استمع إلى الملخص
- حكومة نتنياهو تسعى لتصعيد الصراع، مما يضع حزب الله وحلفاءه في مواجهة محتملة، بينما تدعم حماس تطلعات الشعب السوري، وتسعى إيران للحفاظ على نفوذها وتجنب التصعيد.
- العدوان الإسرائيلي على سوريا يزيد من احتمالية التصعيد الإقليمي، مع استعداد قوى إقليمية لدعم سوريا، مما يعزز دعم المقاومة الفلسطينية ويفتح المستقبل على احتمالات متعددة.
يتباكى المتخمون بالدعاية العربية، المقنعة بشعارات "الممانعة" الدوغمائية، على سقوط الدكتاتور السوري، بشار الأسد، رغم كلّ الجرائم الفظيعة التي اقترفها هو ووالده، حافظ الأسد، الذي أورثه الحكم على مدى أكثر من خمسين سنةً بائسةً! ذريعة أولئك المتباكين هي أنّ "محور المقاومة" خسر أحد أهمّ حلفائه في المنطقة، ما يصب في صالح "المشروع الصهيوني"، و"يقطع الإمدادات العسكرية" عن حزب الله اللبناني، وبالتالي "يضعف المقاومة على الجبهة الشمالية لكيان الاحتلال".
الرد على أبواق تلك الدكتاتورية المخلوعة، نظام الأسد، والذي يفند هذه المخاوف المفتعلة، صدر عن اللاعب الأهم في صفوف هذا محور الممانعة: إيران نفسها، إذ صرح قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، قائلاً إنّ "بعض الأوساط السياسية والنخبوية، وبين عامة الناس، يروجون لفكرة أنّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيحٍ، النظام لم يفقد أذرعه". وأضاف: "الطرق لدعم جبهة المقاومة مفتوحةٌ، فالدعم لا يقتصر على سورية وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلًا جديدًا تدريجيًا".
لكن قبل هذا كلّه، هناك أسئلةٌ ملحةٌ تفرض نفسها بقوّةٍ في هذا الصدد: هل مثّل النظام السوري المخلوع تهديدًا حقيقيًا للاحتلال؟ وهل جرد سقوط ذلك النظام القمعي المقاومة الفلسطينية من "حليفٍ استراتيجيٍ"؟ وهل يستحيل على إيران إيصال السلاح إلى حلفائها بعد زوال الدكتاتور السوري؟ وهل ارتقى الدعم الذي قدمه هذا المحور إلى المقاومة في الأراضي المحتلة إلى حجم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أبناء قطاع غزّة؟ والأهم: ما هي طبيعة الصراع بين إيران و"إسرائيل" في الشرق الأوسط؟
حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، عمدت بهذه الخطوة إلى فرض معادلة معركة مفتوحة على كلّ الجبهات، ما يعني أن حزب الله، وحلفاءه في طهران، مضطرون إلى المواجهة حتى النهاية
المقاومة تعري الدكتاتورية
من المهم أن نتذكر حقيقة عدم مشاركة "الجيش العربي السوري" منذ السابع من أكتوبر 2023 في أيّة معركةٍ قتاليةٍ مباشرةٍ ضدّ "إسرائيل"، كونه كان منشغلًا تمامًا، بل وغارقًا حتّى أذنيه، في مستنقع قتل شعبه، وكون قيادته الأمنية السياسية، المتمثلة بنظام عائلة الأسد، لم تكن على الإطلاق قيادةً ثوريةً تحرريةً تسعى، حقًا، إلى إنهاء الاحتلال الصهيوني، بل على العكس تمامًا، طالما مثّل وجود الاحتلال مبرر بقائها المرتكز على خدمة مصالح موسكو، على المستوى الدولي، وإيران، على المستوى الإقليمي.
الردود العسكرية على الاعتداءات والمجازر الصهيونية منذ عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول البطولية، من داخل الأراضي السورية، كانت تنفذها القوات الإيرانية، لتحقيق مصالح إقليمية ودولية براغماتية، أما نظام الأسد فقد رفض تمامًا فتح جبهة الجولان أمام قوات الحوثي، والميليشيات العراقية الموالية لطهران.
أما المقاومة الفلسطينية، التي تقودها اليوم حركة المقاومة الإسلامية حماس، وذراعها العسكرية كتائب عز الدين القسام، والتي غادرت الأراضي السورية منذ بدء ثورة الشعب السوري على الفاشية البعثية، فلا بدّ من التذكير بأن الحركة باركت "نجاح الشعب السوري الشقيق في تحقيق تطلعاته نحو الحرية والعدالة"، في بيان صدر عنها، بعد هروب الدكتاتور الأسد، ودعت فيه "كلّ مكونات الشعب السوري إلى توحيد الصفوف، ومزيدٍ من التلاحم الوطني، والتعالي على آلام الماضي". وأضافت: "إننا وشعبنا الفلسطيني نقف بقوّة مع الشعب السوري العظيم، ونؤكد وحدة سورية وسلامة أراضيها، وعلى احترام الشعب السوري، وإرادته، واستقلاله، وخياراته السياسية".
