النصّ الكامل للمبادرة الصينية لحلّ أزمة أوكرانيا... تفاصيل فقيرة وتشكيك غربي

25 فبراير 2023
تحوّلت مدن أوكرانية إلى أنقاض جراء الحرب الروسية (Getty)
+ الخط -

قدّمت الصين، الجمعة، وثيقة من 12 نقطة تتضمّن موقفها من النزاع في أوكرانيا، في الذكرى الأولى للحرب الروسية على أوكرانيا، والتي بدأت في 24 فبراير/شباط 2022.

ونشرت وزارة الخارجية الصينية عبر موقعها الإلكتروني بنود الوثيقة الـ12 تحت عنوان: "موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية". وجاء فيها:

  • احترام سيادة كلّ الدول

تدعو الصين إلى التقيد الصارم بالقانون الدولي المعترف به عالمياً، بما في ذلك مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مشددة على وجوب التمسك بشكل فعّال بسيادة واستقلال ووحدة أراضي كلّ البلدان. وتلفت الصين بموجب هذا البند إلى ضرورة تمسّك جميع الأطراف بالمعايير الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، والدفاع عن العدالة الدولية، داعية إلى رفض المعايير المزدوجة.

  • التخلّي عن عقلية الحرب الباردة

يشدّد هذا البند على وجوب عدم السعي لتحقيق أمن دولة ما على حساب دول أخرى، أو تحقيق أمن المنطقة من خلال تعزيز أو توسيع الكتل العسكرية، مؤكداً أن على جميع الأطراف معارضة السعي لتحقيق الأمن على حساب أمن الآخرين، ومنع المواجهة، والعمل معاً من أجل السلام والاستقرار في أوراسيا. ويدعو هذا البند أيضاً إلى المساعدة في تشكيل هيكل أمني أوروبي متوازن، وفعّال، ومستدام، مع مراعاة السلام والاستقرار في العالم على المدى الطويل.

  • وقف القتال

تؤكد الصين أن على جميع الأطراف التحلي بالعقلانية وضبط النفس، وتجنّب تأجيج النيران ومفاقمة التوترات، لأن الصراع والحرب لا يفيدان أحداً. وتشير إلى أن على جميع الأطراف دعم روسيا وأوكرانيا للعمل في الاتجاه نفسه، واستئناف الحوار المباشر في أسرع وقت، من أجل تهدئة الوضع تدريجياً، والتوصل في نهاية المطاف إلى وقف شامل لإطلاق النار.

  • استئناف محادثات السلام

تعتبر الصين أن الحوار والتفاوض هما الحلّ الوحيد القابل للتطبيق في الأزمة الأوكرانية، مشددة على وجوب تشجيع ودعم كلّ الجهود التي تُفضي إلى تسوية سلمية للأزمة. وإذ تؤكد أنها ستواصل لعب دور بنّاء في هذا الصدد، تشير إلى ضرورة أن يظل المجتمع الدولي ملتزماً بالنهج الصحيح لمساعدة أطراف النزاع على فتح الباب أمام تسوية سياسية في أقرب وقت ممكن.

  • حلّ الأزمة الإنسانية

تؤكد بكين وجوب تشجيع ودعم كلّ التدابير التي تؤدي إلى التخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية، مع عدم تسييس القضايا الإنسانية، داعية إلى تأمين سلامة المدنيين بشكل فعّال، وإنشاء ممرات إنسانية لإجلائهم من مناطق النزاع.

  • حماية المدنيين وأسرى الحرب

تشدّد الصين على ضرورة التزام أطراف النزاع بشكل صارم بالقانون الدولي، وتجنّب مهاجمة المدنيين أو المنشآت المدنية، واحترام الحقوق الأساسية لأسرى الحرب. وتؤكد الصين دعمها تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، داعية جميع الأطراف لخلق ظروف أكثر ملاءمة لتحقيق هذا الغرض.

