الوجود الأميركي في العراق: رسائل سياسية رافضة للانسحاب

15 ابريل 2021
تتخوف قوى عراقية من تداعيات الانسحاب الأميركي (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

تتحدث مصادر سياسية في العاصمة العراقية بغداد، عن تطور جديد شهدته الأيام الماضية في ما يتعلق بملف الوجود الأميركي في العراق، والضغوط التي تمارسها قوى سياسية وجماعات مسلحة على حكومة مصطفى الكاظمي، لتحديد إطار زمني ملزم للانسحاب الأميركي من البلاد، وذلك ببروز مواقف سياسية عربية سنّية وكردية ترفض الانسحاب الأميركي من العراق، وتعتبره خطوة باتجاه مزيد من الهيمنة الإيرانية على العراق في الوقت الحالي.

يأتي ذلك بعد زيارة استغرقت ساعات لمستشار الأمن الوطني العراقي، قاسم الأعرجي، إلى إيران يوم الإثنين الماضي، التقى خلالها الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وتم خلالها بحث نتائج الجولة الثالثة للحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن. وذكر الأعرجي، في مؤتمر صحافي مشترك مع شمخاني في ختام الزيارة، أن "الأعمال جارية من قبل الحكومة العراقية لجدولة انسحاب القوات الأجنبية من العراق تنفيذاً لقرار البرلمان العراقي بهذا الخصوص".

وفي السياق نفسه، حضر ملف الوجود الأجنبي في العراق خلال اتصال هاتفي بين الرئيسين العراقي برهم صالح، والإيراني حسن روحاني، أمس الأربعاء. وذكرت وكالة "فارس" الإيرانية أن صالح أكد أن قرار الحكومة العراقية لإنهاء تواجد القوات الأجنبية في العراق قرار جاد، لافتاً إلى إجراء محادثات استراتيجية مع الولايات المتحدة ستستمر حتى الوصول إلى النتيجة النهائية. من جهته، اعتبر روحاني، وفق وكالة "فارس"، أن الأميركيين يتصرفون بازدواجية في مكافحة الإرهاب وأن ممارساتهم في الحدود العراقية السورية غامضة، معتبراً أن "دور الأميركيين في المنطقة كان هداماً على الدوام، وتواجد العسكريين الأميركيين في المنطقة لا يساعد على إرساء السلام والاستقرار فيها".

أكد صالح أن قرار الحكومة العراقية لإنهاء تواجد القوات الأجنبية في العراق قرار جاد

في المقابل، قال عضو بارز في البرلمان العراقي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن قوى سنّية وكردية أوصلت قبل أيام من جلسة الحوار الاستراتيجي التي عُقدت الأسبوع الماضي بين العراق وواشنطن، "رسائل مباشرة للجانب الأميركي، عبر السفير ماثيو تولر، بأنها ليست مع أي قرار أو توجّه للانسحاب الأميركي، وترغب بدور دولي أكبر في العراق، خشية الهيمنة الإيرانية الكاملة على البلاد سياسياً وأمنياً وحتى اقتصادياً، واعتبرت الوجود العسكري للتحالف الدولي عامل توازن مهم في العراق بالوقت الحالي". ولفت إلى أن "الإدارة الأميركية قد تستغل هذه المواقف في تقوية موقفها بشأن وجودها في العراق، وأيضاً في تبرير هذا الوجود من خلال استغلال الانقسامات الحاصلة تجاه هذا الملف". وعلى الرغم من عقد الطرفين العراقي والأميركي جولة مباحثات استمرت أكثر من ثلاث ساعات الأسبوع الماضي، إلا أن أي مواقف رسمية واضحة للإدارة الأميركية حول خططها المستقبلية بشأن قواتها بالعراق لم تظهر لغاية الآن.

من جهته، أكد مسؤول كردي سابق في حكومة حيدر العبادي، وعضو في الحزب "الديمقراطي الكردستاني" الذي يتزعمه مسعود البارزاني، هذه المعلومات، وقال في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن الموضوع لا يقتصر على السنّة والأكراد، بل هناك كتل أخرى بينها شيعية وقوى الأقليات، لا تريد هذا الانسحاب أيضاً وتعتبره قضاء على آخر آمال استقلالية القرار العراقي عن إيران، والأميركيون صاروا يدركون أن هناك جهة واحدة تطالب بمغادرتهم بدفع إيراني، وفق قوله. واعتبر أن حكومة الكاظمي "لا تريد خروج الأميركيين أيضاً لكونها تدرك عواقب ذلك سياسياً وأمنياً على البلاد، لكنها تحاول المماطلة إلى حين إنجاز استحقاق الانتخابات المبكرة وإلقاء الملف كاملاً على عاتق الحكومة المقبلة، بسبب التهديدات المستمرة من قبل الجماعات المسلحة ضد الحكومة في هذا الإطار".

