النساء والشباب في الانتخابات الفلسطينية

28 ابريل 2021
يمنح قانون الانتخابات الفلسطيني بتعديلاته النافذة كوتا خاصة للنساء (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

كثرت الأحاديث حول الانتخابات الفلسطينية وإجرائها في المواعيد التي حددها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وظل التشكيك في انعقادها بالفعل هو الغالب علي مجمل الساحة الفلسطينية، حيث رأى الكثير أن التوقيت هو محاولة لإعادة إصلاح العلاقات مع واشنطن، تحت رئاسة جو بايدن، وتحرك جاء متأخراً جداً للرد على الانتقادات الموجهة لشرعية عباس الذي انتُخب في 2005 ويحكم بموجب قرار لأكثر من عشر سنوات منذ انتهاء ولايته. لكن تأجيل الانتخابات مرهون برغبة الأطراف الخارجية؛ الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني، لاعتبارات لا تخدم مصالحها في حالة إخفاقات نالت ممن يعتبرونهم قيادات فلسطينية تخدم مصالحهم.

هناك مؤشرات واقعية ترجح كفة تأجيل الانتخابات الفلسطينية بعد مطالبات مجموعة من الأسرى الفلسطينيين في ما عرف بوثيقة الأسرى منذ أيام من كتابة المقال، والتي طالبوا فيها الرئيس الفلسطيني بالاستجابة لمطالبهم الداعية إلى إنقاذ حركة فتح في المقام الأول تحت ذريعة "لا انتخابات بدون القدس" وتقاسم الوظيفي بين الحركتين الرئيستين، لم تهتم الوثيقة بالعوار الذي جاء في قوانين الانتخابات التي دشنها الرئيس السلطة الفلسطينية وتفاهمت عليها الفصائل الفلسطينية، خاصة حركة حماس في لقاء القاهرة في شباط/ فبراير الماضي مثل القوائم الانتخابية، ونسبة الحسم، وكوتا النساء والشباب.. إلخ.

رأى العديد من السياسيين الفلسطينيين أن القوائم الانتخابية تضم وجوهاً جديدة وشبابية ونسائية، والبعض يرى في النظام الانتخابي القائم على التمثيل النسبي (اعتبار الضفة وغزة دائرة انتخابية واحدة)، فرصة للشباب والنساء والمستقلين لولوج العملية الانتخابية ترشيحاً، ولاحقاً الفوز وفق توصيفهم بأن نظام التمثيل النسبي يتيح هامشاً للفئات المهمشة لخوض العملية الانتخابية. لكن على أرض الواقع ومن خلال بعض التجارب السابقة كما في الانتخابات البلدية السابقة كان تمثيل النساء والشباب في الحد الأدنى في القوائم البلدية، كما نجد بعد النظر في القوائم الانتخابية أن تمثيل الشباب في أسفل القوائم الانتخابية، كما أن تمثيل النساء في المركز الثالث والسابع من القوائم يجعل نسب نجاح النساء في الحصول على مقاعد تشريعية يعد بأقل مقاعد شغلتها المرأة الفلسطينية في السابق، ربما لن يصل إلى خمسة مقاعد.

تظهر آخر الأرقام أن الشباب والنساء شبه غائبين عن مراكز صنع القرار السياسي بالبلاد، فنسبة الإناث في المجتمع تمثل 49% بواقع نحو مليونين ونصف مليون مقابل نحو مليونين و600 ألف للذكور، بما يعادل 51%. وبحسب لجنة الانتخابات المركزية، فإن عدد النساء المسجلات للانتخابات الفلسطينية بلغ نحو مليون ومئتين وخمسين ألف، بما يشكل ما نسبته حوالي 49% أيضاً من إجمالي عدد المدرجين في سجل الناخبين الابتدائي. بينما تبلغ نسبة الشباب الفاعلين في الحياة العامة حوالي 13% فقط من الشباب بين عمر (15-29) سنة؛ منهم (6.3%) من الشباب الذين ينتمون إلى أندية ومراكز رياضية، و(3%) ملتحقون بجمعيات أهلية أو ثقافية أو منظمات غير حكومية، و(2.4%) ينتمون إلى اتحادات ونقابات بمختلف أشكالها، فيما أقل من (1.5%) من الشباب ينتمون لأحزاب أو حركات سياسية، بحسب معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

الفلسطينيات: قوة تصويتية كبيرة ونتائج ضعيفة

يمنح قانون الانتخابات الفلسطيني بتعديلاته النافذة كوتا خاصة للنساء، حيث يضمن ألا يقل تمثيل النساء عن امرأة واحدة في الأسماء الثلاثة الأولى، ثم امرأة كل أربعة أسماء، أي أن القائمة في حدّها الأدنى (16 مرشحًا)، يجب ألا يقل عدد النساء المترشحات فيها عن 4 نساء، ويرى المحللون آن ذلك يثير مخاوف من شأنها عدم حصول النساء على أكثر من 12 % من مقاعد المجلس التشريعي، الأمر الذي يعني عدم تمثيل النساء داخل المجلس نفسه بالنسبة التي أقرها القانون أي 26% من المقاعد للنساء في المجلس التشريعي.

