع المكلفين بولايات الإجراءات الخاصة.
وعلى المستوى الموضوعاتي، يدرس أعضاء المجلس، الذي يضم حالياً 47 دولة، عدداً من التقارير حول الحق في السكن والغذاء، والحقوق الثقافية، والحق في البيئة وإشكالية التغير المناخي، وأوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان، وأوضاع الأطفال في النزاعات المسلحة وذوي الاحتياجات الخاصة، وموضوع التمييز العنصري ومعاداة الأجانب، وغيرها.