المناظرة الرئاسية: أداء كارثي لبايدن وترامب "الكاذب الأكبر"

29 يونيو 2024
بايدن وترامب خلال مناظرتهما، فجر أمس الجمعة (جايبين بوتسفورد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- خلال 2012-2024، تحول أداء بايدن من منافس شرس إلى ظهور أضعف في مناظرة 2024 أمام ترامب، مما أثار تساؤلات حول أهليته لفترة رئاسية ثانية.
- استطلاع "سي أن أن" أظهر أن 67% من المشاهدين رأوا ترامب فائزًا بمناظرة 2024، مع تفوقه في الحيوية والأداء، رغم أكاذيبه، مما أثار دعوات ديمقراطية لاستبدال بايدن.
- المناظرة تناولت قضايا الاقتصاد، التضخم، والهجرة، مع اتهامات لسياسات ترامب بالتركيز على الأثرياء ودفاعه عن إدارته، بالإضافة إلى نقاشات حول السياسة الخارجية ودعم أوكرانيا.

بين 2012 و2024، 12 عاماً، لخصت الفارق بين المرشح لنيابة الرئاسة في ذلك الحين، الديمقراطي جو بايدن في مواجهة منافسه الجمهوري بول ريان وبين بايدن الرئيس، الذي وقف فجر الجمعة في المناظرة الرئاسية مع خصمه، الرئيس السابق دونالد ترامب منهكاً ومتلعثماً معيداً التساؤلات حول أهليته لنيل ولاية رئاسية ثانية. وفي عام 2012، كان بايدن شرساً، ونجح في كسر معنويات ريان خلال مناظرة بينهما، حتى أنه أعاد رسم خريطة النصر نحو الولاية الثانية للرئيس الأسبق باراك أوباما. أما في عام 2024، فبدا الرئيس بايدن أكثر ضعفاً في مواجهة ترامب، في المناظرة الرئاسية الأولى في أتلانتا ـ جورجيا، عكس ما كان عليه في مناظرة مماثلة، خلال رئاسيات 2020، حين تميّز بالحدة في مواجهة ترامب. وبعد انتهاء المناظرة الرئاسية فجر أمس الجمعة، أضحت فرص عودة ترامب إلى البيت الأبيض، في الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، أكبر من قبل، باعتراف مسؤولين في الحزب الديمقراطي، رغم اعتبار بايدن أن المناظرة الرئاسية التي ركزت على مواضيع داخلية أميركية يتقدمها الاقتصاد إلى جانب قضايا خارجية مثل أوكرانيا وغزة "مرت بسلام". لكن للإعلام الأميركي رأيا آخر، إذ كتبت صحيفة نيويورك تايمز أن "أداء بايدن الهش في المناظرة يثير ذعر الديمقراطيين"، بينما اعتبرت مجلة "فوربس" أن "الديمقراطيين يبدأون بوضع أسماء بديلة لبايدن".