تكمن الأزمة في قانون الانتخابات أن النسبة التي أقرها القانون 26 % فقط هي النسبة المخصصة للترشيح في المجلس التشريعي، أي في القوائم وليس في النتائج والمقاعد. فعدد المرشحات في مختلف القوائم الانتخابية 405 امرأة أي بنسبة 29% من مجمل عدد المرشحين، أي أكثر من النسبة التي أقرها القانون نفسه، لكن هذا لا يعني تمثيلهن وفقاً للكوتا المخصصة فعلياً داخل المجلس التشريعي، نتيجة طبيعة توزيع النساء في القوائم، وتوقعات عدم وصول عدد كبير من القوائم لنسبة الحسم المقدرة بـ1.5 %؛ أي 28 ألف صوت في حال بلغت نسبة المشاركة 75%.، كما أن موقع النساء في كل قوائم الثالث والسابع يعني في أحسن الفروض إذا اجتازت أغلب القوائم نسبة الحسم فإن حصة النساء لن تتجاوز 30 مقعداً، أي ما نسبته 22%. بينما يرى مراقبون أنه من المتوقع ألّا تزيد نسبة المرأة عن 12%، أي أقل من نصف الكوتا المخصصة لهن في الترشيح".

ومن بين 36 قائمة مرشحة، هناك قائمة واحدة فقط ترأستها امرأة؛ هي قائمة اليسار الموحد التي تشكل تحالفا بين حزب الشعب وحزب فدا، في حين التزمت باقي القوائم بترتيب النساء وفق شروط قانون الانتخابات، باستثناء قائمة "الحرية" التي احتلت فيها فدوى البرغوثي المركز الثاني وليس الثالث كما يطلب القانون. ومن الملاحظ أيضا أن نسبة 26 ٪ المخصصة للنساء في القوائم الانتخابية أقل مما أقره المجلس المركزي والوطني الذي رفعها الي نسبة 30٪ خلال السنوات الأخيرة.

الشباب الفلسطيني... تمثيل ضعيف بقوة القانون

خمسة عشر عاماً، لم يحظ خلالها جيل كامل من الشباب الفلسطيني بفرصة المشاركة في أية عملية انتخابية، كما وعلى مر العقود لم يكن للشباب دور فاعل في اتخاذ القرارات والمشاركة السياسية أو حتى المجتمعية منها، مع العلم بأن الشباب الفلسطيني يشكلون شريحة كبيرة من المجتمع.

تعد الانتخابات من أهم مؤشرات قياس دور الشباب ومكانتهم وقدرتهم على إحداث التغيير، سواء عبر المشاركة في عملية الاقتراع أو الترشيح الفعلي، ربما لا تُعبر الخطابات السياسية وبلاغتها الانتخابية وعملية التجييش للانتخابات عن واقع الحال الفلسطينية فيما يتعلق بالشباب ومسألة ترشيحهم، ويمكن الذهاب إلى عدد من المؤشرات التي يمكن من خلالها التقاط عدم تمثيل الشباب فعلياً في الترشح للانتخابات المجلس التشريعي طبقاً لقانون الانتخاب نفسه الجديد، فالحديث عن تضمين القوائم بالشباب هو جزء من الدعاية الانتخابية، وتصطدم مشاركة الشباب وترشحهم للانتخابات بعوائق كبيرة، أبرزها تحديد قانون الانتخابات الفلسطيني لسن الترشح للمجلس التشريعي بـ28 سنة والرئاسة بـ40، إضافة إلى غياب "كوتا شبابية" تضمن لهم تمثيلهم، بجانب تضمينهم داخل القوائم الانتخابية جاء متأخراً، أي أن فرصهم ضعيفة جداً للحصول على مقاعد في المجلس التشريعي في حالة تجاوزت القوام نسبة الحسم جميعها أو أغلبها أو عدد قليل منها.

