الملء الخامس لسد النهضة: تحذيرات من ارتدادات على مصر

19 يونيو 2024
عمال في سد النهضة، 19 فبراير 2022 (ميناسي ونديمو هايلو/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- صور الأقمار الاصطناعية تكشف استعداد إثيوبيا للملء الخامس لسد النهضة، مما يثير قلق مصر بشأن تأثيره على حصتها من مياه النيل، وتحذيرات من تزامنه مع موسم جفاف قد يؤدي إلى نتائج كارثية.
- إغلاق المنافذ السفلية لسد النهضة يحرم مصر والسودان من تصريفات نهر النيل الأزرق، مما يؤدي إلى انخفاض منسوب بحيرات السدود في السودان ويزيد من تعقيد الوضع.
- الجمود في مفاوضات سد النهضة يستمر، مع تسعى إثيوبيا لضمان حصتها من مياه النيل بناءً على مبدأ الاستخدام المنصف، بينما تطالب مصر باتفاق قانوني ملزم يضمن عدم الإضرار بحصتها المائية.

أظهرت صور الأقمار الاصطناعية استعداد إثيوبيا لعملية الملء الخامس لسد النهضة وسط مخاوف مصرية من أن يؤثر ذلك على إيراد مصر من مياه النيل بشكل كارثي، في الوقت الذي لا تجد فيه القاهرة أية أوراق ضغط سياسية لمنع أديس أبابا من إتمام تشغيل السد دون التوصل إلى اتفاق قانوني يضمن عدم الإضرار بمصر.

وحذر وزير الموارد المائية والري المصري السابق، محمد نصر علام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من نتائج كارثية لعملية الملء الخامس لسد النهضة خاصة إذا تزامنت مع موسم جفاف، قائلاً إن عملية الملء الخامس لسد النهضة "قد تكون مواكبة لموسم جفاف، وعندها ستكون كارثة، ولا بد من منع الملء"، مشيراً، في الوقت ذاته، إلى أن "كل ذلك سوف يتضح خلال 4 إلى 6 أسابيع".

محمد حافظ: توربينات السد المنخفضة هي المصدر الوحيد لتصريف المياه للسودان ومصر

وتعليقاً على ذلك، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير حسين هريدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "مصر تتخذ كل الإجراءات الكفيلة بتقليل الأضرار الناجمة عن السد في هذه المرحلة".

عملية الملء الخامس لسد النهضة ستبدأ الشهر المقبل

من ناحيته، رأى أستاذ الموارد المائية والأراضي في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، أن تقدير الخسائر لا يمكن التحدث عنه في الوقت الحالي، ويجب انتظار إعلان إثيوبيا عن حجم التخزين. وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن عملية الملء الخامس لسد النهضة "ستبدأ مطلع الشهر المقبل، وعندها سنعرف حجم الملء المزمع"، مؤكداً أنه "إذا كان الفيضان عالياً أو فوق المتوسط، فلن تتأثر مصر بعملية التخزين".

من جهته، أشار أستاذ هندسة السدود، محمد حافظ، إلى طبيعة عملية الملء الخامس لسد النهضة قائلاً، لـ"العربي الجديد"، إن "صور الأقمار الاصطناعية ليوم 17 يونيو/حزيران الحالي، للجزء الملاصق من بحيرة التخزين لسد السرج بسد النهضة، أظهرت بداية ارتفاع طفيف جداً لبعض أطراف الجزر القريبة من منشأ سد السرج". وأشار إلى أن ذلك يأتي "مع إغلاق المنافذ السفلية وحرمان مصر والسودان من أي تصرفات لنهر النيل الأزرق، باستثناء ما يتم تصريفه من خلال مخارج التوربينات السفلية، والتي أكدت الأخبار الواردة من إثيوبيا قبل أيام أن تلك التوربينات لا تعمل إلا خلال فترة النهار لقرابة 12 أو 14 ساعة يومياً، مع السماح بتصريف قرابة 30 إلى 50 مليون متر مكعب للسودان ومصر يومياً".

وأضاف حافظ أنه "تم إغلاق المنافذ السفلية بسد النهضة نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي بعدما تم تصريف قرابة أربعة مليارات متر مكعب من بحيرة التخزين، لتخفيض منسوب البحيرة من عند منسوب الإغلاق للملء الرابع، أي 620 متراً فوق سطح البحر إلى منسوب 616 متراً فوق سطح البحر". وتابع: "منذ نهاية يناير حتى هذه اللحظة وتوربينات السد المنخفضة هي المصدر الوحيد لتصريف المياه لكل من السودان والدولة المصرية، ما تسبب في انخفاض حاد في منسوب بحيرة سد الرصيرص وسد مروي، اللذين لم يكتفيا بانخفاض المنسوب نتيجة إغلاق إثيوبيا المنافذ السفلية، بل إن ما زاد الطين بلة أن السدود السودانية ونتيجة الحرب الأهلية هناك، لم تهتم كثيراً حتى بتخزين تلك الكميات البسيطة لصالح توليد الكهرباء أو بهدف الزراعة، بل فتحت بوابات الري بأسفل سدودها لتمرير معظم ما بها من مياه إلى بحيرة ناصر على مدار الأشهر الأربعة الماضية لتضاف إلى مخزون السد العالي في مصر".