مسار المناظرة الرئاسية

وعلى الرغم من تفوق ترامب في الأداء بفعل حيويته، عكس بايدن الذي كان شاحباً، إلا أن الرئيس السابق تفوه بأكاذيب عدة إذ أحصى تدقيق للمعلومات أجرته شبكة "سي أن أن" 30 إدعاء كاذباً للرئيس السابق مقابل تسعة لبايدن، ما جعل ترامب ينال لقب "الكاذب الأكبر" خلال المناظرة، فيما فشل الرئيس الحالي في استعراض منجزات ولايته. وأثارت نتائج استطلاع قناة سي أن أن، التي أدارت المناظرة، رعبا حقيقياً لدى الديمقراطيين، إذ اعتبر 67% من المشاهدين أن ترامب فاز بالمناظرة الرئاسية الأولى، فيما رأى 33% منهم أن بايدن فاز. ودفع الأداء السيئ للرئيس، إلى بروز دعوات من بعض قياديي الحزب الديمقراطي لاستبداله. لم يكن في حسبان أحد منهم تعرّض بايدن لمثل هذه الخسارة، خصوصاً أنه أمضى معظم الأيام التي سبقت المناظرة الرئاسية في التحضير لها في منتجع كامب ديفيد. وأعرب العديد من الديمقراطيين عن اعتقادهم أن الحزب الآن في "مأزق انتخابي"، إذ إن مساعيه لاستقطاب المستقلين والمعتدلين، باتت أكثر صعوبة، كونهم فئة وازنة كان فريق بايدن يراهن عليها للتفوق على ترامب في نوفمبر المقبل. وخلال نصف الساعة الأولى من المناظرة الرئاسية بدا بايدن أجشّ ومتردداً في بعض الأحيان وتعثر في الحديث أكثر من مرة، في حين كان ترامب يشن هجوماً تلو الآخر يتضمن العديد من المعلومات المغلوطة المتكررة على غرار الادعاء بأن المهاجرين ينفذون موجة جرائم وأن الديمقراطيين يدعمون قتل الأطفال. وقال اثنان من مسؤولي البيت الأبيض إن بايدن كان يعاني من نزلة برد، لتبرير تردده. وقبل انطلاق المناظرة الرئاسية لم يتصافح الرجلان. وفيما شهدت إحدى مناظرات 2020، رداً صارماً من بايدن حيال مقاطعة ترامب المتكررة له، إذ توجه بايدن لمنافسه بالقول: "هل يمكن أن تغلق فمك يا رجل؟"، غير أن الرئيس الحالي اكتفى هذه المرة بالإشارة إلى ترامب بـ"الأحمق" والفاشل"، وأن لديه "أخلاق قطة زقاق". وفي تفاصيل المناظرة الرئاسية تلعثم بايدن مرات عدة ومزج بين الأسماء والوقائع والتواريخ، من دون التمكن من استخدام أوراقه بقوة كافية ضد ترامب، سواء في اقتحام الكونغرس في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، أو في محاكمات الرئيس السابق، مهدراً بذلك فرصة أساسية لطمأنة ملايين الأميركيين الذين تابعوا المناظرة الرئاسية عبر التلفزيون بشأن حالته الصحية والذهنية، خصوصاً أنه من طلب تنظيم المناظرة مبكراً، قبل المناظرة الثانية والأخيرة في 10 سبتمبر/أيلول المقبل.

الرئيس الأميركي يخيب آمال الديمقراطيين بعد تلعثمه وفشله في توظيف المناظرة لعرض إنجازاته واستخدام أوراقه بقوة كافية ضد ترامب

 

وأثار ارتباك بايدن الشكوك حول أهليته لمنافسة ترامب، إذ إنه في وقت مبكر من المناظرة، توقف بينما كان يوضح نقطة ما حول الرعاية الطبية والإصلاح الضريبي، وبدا أن تسلسل أفكاره قد انقطع. وهاجم ترامب بايدن بسبب حديثه غير المترابط، وقال في مرحلة ما "أنا حقاً لا أعرف ما الذي قاله في نهاية تلك الجملة. ولا أعتقد أنه يعرف ما الذي قاله". غير أن سيناريو اختيار مرشح آخر لدى الديمقراطيين يبقى في الواقع مستبعداً تماماً، ومن المتوقع ما لم تحصل مفاجأة كبرى أن يعين الحزب الديمقراطي رسمياً بايدن مرشحاً له للرئاسة عند عقد مؤتمره في شيكاغو في منتصف أغسطس/آب المقبل. وأقرت كايت بيدينغفيلد مديرة العلاقات العامة السابقة لبايدن، بأن "أداء (الرئيس) خلال المناظرة الرئاسية كان مخيباً للأمل حقاً، ليس هناك طريقة أخرى لقول ذلك"، في تعليق لشبكة سي أن أن بعد انتهاء المناظرة. واعتبر الخبير السياسي لاري ساباتو متحدثاً لوكالة فرانس برس "كانت هذه كارثة بلا أي شك". لا يوجد دليل على أن بايدن على استعداد لإنهاء حملته. وسيكون من المستحيل تقريباً على الديمقراطيين استبداله ما لم يختر التنحي. ويعود السبب إلى أن الانتخابات التمهيدية الرئاسية انتهت. وتنص القواعد الديمقراطية على أن المندوبين الذين فاز بهم بايدن يظلون ملزمين بدعمه ما لم يخبرهم أنه سيغادر السباق. وأشار بايدن إلى أنه ليس لديه خطط للقيام بذلك، وقال لأنصاره في أتلانتا بعد وقت قصير من مغادرته منصة المناظرة الرئاسية: "دعونا نستمر". أما ترامب، الذي أدين جنائياً في نهاية مايو/أيار الماضي، ففرض أسلوبه ونبرته مضاعفاً المبالغات والأكاذيب، رافضاً ما إذا كان سيعترف بنتائج انتخابات 2024، إلا "إذا كانت الانتخابات نزيهة ومنصفة، بالتأكيد"، بحسب قوله. وعلى الرغم من تكراره لازمة "سرقة انتخابات 2020" منه، غير أن ترامب أكد أن العنف السياسي "غير مقبول على الإطلاق". وتحدى ترامب بايدن، داعياً إيّاه إلى الخضوع لاختبار إدراكي، قائلاً إنه لا يعتقد أن منافسه قادر على اجتياز اختبار كهذا. وقال ترامب: "خضعتُ لاختبارَين، اختبارَين إدراكيَّين. وقد اجتزتُهما، كلاهما كما تعلمون، وقد أعلنّا ذلك على الملأ. لم يخضع هو (بايدن) لأيّ اختبار. أودّ أن أراه يخضع لاختبار واحد، واحد فقط، اختبار سهل جدا، وأن يجتاز الأسئلة الخمسة الأولى".