حسم قانون الانتخابات بفلسطين عدم إمكانية ترشح الشباب ليحرمهم من الوصول إلى مقاعد المجلس التشريعي، وأثارت التعديلات على قانون الانتخابات الفلسطيني جداً أيضاً حول السن المسموح به الترشح، إذ حدد القانون سن 40 سنة لانتخابات الرئاسة، و28 سنة للمجلس التشريعي. ووفق هذا التعديل، لن يستطيع أكثر من 1.815 مليون فلسطيني ممن يحق له حق الاقتراع الترشح لمنصب الرئيس (حوالي 63%)، فقد نصت الفقرة 2 من المادة 12 من قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2005 على ضرورة أن يكون المرشح للانتخابات الرئاسية قد أتم الأربعين أو أكثر في اليوم المحدد لإجراء الاقتراع، فيما لا يستطيع 880 ألفاً من المنافسة على مقاعد التشريعي (حوالي 31%).

تشير البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2020 إلى أن 1.14 مليون شاب/ة (18-29 سنة) يشكلون حوالي خمس المجتمع الفلسطيني بنسبة 22% من إجمالي السكان في فلسطين، 23% في الضفة الغربية و22% في قطاع غزة. وعبّر 60% من الشباب عن عدم اهتمامهم بالمشاركة في ـية انتخابات قادمة. مع العلم بأن 53% من الشباب الآن لم يشاركوا بأية انتخابات وطنية سابقة.

في الانتخابات السابقة لعب الشباب دوراً محورياً ومؤثراً في عملية التصويت في انتخابات التشريعي والرئاسة، ففي عام 1996 فاز ما مجموعه 15 شابا دون سن الأربعين من مجموع 88 نائبا في المجلس التشريعي، أما الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، فقد ترشح لها 122 شابًا (18 أنثى و104 ذكور) على مستوى الدوائر والقوائم من أصل 728 مرشحًا، وكانت النتيجة فوز ما مجموعه 18 شابًا، منهم شابتان، و16 ذكر من أصل 132 عضو هم مجموع المجلس التشريعي موزعين على قوائم الفصيلين الكبار فتح وحماس.

لا يقتصر غياب الشباب الفلسطيني عن المشاركة السياسية في المجلس التشريعي أو الرئاسة في قانون الانتخابات وحده بل ينعكس غيابهم قسريا في العقل الفلسطيني أو بالأحرى في الذهنية السياسية الفلسطينية نفسها عبر ممارسة الأحزاب الفلسطينية الداخلية وتمثيل الشباب بها. ورغم حديث كلتا الحركتين عن ضرورة مشاركة الشباب في العملية السياسية ومشاركتهم في الانتخابات ضمن قوائمهم فإننا نجد فئة الشباب التي تتحدث عنهم القوى السياسية أن متوسط أعمارهم فوق الـ40 عاما وهم جزء من الحرس القديم، فعلي سبيل المثال فإن مؤتمر حركة فتح السابع عام 2016 أفرز لجنة مركزية متوسط أعمار أعضائها 64 عاما، بينما بلغ معدل أعمار أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية 68 عاما. وحماس ليست بعيدة عن النهج نفسه فإن متوسط أعمار أعضاء المكتب السياسي الحالي هو 60 عاماً. أمّا متوسط أعمار الحكومة الثامنة عشر التي يرأسها محمد اشتية فقد بلغ 60 عاماً.

المرأة والشباب هم القطاع الأوسع في المجتمع الفلسطيني ويشكلون كتلة انتخابية كبيرة وتنظر إليها القوائم الانتخابية لكسب أصواتها، لكن القانون الانتخابات وتعديلاته لم يلتفت للسنوات والمئات من اللقاءات والمؤتمرات وورش العمل التي بذلت من أجل زيادة كوتا النساء لتصل إلى 35% بما يتناسب مع نسبتها في المجتمع الفلسطيني، ولم يلتف للمطالبة بتخفيض سن الترشح للشباب إلى عمر 23 عامًا بدلًا من 28 عامًا، ووجود كوتا لتمثيلهم العادل في الحياة السياسية الفلسطينية، هذا بجانب ارتفاع رسوم التأمين والتي تصل إلى 10000 دولار بخلاف النفقات الأخرى والتي تقطع الطريق أمام غالبية الشباب والنساء والنشطاء من الدخول والمنافسة في الانتخابات. فهل تأجيل الانتخابات يكون فرصة لتدارك كل ذلك العوار في العملية الديمقراطية الفلسطينية؟

المساهمون