  • المحافظة على سلامة محطات الطاقة النووية

تعارض الصين، وفق هذا البند، الهجمات المسلّحة ضد محطات الطاقة النووية أو أي منشآت نووية سلمية أخرى، وتدعو كلّ الأطراف للامتثال للقانون الدولي. وتؤكد دعمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية للعب دور بنّاء في تعزيز سلامة وأمن المنشآت النووية السلمية.

  • التقليل من المخاطر الاستراتيجية

تشدّد بكين على وجوب عدم استخدام الأسلحة النووية، وعدم خوض حرب نووية، مؤكدة ضرورة معارضة التهديد باستخدام الأسلحة النووية، ووجوب منع الانتشار النووي وتجنّب أزمة نووية. وتؤكد الصين بموجب هذا البند معارضتها استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية من قبل أي دولة تحت أي ظرف كان.

  • تسهيل تصدير الحبوب

تؤكّد هذه النقطة أنه يتعيّن على جميع الأطراف تنفيذ مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب التي وقّعتها كلّ من روسيا، وتركيا، وأوكرانيا، والأمم المتحدة، وذلك بشكل كامل وفعّال، وبطريقة متوازنة، ودعم الأمم المتحدة للعب دور مهم في هذا الصدد. وتعتبر أن مبادرة التعاون بشأن الأمن الغذائي العالمي التي اقترحتها الصين توفّر حلاً عملياً لأزمة الغذاء العالمية.

  • وقف العقوبات الأحادية

ترى الصين أن العقوبات الأحادية وسياسة الضغط القصوى لا يمكن أن تحلّ المشكلة، بل هي تخلق مشكلات جديدة، مؤكدة معارضتها العقوبات الأحادية غير المصرّح بها من قبل مجلس الأمن. وتشدد على وجوب أن تتوقف الدول المعنية عن إساءة استخدام العقوبات الأحادية ضد الدول الأخرى.

  • الحفاظ على استقرار الصناعة وسلاسل التوريد

تعتبر بكين، وفق هذا البند، أن على جميع الأطراف الحفاظ بجدية على النظام الاقتصادي العالمي الحالي، ومعارضة استخدام الاقتصاد العالمي كأداة أو سلاح لأغراض سياسية.

  • تشجيع إعادة الإعمار

تلفت الصين هنا إلى أن على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات لدعم إعادة الإعمار بعد الصراع في مناطق النزاع، مؤكدة استعدادها لتقديم المساعدة ولعب دور بنّاء في هذا المسعى.

كيف تلقّف الغرب وروسيا وأوكرانيا الوثيقة الصينية؟

بعيد نشر الصين للوثيقة، تفاوتت ردود الفعل الدولية، بين الترحيب الحذر والتشكيك فيها:

واشنطن وحلفاؤها

قال الرئيس الأميركي جو بايدن لقناة "إيه.بي.سي نيوز" إن فكرة أن الصين تتفاوض على نتائج الحرب في أوكرانيا ليست عقلانية، لافتاً إلى أن "(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يصفّق لها، فكيف يمكن أن تكون جيدة". وأضاف: "لم أرَ شيئاً في الخطة من شأنه أن يشير إلى أن هناك شيئاً سيكون مفيداً لأي شخص غير روسيا، في حالة اتباع الخطة الصينية".

أميركياً أيضاً، تجاهل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، في حديث إلى شبكة "سي.إن.إن" الأميركية، المقترح الصيني، معتبراً أنه كان يجب أن ينتهي عند النقطة الأولى، وهي "احترام سيادة كلّ الدول"، ومؤكداً أن الحرب يمكن أن تنتهي غداً إذا توقفت روسيا عن مهاجمة أوكرانيا، وقامت بسحب قواتها.

بدوره، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ من إستونيا إن الصين لا تتمتع بمصداقية كبيرة، في ضوء فشلها في إدانة حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفق وكالة "بلومبرغ".

ومن إستونيا أيضاً، اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين أن الصين لم تعرض خطة سلام، بل بعض المبادئ. وأضافت "سننظر في المبادئ بالطبع، لكننا سننظر إليها في ضوء انحياز الصين إلى أحد الطرفين".

