المناظرة الأولى في الانتخابات الرئاسية الإيرانية: باردة بلا إثارة

18 يونيو 2024
من المناظرة الأولى بين المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية، 17 يونيو (رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شهد التلفزيون الإيراني أول مناظرة رئاسية مباشرة بين المرشحين للانتخابات المبكرة، مع التركيز على الاقتصاد كمحور رئيسي للنقاش، في محاولة لجذب انتباه الناخبين.
- المشهد السياسي تميز بسيطرة المحافظين مع خمسة مرشحين من هذا التيار، وانتقادات لاذعة وُجهت لحكومة روحاني، بينما دافع المحافظون عن سجل الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
- المرشح الإصلاحي الوحيد لم يظهر بالمستوى المأمول، مما أثار خيبة أمل بين الناشطين الإصلاحيين، بينما أظهر المرشح المحافظ المعتدل مصطفى بور محمدي توجهًا نحو نهج أكثر اعتدالًا وتفاعلًا مع المجتمع الدولي.

أجرى التلفزيون الإيراني بشكل مباشر، ليل أمس الاثنين، أولى المناظرات بين مرشحي الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة التي ستجرى في 28 يونيو/حزيران الحالي. وبدأت المناظرة التي استغرقت أربع ساعات في الساعة الثامنة مساءً، وانتهت في الساعة 12 عند منتصف الليل. وهذه المناظرة هي الحلقة الأولى من ست حلقات يجريها التلفزيون الإيراني بين المرشحين الست خلال فترة الحملات الانتخابية، قبل الدخول في الصمت الانتخابي قبل إجراء الانتخابات بـ24 ساعة.

لم تتميز الحلقة الأولى من المناظرات الرئاسية في إيران خلال هذه المرحلة، بإثارة وسجال شديدين، على عكس المناظرات السابقة خلال أعوام 2009، و2013، و2017، التي كانت تتسم بالندية والحدة. وكان الاقتصاد هو موضوع المناظرة الأولى وتحدث فيها المرشحون عن وجهات نظرهم بشأن أهم الأزمات والمشكلات الاقتصادية في البلاد.

خمسة من المرشحين الستة هم محافظون، من اليمين التقليدي إلى الوسط المعتدل إلى اليمين المتشدد، والمرشح الآخر هو إصلاحي. ركز ثلاثة مرشحين محافظين، وهم علي رضا زاكاني، وسعيد جليلي، وأمير حسين قاضي زادة هاشمي، على توجيه سهام الانتقاد إلى حكومة الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، ومهاجمة سياساته، وهو ما دفع مكتب روحاني إلى مخاطبة رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني بيمان جليلي في رسالة لتخصيص وقت له للردّ على الانتقادات والهجمات.

كما ظهر المرشحون الثلاثة، وخاصة رئيس مؤسسة الشهيد، مساعد الرئيس الإيراني المرشح قاضي زادة هاشمي، بمظهر المدافع عن فترة رئاسة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي وسجله، وسط إشادات مستمرة بأدائه. واللافت أيضاً أن أياً من المرشحين، وحتى المرشح الإصلاحي، لم يوجه أي انتقاد لحكومة رئيسي، وهو ما أثار حفيظة وتساؤلات لدى رواد على شبكات التواصل الاجتماعي وكتاب ومحللين إيرانيين، ما إذا أصبح انتقاد أداء رئيسي وحكومته ضمن المحظور أم لا.

في غضون ذلك، وجه إصلاحيون انتقادات لأداء مرشحهم الوحيد مسعود بزشكيان في المناظرة الأولى، الذين يعولون عليه في إقناع أصحاب الأصوات الرمادية أو المقاطعين بالمشاركة في هذه الانتخابات التي أعلن التيار الإصلاحي أنه سيشارك فيها بعد المصادقة على أهلية واحد من مرشحيه الثلاثة.

أداء غير متوقع لبزشكيان

في السياق، يقول المحلل الإصلاحي الإيراني داود حشمتي لـ"العربي الجديد" إن المرشح الإصلاحي الوحيد إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية "ظهر في المناظرة الأولى بشكل جيد، لكن لم يكن بالمستوى المأمول لدى قاعدة الإصلاحيين الجماهيرية". ويضيف حشمتي أن هذه القاعدة رفضت المشاركة في الانتخابات منذ 2020، وأنها لم تعد ترَ في التصويت "طريقاً صحيحاً لتحقيق المطالب الإصلاحية".

ويشير إلى أن ما عزز هذا الموقف هو عدم سماح مجلس صيانة الدستور للقيادات الإصلاحية بالترشح للانتخابات، "لكن هذه المرة تمت المصادقة على شخص واحد، وهو ما دفع الناشطين السياسيين إلى اعتبار أن هناك ظروفا أدنى مواتية للمشاركة في الانتخابات، لكن وجود مرشح إصلاحي وحده لا يكفي لإقناع القاعدة الجماهيرية" بالمشاركة فيها.

ويؤكد الصحافي الإصلاحي أن المطلوب من بزشكيان بصفته مرشح الإصلاحيين، إقناع قاعدة الإصلاحيين الذين اتخذوا موقفاً من المشاركة في الانتخابات بتغيير رأيهم، فأداؤه في المناظرة الأولى "حقق الحد الأدنى من التوقعات لمن يريدون وقف المسار الحالي، لكن أولئك الذين لديهم مطالب جادة في الحرية بالمجتمع والسياسة ونمط الحياة ما زالوا غير راضين" عن أدائه.