وتسيّدت ملفات الاقتصاد والتضخم والهجرة نقاش الرجلين، إذ اتهم بايدن سياسات ترامب بأنها تركز على الأثرياء، وأنه في عهده (2017 ـ 2021) زاد العجز والدين لأعلى مستوى في التاريخ الأميركي، منتقداً خفض الضرائب للأثرياء فقط. وأشار إلى أنه يوجد عدد كبير منهم ويدفعون فقط 8% من الضرائب. وقال إن ترامب "دمّر الاقتصاد" و"لم تكن هناك وظائف" عندما تولى المنصب. من جانبه، رد ترامب بالقول إن إدارته سلمت إدارة بايدن "أعظم اقتصاد في التاريخ الأميركي رغم وباء كورونا"، مؤكداً أن التوسع في الإنفاق كان ضرورياً لتلافي الكساد. وحول ملف الهجرة، اعتبر ترامب أنه في عهد بايدن "لم تعد لدينا حدود". وقال "بسبب هذه السياسات السخيفة والمجنونة والغبية جداً، يدخل ناس ويقتلون مواطنينا بمستوى غير مسبوق. نطلق عليها (جرائم الهجرة). أما أنا، فأطلق عليها (جرائم الهجرة التي تسبب بها بايدن)". كما حاول ترامب توجيه اللوم في هجوم السادس من يناير 2021 على الكونغرس والذي تم عزله بسببه، إلى رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي. وقال "عرضت عليها 10 آلاف جندي أو عنصر من عناصر الحرس الوطني، وهي رفضتهم". لكن نفى فريق بيلوسي أي علم له بطلب مساعدة من الحرس الوطني إلى أن حاصر أنصار ترامب الكابيتول سعياً لتغيير نتيجة انتخابات 2020. في الواقع، لم تملك بيلوسي حتى سلطة رفض تدخل الحرس الوطني لو أن ترامب سمح بالأمر.

