لاقى الاتفاق المبدئي الذي جرى التوصل إليه، أمس السبت، بين لجنة التفاوض المركزية في منطقة درعا البلد مع ضباط روس، بحضور ممثل عن النظام السوري، ارتياحا حذرا في المحافظة السورية الجنوبية، وسط مخاوف من أن يكون مقدمة لعمليات تهجير جديدة لمعارضي النظام.
وظهرت بوادر على عدم التزام قوات النظام بالاتفاق خلال الساعات الأخيرة، حيث واصلت تلك القوات قصف مناطق مختلفة في المحافظة بالهاون والرشاشات الثقيلة، ووضعت ساترا ترابيا كبيرا على حاجز السرايا، المنفذ الوحيد المتبقي لأهالي درعا البلد.
وقال الناشط أبو محمد الحوراني، لـ"العربي الجديد"، إن الأنظار في مجمل محافظة درعا تتجه اليوم إلى درعا البلد، وسط توتر نفسي ومخاوف من عدم التزام النظام بوقف إطلاق النار.
وأضاف الحوراني: "استفاق الناس اليوم على القصف بقذائف الدبابات والمضادات على أحياء درعا البلد، فيما قصفت قوات النظام المتمركزة في منطقة البانوراما بقذائف الفوزديكا محيط مقرات القيادي السابق في الجيش الحر، خلدون الزعبي، والسهول الشمالية الغربية لبلدة اليادودة غرب درعا، وذلك بعد تصريح القيادي في المعارضة خلدون الزعبي بأنهم لا يثقون في روسيا، ويتعرضون لضغط من النظام وروسيا، ويرفضون تسليم السلاح".
وأضاف الحوراني أن درعا البلد "تعيش تحت حصار مطبق لليوم الـ52 على التوالي، وسط فقدان لمقومات الحياة من طعام ومياه وكهرباء وأدوية، ورغم ذلك فإن روسيا تعطي مهلة مفاوضات وجولة جديده لـ15 يوما، وهذا يعتبر ضوءا أخضر للنظام لاستكمال الحصار واستنزاف الثوار وتبريد همم المقاتلين في أرياف درعا".
واعتبر المتحدث ذاته أن "الهدن والاجتماعات باتت سياسة تتبعها روسيا والنظام لإنهاك المعارضين والمدنيين في محافظة درعا".
ووفق الاتفاق المبدئي، الذي جرى التوصل إليه يوم أمس السبت، سوف يتم فرض وقف إطلاق النار في درعا، على أن تبدأ روسيا اعتبارا من اليوم تسيير دوريات في منطقة درعا البلد، بالتزامن مع إعادة فتح معبر السرايا العسكري المؤدي إلى مركز المدينة. كما تشمل "خارطة الحل" ريفي درعا الشرقي والغربي.
ووفق مصادر متطابقة، فان الاتفاق تضمن أيضا تمركز قوى شرطية تابعة للنظام في مواقع عدة (لم يُحدد عددها) في أحياء درعا البلد، إضافة إلى بندين (سيجري التفاوض على تفاصيلهما خلال الأيام المقبلة) هما تسليم سلاح المعارضة للنظام، وتهجير المعارضين غير الراغبين في التسوية، ويُقدر عددهم بنحو 135 شخصا من مدينة درعا.
ووفق المصادر، فإن الجنرال الروسي الذي ترأس الوفد الروسي أبلغ لجان التفاوض بأن وفداً روسياً مع قوة أمنية تابعة للنظام سيدخلان إلى خطوط المواجهة في درعا البلد والمحاور الأخرى، للتأكد من رواية ضباط النظام بوجود سلاح ثقيل لدى مجموعات المعارضة. وتضمنت خارطة الحل حصر ملف المليشيات المحلية بـ"عقود رسمية" مع وزارة الدفاع التابعة للنظام، بحسب المصادر.
ومن المتوقع أن تتسلم لجان التفاوض، اليوم الأحد، ورقة خارطة الحل مترجمة إلى العربية لعرضها على الأهالي. كما طالبت اللجنة بانسحاب التعزيزات العسكرية وفك الحصار عن أحياء المدينة، كخطوة أولى لتطبيق البنود. ودار خلال الاجتماع حديث حول إعادة تشغيل معبر درعا القديم مع الأردن، من دون التوصل إلى تفاهمات حول كيفية وطبيعة العمل على ذلك.
وحضر الاجتماع اللواء حسام لوقا، رئيس اللجنة الأمنية لدى النظام، والعميد لؤي العلي رئيس فرع الأمن العسكري.
التفاف على اتفاق التسوية 2018
وفي ردود الفعل الأولية على الاتفاق، قال نقيب المحامين الأحرار في درعا، سليمان القرفان، لـ"العربي الجديد"، إن بعض البنود التي تنص على تسليم السلاح الخفيف وتهجير مقاتلين معارضين من درعا يصعب القبول بها، معتبرا أن طرح هذه البنود هو بمثابة التفاف على اتفاق التسوية عام 2018 الذي ضمنته روسيا.
وشكك القرفان في التزام روسيا والنظام بأي اتفاق، داعيا أهالي درعا إلى "التحوط من الطرح الروسي، لعدم تَكرار السيناريو ذاته الذي أعقب اتفاقات عام 2018، عقب سيطرة قوات النظام على محافظة درعا"، مشيرا إلى أن محافظة درعا "تعيش اليوم مرحلة مفصلية، وعلى أبنائها مواصلة التعاضد وتوحيد المواقف، كي لا يتم الاستفراد بكل منطقة على حدة".
من جهته، رأى عضو اللجنة الدستورية المستشار حسن الحريري، في حديث لوكالة "نبأ" المحلية، أن روسيا تسعى إلى "شرعنة وجود المليشيات المحلية في درعا، من خلال ربطها رسمياً بوزارة الدفاع في حكومة النظام".
واعتبر الحريري، الذي يرأس المجلس السوري للتغيير، أنه "إذا تأكد وجود بند التهجير لغير الراغبين في التسوية ضمن خارطة الحل الروسي، فإن ذلك لن يكون في صالح أهالي درعا، وتطبيقه في المدينة يعني انتقاله إلى مناطق أخرى بريفها لاحقاً، وتطبيق سيناريو الحصار ذاته".
الحريري: إذا تأكد وجود بند التهجير لغير الراغبين في التسوية ضمن خارطة الحل الروسي، فإن ذلك لن يكون في صالح أهالي درعا
من جانبه، اعتبر العميد المنشق إبراهيم الجباوي أن "روسيا وضعت درعا أمام خيارين: إما تسوية مفروضة أو مواجهة الفرقة الرابعة والمليشيات".
وقال الجباوي، لـ"العربي الجديد"، إن "خيار الارتباط بالفيلق الخامس المدعوم من روسيا قد يكون أفضل الخيارات لدى مقاتلي المعارضة بدرعا، للحيلولة دون تجدد محاولات الفرقة الرابعة السيطرة على المدينة مستقبلاً"، مستبعدا خروج المليشيات المرتبطة بإيران من درعا، وإن تعهدت روسيا بذلك.
وكان الناطق باسم لجنة التفاوض المركزية في درعا، عدنان المسالمة، أعلن، أمس، عن التوصل إلى اتفاق مبدئي مع الجانب الروسي ينص على وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين، تجري خلالهما مزيد من المفاوضات للتوصل إلى حل نهائي، على أن يتم تشكيل لجنة من الجهات المعنيّة بتنفيذ الاتفاق لمتابعة حل الإشكالات طيلة فترة التفاوض.