القيادي في جبهة "الإنقاذ والتنمية"، أثيل النجيفي، علّق على ذلك بالقول إن "هناك خشية سياسية سنّية وكردية من الانسحاب الأميركي، فنحن نريد هذا التواجد إلى حين خروج العراق من كل أزماته، ونرفض الانسحاب من أجل ترك العراق تحت هيمنة بعض الفصائل المسلحة التي تريد فرض نفسها على المستقبل العراقي، وهذا الأمر قد يحصل إذا تخلى المجتمع الدولي عن العراق، وهذا ما نخشى منه ونسعى لعدم حصوله".

وأوضح النجيفي في حديث مع "العربي الجديد" عبر الهاتف، أن "هناك توافقاً سياسياً سنّياً-كردياً على أن الوضع العراقي الحالي لا يمكن تركه من دون أن يكون المجتمع الدولي متفاعلاً معه ومتداخلاً فيه، ولهذا فالخشية من انسحاب القوات الأميركية، ليست بحد ذاتها من انسحاب هذه القوات، وإنما من أن يُنسى العراق في نظر العالم، ويُترك من دون إصلاح الوضع الداخلي". وتابع "نعلم أن الانتخابات البرلمانية المقبلة، مصيرية، ولهذا معظم القوى السياسية الوطنية، التي لا تريد الوضع الحالي، تدعو إلى الإشراف الدولي والتدخل الدولي لضمان نزاهة الانتخابات، مع وجود السلاح المنفلت".

الكتل السياسية الكردية والسنّية، ترفض خروج القوات الأميركية، فهي تخشى من ملء هذا الفراغ من قبل الفصائل المسلحة الموالية إلى طهران

من جهته، قال القيادي في الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، النائب السابق ماجد شنكالي، لـ"العربي الجديد"، إن "الكتل السياسية الكردية والسنّية، ترفض خروج القوات الأميركية من العراق، فهي تخشى من ملء هذا الفراغ من قبل الفصائل المسلحة الموالية إلى طهران، وهذا الأمر سيزيد من النفوذ والتغلغل الإيراني في المشهد السياسي العراقي وحتى الأمني أكثر مما هو عليه الآن". وأضاف شنكالي أن "الولايات المتحدة تدرك جيداً أن انسحابها من العراق سيولد مشكلة كبيرة من خلال سيطرة الفصائل المسلحة على مقدرات الدولة العراقية، ولهذا هي لن تقبل بهذا الانسحاب من الأراضي العراقية". ولفت إلى أن "قرار البرلمان العراقي بخصوص التواجد الأجنبي غير ملزم للحكومة العراقية، فالأخيرة هي من تقدّر حاجة العراق لوجود القوات الأجنبية"، متابعاً "الحوار الاستراتيجي في جولته الثالثة كان مثمراً وواضحاً بعدم طلب العراق من الجانب الأميركي خروج قواته من العراق، بل تكون تلك القوات استشارية وتدريبية". وبيّن أن "بقاء القوات الأميركية في هذا الظرف هو ضمان للجانب العراقي في حربه ضد تنظيم داعش وأيضاً في إنهاء دور المليشيات المسلحة الموالية لطهران".

وحول التطور الجديد، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي مؤيد الجحيشي، أن التواجد الأميركي في العراق له "أهمية كبيرة، لا تقتصر على الملف الأمني فقط، بل السياسي أيضاً، وهذا التواجد هو باب المجتمع الدولي نحو العراق بهدف توفير فرص الاستثمار والدعم على مختلف الأصعدة". وأضاف الجحيشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "علمنا أن هناك رفضاً جديداً من القوى السياسية السنّية والكردية للانسحاب الأميركي، ويظهر أنها تريد الحفاظ على ما تبقى من مناطقها خارج سيطرة المليشيات الموالية لطهران، فهذا الانسحاب يعني سيطرة طهران والجماعات السياسية والمسلحة على كامل الملفات في البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية، وتكون لغة السلاح والقتل هي الحاكمة".

المساهمون