اليسار التونسي: تشظي الأحزاب وغياب المرشحين عن السباق الرئاسي

31 اغسطس 2024
تونسيون يرفعون أعلام اليسار في ذكرى اغتيال زعيم المعارضة اليسارية/6 فبراير 2023(Getty)
+ الخط -

يعد اليسار التونسي الغائب الأكبر عن السباق الرئاسي المقبل، في سابقة تاريخية تسجلها تونس بعدم مشاركة أي مرشح من العائلة اليسارية في الانتخابات الرئاسية المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول. هذا الغياب يعكس حالة التشظي والانقسام التي تعصف بالأحزاب اليسارية، والتي تفاقمت بسبب حسابات وخيارات متضاربة.

ورغم إعادة المحكمة الإدارية لعدد من المرشحين البارزين إلى السباق الرئاسي، مثل عبد اللطيف المكي (إسلامي محافظ)، منذر الزنايدي (دستوري تجمعي)، وعماد الدايمي (حزب المؤتمر من أجل الجمهورية سابقاً)، بات غياب أي مرشح يساري حامل لراية الأحزاب ذات التاريخ النضالي الطويل مؤكَّداً، مما يزيد من حدة التراجع اليساري في المشهد السياسي التونسي.

تبريرات أحزاب اليسار التونسي لعدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية انقسمت إلى شقين رئيسيين. الشق الأول يرفض المشاركة تماماً لاعتبارها إضفاء شرعية على مسار غير شرعي، ويعد هذه الانتخابات جزءاً من الانقلاب، وقد قاطعت هذه الفئة كل المحطات الانتخابية بعد 25 يوليو/تموز 2021، ومن أبرز ممثليها حزب العمال والتيار الديمقراطي وحزب التكتل والقطب وحزب المسار والحزب الاشتراكي، بالإضافة إلى شق من حزب الوطنيين الديمقراطيين بقيادة زياد الأخضر.

على الجانب الآخر، يوجد تيار يساري ساند الرئيس قيس سعيد ودعم مسار 25 يوليو، معتبراً إياه تصحيحاً للمسار. من بين هؤلاء حزب الوطد بقيادة منجي الرحوي، وحركة تونس للأمام، وحزب التيار الشعبي، حيث تتجه غالبية مكونات هذا التيار نحو مساندة سعيد في استكمال مساره السياسي.

قال الأمين العام السابق لحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، والقيادي المؤسس في حركة التجديد سليل الحزب الشيوعي التونسي، جنيدي عبد الجواد، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "اليسار التونسي اليوم متشظٍّ إلى عدة تيارات وليس يساراً واحداً، وقد شهد هذا التشظي منذ ثورة 2011، حيث تعرضت الأحزاب اليسارية لانقسامات حتى أثناء محاولات التوحيد والتجميع، مما أدى إلى تزايد التشتت والانقسام. وهذا ما عاناه حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي وحركة التجديد من قبله، كما تعانيه العديد من الأحزاب اليسارية الأخرى".

وأشار عبد الجواد إلى أن "حزب المسار واجه صعوبات كبيرة في محاولاته لتوحيد اليسار، حيث كانت كل محاولة تنتهي بتأثيرات سلبية على الحزب، مثلما حدث عند تشكيل تحالف القطب الديمقراطي، وتجربة الاتحاد من أجل تونس، والاتحاد المدني، وكلها محاولات لم تنجح وانتهت بتفكك اليسار".

وأوضح عبد الجواد أن "بعد 25 يوليو/تموز 2021، استمرت حالة الانقسام في صفوف الأحزاب اليسارية بسبب الخلافات حول المواقف من الأحداث السياسية، بين من يعارض المسار ويقاومه، ومن يسانده". وبيّن أن "هذا التشتت اليساري ازداد بعد 25 يوليو، حيث ظهرت تحالفات مشبوهة قائمة على أسس غير صحيحة، بالإضافة إلى ثقافة الغنيمة التي لا تشجع على الترشح أو التحالفات الانتخابية".