غزة في المناظرة الرئاسية

أما في الملفات الخارجية، فقد تهرّب ترامب، من إبداء موقفه إزاء الاعتراف بدولة فلسطين لدعم تحقيق السلام في المنطقة. وحين سُئل عما إذا كان يؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة من أجل دعم السلام في المنطقة، أجاب: "سأنظر في الموضوع". وكرر ادعاءه أن "حماس لم يكن لها أن تهاجم إسرائيل ولا حتى بعد مليون عام" لو كان رئيساً. واعتبر أن بايدن "أصبح وكأنه فلسطيني. لكنهم لا يحبونه لأنه فلسطيني سيئ للغاية. إنه شخص ضعيف". في المقابل، روج بايدن لمقترحه بشأن غزة، الذي عرضه في 31 مايو الماضي، والذي يشمل تبادل الأسرى في غزة مقابل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين في إسرائيل و"وقف إطلاق النار بشروط إضافية"، من دون الكشف عن ماهية تلك الشروط. وأضاف: "ما زلنا نضغط بقوة من أجل إقناعهم (حركة حماس) بالقبول". وأكد بايدن أن الولايات المتحدة "أكبر مصدر لدعم إسرائيل في العالم"، مشدّداً على أنه "أنقذنا إسرائيل". أما بخصوص الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد انتقد ترامب سياسات بايدن في هذا الملف، مؤكداً أن "شروط (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين غير مقبولة، ولكن الحرب كان يجب ألا تبدأ"، مكرراً عبارة "لو كنت رئيساً لما وقعت الحرب"، ملقياً اللوم على بايدن في تشجيع بوتين على القيام بعملية عسكرية في أوكرانيا نتيجة الانسحاب من أفغانستان، بينما دافع بايدن عن دعمه لأوكرانيا بالسلاح وليس بالأموال. من جانبه وصف بايدن بوتين بأنه يريد إعادة الإمبراطورية السوفييتية، ولن يتوقف عند أوكرانيا لو نجح في الحرب سيستمر إلى دول أخرى. ووردت الإشارة إلى بوتين أكثر من 12 مرة خلال ساعة ونصف الساعة من المناظرة بينما كانا يتنافسان لإظهار من هو الأكثر صرامة على صعيد السياسة الخارجية.


استطلاع "سي أن أن": 67% من المشاهدين يعتبرون أن ترامب خرج منتصراً مقابل 33% يرون أن بايدن فاز
 

وبعد انتهاء المناظرة الرئاسية قال بايدن لدى توقفه في مطعم في جورجيا "أعتقد أنا كنّا جيّدين"، مؤكدا أنه "من الصعب المناقشة أمام كاذب". وباشر بايدن جولة انتخابية بعد المناظرة في كارولاينا الشمالية ثم نيويورك ففيرجينيا. قد تكون مناظرة يوم الخميس مطبوعة في أذهان الناخبين في المستقبل المنظور حيث من غير المقرر أن يجتمع بايدن وترامب على منصة المناظرة مرة أخرى في 10 سبتمبر المقبل. وأكد المتحدث باسم حملة بايدن، كيفن مونوز أن بايدن سيحضّر أيضاً للمناظرة الرئاسية الثانية. وأصرّ مستشارو بايدن على أن الحملة لن يتم الفوز بها أو خسارتها في تجمع أو محادثة أو مناظرة واحدة. وأشاروا إلى خطط للحفاظ على جدول زمني قوي في الأسابيع والأشهر المقبلة. ومع ذلك، فإن مؤيدي بايدن عبّروا عن خيبة أملهم من أداء الرئيس، وقال تيم ميلر، وهو استراتيجي جمهوري سابق، تحول إلى مؤيد لبايدن: "كان هذا أسوأ أداء في تاريخ المناظرات الرئاسية المتلفزة". ومع أن الرهان يبقى هائلاً في ظل التقارب في التأييد للمعسكرين، خصوصاً في مدى قدرة أي منهما في اجتذاب الناخبين المستقلين، إلا أن هناك عاملاً مجهول النتيجة قد يؤثر على مجرى الانتخابات، وهو المتاعب القضائية التي يواجهها ترامب. في هذا السياق، من المقرر أن يصدر القضاء في 11 يوليو/تموز المقبل عقوبته على الرئيس السابق بعد إدانته بتزوير مستندات محاسبية لإخفاء مبلغ مالي دفعه لشراء صمت نجمة أفلام إباحية سابقة أقام معها علاقة جنسية تفاديا لفضيحة قبل انتخابات 2016. ويواجه ترامب نظرياً عقوبة بالسجن في هذه القضية، ولو أن هذا يبدو مستبعداً. كما ستبت المحكمة العليا التي عين ترامب عدداً من قضاتها، خلال ولايته الرئاسية، قريباً في ما إذا كان يتمتع بحصانة جنائية تلغي الملاحقات بحقه بشأن محاولاته لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020 بصورة مخالفة للقانون. أما المعلق السياسي، على قناة "سي أن أن"، فان جونز فوصف أداء بايدن بـ"المؤلم"، مضيفاً: "أحب جو بايدن، وعملت لصالح جو بايدن. لم يقدم أداء جيداً على الإطلاق. هذا رجل صالح يحب بلده ويقوم بأفضل ما بوسعه، لكن كان لديه اختبار لإعادة ثقة بلاده به وقد فشل في ذلك".