وعن تأثير المناظرة الأولى في توجهات الناخبين الإيرانيين المترددين بين المرشحين، يقول حشمتي إن أصواتهم "ربما تميل إلى ظاهرة جديدة" في الانتخابات، وهو المرشح المحافظ المعتدل مصطفى بور محمدي، مستبعداً في الوقت ذاته أن تتجاوز أصواته مليونين والنصف المليون، وهو ما حصل عليه المرشح الرئاسي المحافظ علي أكبر ولايتي عام 2013.

أما بالنسبة للمترددين بشأن المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية وليس الاختيار بين المرشحين، فبزشكيان هو المرشح الوحيد الذي يمكنه إقناعهم بالمشاركة فيها، وفق الخبير حشمتي، الذي يقول إنه الوحيد الذي يريد تغيير الوضع الراهن، لكن باقي المرشحين يريدون استمرار هذا الوضع داخلياً وخارجياً. إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، في منشور عبر موقع إكس، أنه سيشارك اليوم الثلاثاء في برنامج تلفزيوني إلى جانب بزشكيان، دعماً له.

وخلال المناظرة الأولى، حاول المرشحون المحافظون، زاكاني وجليلي وقاضي زادة هاشمي، التقليل من أهمية وتأثير العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني المتأزم، مركزين على العوامل الداخلية لتحريك عجلة الاقتصاد، ومعالجة الخلل والإشكاليات، لكن المرشح الإصلاحي بزشكيان اعتبر أن العقوبات "كارثة"، وأنه من دونها ومن دون العناية بالتجارب الدولية لتطوير الاقتصاد، لا يمكن معالجة الأزمات الاقتصادية. كما دعا إلى استقدام مستشارين أجانب للاستفادة منهم في حل هذه الأزمات، وهو ما أثار انتقادات وحفيظة مرشحين محافظين.

وفي السياق أيضاً، تحدث المرشح المحافظ المعتدل مصطفى بور محمدي بطريقة خارجة عن الأدبيات المحافظة المألوفة، التي تقلل من أهمية العقوبات ودورها، مؤكداً أن مشكلات إيران الاقتصادية لن تُحلّ من دون التعامل البنّاء مع العالم، وقال إن "الشعب لم يعد يصدّق شعاراتنا ومواقفنا"، داعياً إلى كسب ردم الفجوة بين المسؤولين والشارع وكسب ثقته. كما أكد المرشح محمد باقر قاليباف أنه سيولي الأولوية في سياسته الخارجية لرفع العقوبات.

أداء أفضل لبور محمدي

يقول الناشط المحافظ المعتدل محمد مهاجري لـ"العربي الجديد"، إن المرشح المحافظ مصطفى بور محمدي ظهر بشكل أفضل من غيره من المرشحين المحافظين، خلال المناظرة الأولى، عازياً ذلك إلى إلمامه بموضوع المناظرة وهو الاقتصاد، وكان لديه تصور واضح حول مستقبل الاقتصاد الإيراني، وأدلى الباقون بتصريحات وشعارات مكررة، وكان بعضهم قد تحدث بطريقة كأنه لم يكن على أي معرفة بالاقتصاد الإيراني. ويشير إلى أن بور محمدي تجنب رفع "الشعارات الكليشيه" للمحافظين، واتبع نهجاً مختلفاً عنهم في تناول القضايا، وخاصة بشأن دور المؤثرات الخارجية في المشكلات الاقتصادية في إيران.

ويخلص مهاجري إلى أن المناظرة كانت عادية وباردة، ولم تكن مؤثرة في إقناع الناخبين بالمشاركة في التصويت، مرجعاً ذلك إلى عدة أسباب، منها اختيار مذيع غير مناسب وطرح أسئلة عادية وكلية لا تناسب مرشحي الرئاسة، وفقدانها لأي إثارة خلافاً للدورات السابقة، والسبب الآخر هو أنه "كأنه قد تم إبلاغ المرشحين بتجنب توجيه انتقاد للحكومة الـ13 وإخفاقاتها"، أي حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.

ويستبعد الخبير مهاجري في حديثه مع "العربي الجديد"، أن يكون للمناظرات المقبلة تأثير ودور في زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات، في حال استمرت على هذا المنوال، قائلاً إنها في هذه الحالة ستكون في مصلحة المحافظين، حيث إنها لن تحفز على زيادة نسبة المشاركة. ويقول إن المحافظين لديهم قاعدة تصويتية ثابتة تشارك دائماً في الانتخابات.

وفي منشور على "إكس"، نشر القيادي الإصلاحي محمد علي أبطحي تقييمه لأداء المرشحين في المناظرة الأولى، قائلاً إن بزشكيان "كان جيداً، وذكر ثوابته، وضبط نفسه في الذروة، رغم أنه كان يمكنه أن يظهر بشكل أفضل". كما قال إن المرشح قاليباف "كان أنيقاً بمظهر رئيس جمهورية، لكنه رغم خلفيته لم يذكر جديداً"، مشيراً إلى أن المرشح بور محمدي "كان ظاهرة المناظرات، ولم أفهم جليلي، وهو كرر أقواله قبل سنوات" في إشارة إلى الدورة السابقة من الانتخابات الرئاسية الإيرانية. وأضاف أبطحي أن المرشح زاكاني "كان قد شارك لأجل النزاع، لكن ذلك لم يحصل"، والمرشح قاضي زادة أيضاً كان يتحدث بإيجابية عن الراحل رئيسي، متوقعاً مناظرة أكثر إثارة بشأن الثقافة والسياسة.