من جهته، اعتبر رئيس لاتفيا إيجيلز ليفيتس أن المبادرة الصينية ليست أمراً يمكن أن تقبله أوكرانيا.

ألمانياً، أعرب الرئيس فرانك فالتر شتاينماير عن "تشكيكه" في إمكانية أن تلعب الصين "دوراً بنّاءً" من أجل السلام في أوكرانيا.

وقال، خلال مراسم في برلين مع مرور عام على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، إن "أي اقتراح بنّاء يقربنا من سلام عادل هو موضع ترحيب"، لكنه أضاف: "لا يزال من المشكوك فيه أن تكون الصين، القوة العالمية، ترغب في لعب مثل هذا الدور البنّاء".

وفي موقف مخالف، أكد وزير الدفاع البريطاني بن والاس أنه يثق بأن بكين ترغب في تسوية الصراع، لافتاً إلى أن فكرة أن الصين يمكن أن تقدم أسلحة لدعم الغزو الروسي لأوكرانيا لن تسهم في حلّ الصراع.

وقال والاس لـ"سكاي نيوز"، عند سؤاله عن تقارير تفيد بأن الصين ربما تورد أسلحة لروسيا: "إذا قدمت الصين (السلاح) لدولة انتهكت القانون الدولي بشأن سيادة أوكرانيا وترتكب جرائم حرب، فهذا لن يساعد في جلب السلام". وأضاف: "لكنني واثق أيضاً من أن الصين واضحة تماماً بشأن أنها تريد انتهاء هذه (الحرب)".

وفي هذا السياق، نقلت "بلومبرغ" عن ألكسندر غابويف، كبير الزملاء في معهد كارنيغي للسلام الدولي، قوله إن المبادرة الصينية دفعة دبلوماسية لروسيا، قائلاً: "يمكن لروسيا أن تقول علانية إنها ليست ضدها، تشكر زملاءها الصينيين، وأنها مستعدة للجلوس على طاولة المفاوضات"، معتبراً أن هذا الأمر سيسجل نقاطاً سياسية في صالح الصين.

أبرز المحطات في مسار الغزو الروسي لأوكرانيا بعد مرور عام

ما موقف أوكرانيا؟

رحّب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ببعض عناصر الاقتراح الصيني لوقف إطلاق النار في الحرب الروسية على أوكرانيا، لكنه قال إن الدولة التي تدور فيها الحرب هي التي ينبغي أن تُطلق خطة السلام.

وأضاف في مؤتمر صحافي بكييف، وفق "رويترز": "أعتقد أن من الصواب الاعتقاد بأنه إذا كانت هناك أفكار تتوافق بطريقة أو بأخرى مع احترام القانون الدولي وسلامة الأراضي... فلنعمل مع الصين في هذه النقطة"، ومضى قائلاً "ولم لا؟".

وقال زيلينسكي، الذي أوضح أن الصين لم تقدم خطة حقيقية، بل بعض "الأفكار"، إن هناك بعض الأجزاء التي لا يوافق عليها. وحث بكين على عدم تزويد موسكو بالسلاح، لكنه أوضح أن تفكير بكين؛ حليفة روسيا، في التوسط في السلام أمر مبشر.

وأعلن زيلينسكي أنه يعتزم عقد اجتماع مع نظيره الصيني شي جين بينغ، الشريك الوثيق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد تقديم بكين مقترحات لتسوية النزاع.

وقال زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي "أنوي لقاء شي جين بينغ. سيكون ذلك مهماً للأمن العالمي. الصين تحترم وحدة الأراضي، ويجب أن تفعل كل شيء لضمان مغادرة روسيا أراضي أوكرانيا".

من جهته، قال ميخايلو بودولياك، أحد كبار معاوني زيلينسكي، إن أي خطة لإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا لا بد أن تشمل انسحاب القوات الروسية إلى حدود أوكرانيا عام 1991.