وأشار إلى أنه "نتيجة انخفاض منسوب بحيرة سد النهضة تدريجياً بسبب سحب المياه عبر التوربينات المنخفضة بشكل يومي، تعرّت أطراف العديد من الجزر الصغيرة الموجودة ببحيرة سد السرج، والتي وصلت إلى أعلى معدل تعرٍ خلال الأسبوع الأخير من مايو/أيار الماضي". وأوضح أن "متوسط التدفق الطبيعي القادم للبحيرة خلال الفترة بين يناير حتى نهاية مايو أقل بقرابة 30 إلى 50% من التصرف الخارج من فتحات التوربينات السفلية، ما ألزم بسحب قرابة 2 مليار متر مكعب زيادة من البحيرة لتعويض قلة التدفقات الطبيعية للنهر خلال تلك الفترة". ولفت إلى أنه "مع قدوم شهر يونيو وارتفاع متوسط التدفق الطبيعي ثلاثة أمثال متوسط تدفقات مايو، صار من السهل تعويض ما يتم صرفه يومياً عبر مخارج التوربينات المنخفضة، بل وتخزين جزء بسيط جداً ربما لا يزيد عن 20 مليون متر مكعب يومياً ببحيرة التخزين".

نجلاء مرعي: الجمود يسيطر على مواقف الأطراف كافة في قضية سد النهضة

وأكد حافظ أن "إثيوبيا ستكون قادرة من الناحية الفنية البحتة على تخزين قرابة 40 إلى 42 مليار متر مكعب من مياه فيضان هذا العام. هذا من وجهة النظر الفنية، ولكن قد تتدخل السياسة لتخفيض هذا الأمر ومنع إثيوبيا من استكمال عملية الملء الخامس لسد النهضة بهذا الشكل، والاكتفاء بتخزين قرابة 20 مليار متر مكعب فقط لإرضاء الحكومة المصرية".

ثبات مخزون بحيرة السد

أما أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، فقال، لـ"العربي الجديد"، إن "مخزون بحيرة سد النهضة ثابت عند 35 مليار متر مكعب منذ فبراير/شباط الماضي، حيث إن كمية المياه التي تأتي عند سد النهضة من بحير تانا، تعادل كمية المياه المستخدمة في توليد الكهرباء". وأضاف: "توقف التخزين الرابع، في التاسع من سبتمبر/أيلول 2023، عند 41 مليار متر مكعب، ثم فتحت إثيوبيا بوابتي التصريف في 31 أكتوبر/تشرين الأول (الماضي)، و8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لخفض منسوب البحيرة لتكملة خرسانة الممر الأوسط. وتم إغلاقهما في 27 يناير بعد تصريف حوالى ستة مليارات متر مكعب خلال الثلاثة أشهر (الماضية)، وانخفاض منسوب البحيرة نحو 10 أمتار حتى منسوب 615 متراً، لم تستفد منها إثيوبيا في إنتاج الكهرباء، وسوف يتم تعويض هذه الكمية خلال الأسابيع القادمة، حيث يزيد فيها معدل الأمطار عن الخارج من التوربينين (50 مليون متر مكعب في اليوم)".

وقال شراقي إنه "من المتوقع أن تستعيد البحيرة مستوى العام الماضي بدءاً من 20 يوليو/تموز المقبل، وحينئذ يبدأ التخزين الخامس حتى العاشر من سبتمبر/أيلول، بكمية تقدر بنحو 23 مليار متر مكعب عند منسوب 640 متراً فوق سطح البحر". وأكد أن "كل متر مكعب يخزن في إثيوبيا هو خصم من الإيراد المصري، وسوف يعود جزء منه فيما بعد مع تشغيل التوربينات، ويتم صرف الاستخدامات اليومية كاملة للمواطن المصري خلال فترة التخزين من بحيرة ناصر، بصرف النظر عن الوارد من النيلين الأبيض والأزرق".

وفي السياق، قالت الخبيرة في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الجمود يسيطر على مواقف الأطراف كافة في قضية سد النهضة، وأديس أبابا تسعى لأن تكون نتائج المفاوضات مبنية على مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول للمياه مع ضمان حصتها العادلة من مياه النيل، رغم أن مصر لم تكن تفاوض بالأساس على تقاسم المياه، ولكن على عملية الملء والتشغيل، وهذا ما تهدف إليه إثيوبيا". وأضافت أن "الاختلافات في أجندة المفاوضات بين مصر وإثيوبيا، تكرس الجمود السائد في ملف سد النهضة، وسط مطالبات مصرية بالعودة للتفاوض بهدف توقيع اتفاق قانوني ملزم".