خلال أسبوع واحد، شكلت الحكومة اليمنية الشرعية 6 لجان وزارية حول انتكاسة اقتصادية قياسية للريال أمام الدولار، وانتكاسة عسكرية قياسية أيضاً للجيش والمقاومة أمام الحوثيين في محافظة البيضاء.
في اليمن، لا تعبّر اللجان الحكومية عن صحوة ضمير لتغيير الصورة الكارثية عن الشرعية، أو بداية مبشرة لمرحلة تعود فيها قيادات الدولة لممارسة مهامها من الداخل، بقدر ما تعني أن الحكومة، التي لم تجد موطئ قدم على امتداد 85 في المائة من مساحة يُفترض أنها تحت سيطرتها، ستتجه إلى تدشين المزيد من غروبات "الواتساب" للجان الجديدة.
تعقد الحكومة اليمنية الذكية اجتماعاتها الدورية عبر تطبيق "زوم"، وتمارس مهامها اليومية من خلال "واتساب"، وتسيطر نارياً على "سيغنل"، وتخطط لاستثمار 5 غروبات جديدة في تطبيق "إيمو". صحيح أن البلاد تهرول نحو الانهيار الكامل، لكن يُحسب لها أنها ما زالت أونلاين. لم تقطع الاتصال مع الشعب، أو تسجّل خروجاً من الحياة بشكل نهائي.
قالت مذيعة لرئيس الحكومة معين عبد الملك، الأسبوع الماضي: أنتم أول حكومة تعمل عن بُعد حتى من عصر ما قبل كورونا. وعلى الرغم من الابتسامة التي رد بها، وحمّل الظروف مسؤولية ذلك، إلا أن حكومة "الشرعية" ليست بعيدة المسافات عن شعبها فحسب، ولكنها بعيدة عن الواقع أيضاً. مثلاً، في لجنة دراسة متطلبات الجيش الوطني، حضرت أسماء وزراء الإعلام والصناعة والأوقاف والتربية، وغاب وزراء الدفاع والداخلية ورئيس هيئة الأركان. في لجنة أخرى، أسندت الحكومة لجنة تقصي الحقائق حول انتكاسة البيضاء إلى وزراء الشباب والرياضة والخدمة المدنية والشؤون القانونية. هذه ليست مزحة، بل بيان رسمي نشرته وكالة "سبأ" الرسمية.
لا تفسير واضحاً للعشوائية الحكومية في تشكيل اللجان. هل استبعاد وزارة الدفاع أو رئاسة هيئة الأركان من قضيتين عسكريتين، يدل على عدم ثقة بقادتها، وتحميلهم مسؤولية الإخفاقات بطريقة غير مباشرة، أم أن الحكومة الشرعية ستعالج قضاياها مستقبلاً على طريقة الأعراف القبلية، وذلك بتمثيل جغرافي لمنطقة يافع والبيضاء ومأرب، حتى ولو كانوا يمتلكون مؤهلات في طب الأطفال، كما الحال مع وزير الصحة، أو طب العظام بالنسبة لوزير الخدمة المدنية.
بعيداً عن التشكيلة الظريفة، ما هي فائدة تشكيل لجان تقصي في إخفاق عسكري حقائقه واضحة للعيان؟ يعرف أبسط المتابعين للشأن العسكري أن قضية إعلان معركة، والدخول في حرب هو قرار استراتيجي لا يتم الكشف عنه سوى بعد توفير كافة متطلبات نجاحها، من قوة بشرية وعتاد عسكري بمقدوره أن يُحدث الفارق، لكن للأسف ما جرى ويجري مجرد استخفاف، يجعل التقدم المحرز في مواقع التواصل يفوق عشرة أضعاف ما يحصل عن الأرض.
تتحمّل القيادات العسكرية للجيش اليمني كافة أسباب انتكاسة البيضاء، بعد الموافقة على إطلاق عملية عسكرية دون توفير مقومات نجاحها، وعدم تزويد القوات بالعتاد، الذي يجاري أسلحة الحوثيين المتطورة، من صواريخ بالستية وطائرات مسيرة، وبجانبهم القادة الميدانيون الذين ذهبوا لمجاراة مليشيات الحوثيين بأسلحة تقليدية، وزجّوا بأرواح عشرات المقاتلين إلى التهلكة. إنهم يتحملون مسؤولية الهزيمة القاسية، وكافة العواقب التي تترتب عليها من ضرب لمعنويات الجيش والمقاومة في باقي المناطق المشتعلة، أو الهجمات الانتقامية للحوثيين على أسر المقاتلين والمدنيين، الذين خرجوا للاحتفال عقب وصول طلائع المقاومة الشعبية إلى مديرية الزاهر.
وإذا كانت المليشيات الانفصالية قد ساهمت في الخيانة الحاصلة، بعد منع وصول الإمدادات من يافع إلى البيضاء، فكيف تطلقون عملية عسكرية من دون تأمين طرق إمداد المقاتلين والسلاح، أو حتى نقل جرحى المعركة؟ القصة ليست لغزاً، بحيث لا يمكن فك شيفراته سوى عبر لجنة ستُصرف لها ميزانية كان الأجدر أن توجّه للمعركة... الحقائق واضحة وفاضحة.