وكان يشير إلى حدود أوكرانيا في وقت تفكك الاتحاد السوفييتي في 1991. وكتب بودولياك عبر "تويتر": "أي "خطة سلام" تتضمن وقف إطلاق النار فقط، وبالتالي ترسيم حدود جديدة ومواصلة احتلال الأراضي الأوكرانية، لا تستهدف السلام، بل تجميد الحرب، وهزيمة أوكرانيا، (و) المراحل المقبلة من الإبادة الجماعية على يد روسيا". وأضاف: "موقف أوكرانيا معروف، انسحاب القوات الروسية إلى حدود عام 1991".

موقف روسيا

أعلنت روسيا، الجمعة، أنها "تقدّر" جهود الصين لوضع حد للنزاع في أوكرانيا، مع تشديدها على ضرورة الاعتراف بضم موسكو لأربع مناطق أوكرانية تطالب بها. وقالت الخارجية الروسية في بيان "نشاطر بكين اعتباراتها"، لكنها أكدت أن على كييف "الاعتراف بالحقائق الجديدة المتصلة بالأراضي"، في حين تشمل الاقتراحات الصينية احترام "وحدة أراضي" أوكرانيا، وفق "فرانس برس".

مبادرة تفتقر إلى التفاصيل

وفي تحليل للوثيقة الصينية، أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، الجمعة، إلى أنها لخّصت مجموعة من المواقف العامة التي اتخذها الرئيس الصيني شي جين بينغ ومسؤولون آخرون منذ فترة طويلة، بشأن الحرب في أوكرانيا، لافتة إلى أنه على الرغم من أنها كانت تفتقر إلى التفاصيل، إلا أنها بدت وكأنها توجه تحذيراً مستتراً لموسكو بعدم تصعيد الصراع باستخدام الأسلحة النووية.

ولم تذكر الوثيقة صراحة الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، لكن يبدو أن الصين تنتقد التحالف بسبب سعيه إلى "أمن دولة على حساب أمن الآخرين"، وهي حجة تم استخدامها في دعم واضح لمنطق روسيا لشنّ حرب، وفق "وول ستريت جورنال".

وقالت الصحيفة إن الوثيقة الصينية لم تطرح جدولاً زمنياً لمحادثات السلام، كما لم تقدّم عرضاً لاستضافة المفاوضات.

وصوّر أكاديميون صينيون الوثيقة على أنها محاولة من بكين لتوضيح وجهة نظرها بشأن أوكرانيا، و"فضح التشهير الغربي بشأن نواياها". وفي هذا السياق، كتب الأستاذ في جامعة رينمين في بكين جين كانرونغ على وسائل التواصل الاجتماعي إن الولايات المتحدة كثيراً ما نشرت شائعات حول الصين، قائلة إن الصين تريد الانخراط ومساعدة روسيا، مضيفاً: "هذا محض هراء".

في المقابل، يقول بعض الخبراء الغربيين إن الوثيقة تشير إلى الصين كمساهم في أي حل للصراع، لكن افتقارها إلى التفاصيل يضع الكرة في ملعب الأطراف الأخرى. وهنا، يقول المؤرخ في معهد هوفر في جامعة ستانفورد مايكل أوسلين: "إنه موقف دبلوماسي خالٍ من المحتوى"، مضيفاً: "يقول كلّ شيء، ولا يلتزم بأي شيء".

وطوت الحرب الروسية على أوكرانيا، أمس الجمعة، في 24 فبراير/ شباط، عامها الأول، وقد تحولت مدن أوكرانية إلى أنقاض، فيما صار جزء من البلاد تحت الاحتلال الروسي، وسقط أكثر من 150 ألف قتيل أو جريح من الجانبين، وفقاً لتقديرات غربية. لكن الجيش الأوكراني أجبر القوات الروسية على التخلي عن غزو كييف في الربيع، ثم في الصيف والخريف دفعها إلى الشمال الشرقي والجنوب.

ومنذ ذلك الحين، ساد استقرار على خط المواجهة، لكنّ الجانبين يستعدان لهجمات جديدة، وفق "فرانس برس".

المساهمون