وأضاف عبد الجواد أن "اليسار التونسي يمتلك تاريخاً طويلاً وجذوراً تعود إلى عشرينيات القرن الماضي، ورغم الانقسامات، لا تزال هناك محاولات مستمرة لتوحيد الصفوف داخل العائلة اليسارية".

وأشار إلى أن "الرئيس قيس سعيد همّش الأحزاب ولم يرغب في إشراك الأجسام الوسيطة من أحزاب ومجتمع مدني، مما أدى إلى إضعاف الأحزاب بشكل عام، خاصة اليسارية منها". وبيّن أن "غياب مرشح من أحزاب اليسار في الانتخابات الرئاسية المقبلة يعود للوضع السياسي والانتخابي الحالي، الذي لا يشجع على المشاركة، خاصة في ظل تدخل هيئة الانتخابات التي تعتبر نفسها محكمة دستورية وتتجاهل أحكام المحكمة الإدارية النهائية، ما يحوّل دورها إلى أداة لتجريم منافسي المرشح الرسمي. وهذا كله يجعل المشاركة في هذه الظروف المتدهورة أمراً صعباً".

وأشار عبد الجواد إلى أن "اليسار التونسي رغم الخلافات والانقسامات، نجح في فترة حكم زين العابدين بن علي في تقديم مرشح يمثل اليسار، ففي عام 2004 قدمنا محمد علي الحلواني، وفي 2009 قدمنا المرحوم أحمد إبراهيم ممثلاً عن حركة التجديد. ورغم أننا لم نحقق نتائج كبيرة، إلا أننا نجحنا في تجميع وتوحيد موقف القوى التقدمية. لكن اليوم، أصبح كل طرف يساري منقطعاً عن الآخر".

في المقابل، اعتبر القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، ورئيس كتلة الخط الوطني السيادي في البرلمان، يوسف طرشون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب يساند مسار 25 يوليو 2021، لكنه لم يعلن حتى الآن دعمه لأي مرشح في الانتخابات الرئاسية بشكل مباشر. ومع ذلك، أكد الحزب في بيانه أن المشاركة في الانتخابات المقبلة ستكون فاعلة".

وأوضح طرشون أن "دعم الحزب لمسار 25 يوليو يستند إلى مبادئ العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، والدفاع عن السيادة الوطنية. ومع ذلك، لدينا ملاحظات على الأداء الحكومي، ومساندتنا لهذا المسار نقدية وليست مطلقة".

وأشار طرشون إلى أنه "في المقابل، هناك قوى يسارية اصطفت مع جبهة الخلاص، مثل حزب العمال، الذي يعارض مسار 25 يوليو ويعتبره انقلاباً، ويتخذ موقفاً معارضاً لهذا المسار".

وأوضح طرشون أن "الحزب قرر عدم تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية رغم جاهزية واستعداد أمين عام الحزب، منجي الرحوي، الذي شارك في انتخابات 2019. وقد سبق للحزب أن قدم مرشحين في إطار الجبهة الشعبية في انتخابات 2014، حيث قدم حمة الهمامي، ثم في 2019 قدمنا الرحوي باسم الوطد. ومع ذلك، جاء قرار الحزب بعدم ترشيح الرحوي بناءً على قراءة للواقع السياسي، وترك الحزب خيار دعم أي مرشح للمناضلين".

وأضاف طرشون: "شخصياً اخترت تزكية قيس سعيد بصفتي نائباً في البرلمان، وسأدعم حملته الانتخابية، رغم وجود بعض الملاحظات على قراراته مثل المرسوم 54".

كما أشار إلى أن "هناك أحزاباً يسارية أعلنت دعمها لقيس سعيد، مثل حزب تونس للأمام الذي يرأسه عبيد البريكي، وكذلك التيار الشعبي الذي كان جزءاً من الجبهة الشعبية ويُحسب على اليسار التونسي. حتى حركة الشعب تدعم مسار 25 يوليو وقيس سعيد، رغم توجهها اليوم إلى دعم مرشحها زهير المغزاوي، وهو أمر طبيعي في ظل التعددية السياسية".

المساهمون