حتى حزب الله اللبناني، الذي تورط سابقًا في معارك دامية داخل الأراضي السورية، من أجل حماية دمية الكرملين الروسي في الشرق الأوسط، أكد هو أيضًا على لسان أمينه العام، نعيم قاسم، بعد أيّامٍ من سقوط نظام الأسد، "حقّ الشعب السوري في اختيار حكومته ودستوره"، وأضاف إن "سقط النظام في سورية على يد قوىً جديدةٍ لا يمكننا الحكم عليها إلّا عندما تستقر، وتتخذ مواقف واضحة، وينتظم وضعها"، معربًا عن أمله في استمرار "التعاون بين الشعبين والحكومتين في سورية ولبنان".
كما أصدر الحزب بيانًا بعد هذا قال فيه إنّه "يأمل أن تستقر سورية بناءً على خيارات شعبها، وتحقق نهضتها، وترفض الاحتلال الإسرائيلي". وتابع: إنه "سيظل داعمًا لسورية وشعبها في حقّهم في تشكيل مستقبلهم، ومواجهة عدوهم، الكيان الإسرائيلي المغتصب".
طهران والحسابات الإقليمية
في ما يتعلق بإيران، المنافس الإقليمي الرئيسي لدولة الاحتلال الصهيوني في المنطقة العربية، فإنّها أبعد ما تكون عن اتخاذ موقفٍ من شأنه التصعيد نحو حربٍ إقليميةٍ شاملةٍ، من شأنها إنهاء وجود نظامها السياسي، الساعي إلى تمكين نفوذه في كلٍّ من العراق ولبنان، وشق الطريق إلى بناء علاقاتٍ حسنة مع الحكومة السورية المستقبلية. لكن رغم هذا، سيرغم جيش الاحتلال الصهيوني، الذي بدأ بالفعل بالتوغل داخل الأراضي السورية، طهرانَ على المزيد من التصعيد، ولن تعجز إيران الطامحة إلى بسط نفوذها في المنطقة واكتساب أوراق ضغطٍ تسهم في تقوية موقفها التفاوضي مع الولايات المتّحدة، بخصوص برنامجها النووي، عن إيصال السلاح إلى أيّة قوّةٍ عسكريةٍ مواليةٍ لها، بصرف النظر عن طبيعة الإدارة السورية المستقبلية وتوجهاتها.
من المهم أن نتذكر حقيقة عدم مشاركة "الجيش العربي السوري" منذ السابع من أكتوبر 2023 في أيّة معركةٍ قتاليةٍ مباشرةٍ ضدّ "إسرائيل"
تتجه المنطقة عامةً إلى مزيدٍ من التصعيد بين القوى الإقليمية المؤثرة. وتجدر الإشارة هنا إلى إصدار الرئيس الأميركي المرتقب، دونالد ترامب، في الآونة الأخيرة تهديداتٍ مباشرةً للمقاومة الفلسطينية، ينذرها من عواقب "عدم الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين" قبل تسلمه مقاليد السلطة، في يناير/كانون الثاني من العام القادم، ما يعني أن البيت الأبيض أعطى لـ "إسرائيل" الضوء الأخضر لمزيدٍ من التصعيد، الذي ستضطر طهران إلى مواجهته لحماية مصالحها الإقليمية.
باختصارٍ، تسعى إيران، رغم إخفائها حقيقة أهدافها الإقليمية بخطابٍ عقائديٍ، إلى تحقيق مصالحها، ولن تتردد في تغيير حلفائها عند أيّة محطةٍ حاسمةٍ، بدليل تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، حول انسحاب قواته من سورية، التي قال فيها إنّ: "آخر من غادر خطوط المقاومة في سورية كانوا أبناء الحرس الثوري.. البعض يتوقع منا أن نقاتل بدلًا من الجيش السوري، لكن هل من المنطقي أن نشغل كلّ قواتنا في القتال داخل بلد آخرٍ، بينما جيش ذلك البلد يقف متفرجًا". وأضاف في تلك التصريحات، التي نقلتها وكالة "مهر" بعد بضعة أيّام من هروب الدكتاتور السوري: "كنا على علم بتحركات المسلحين منذ أشهرٍ، لكن للأسف بسبب غياب الإرادة الحقيقية للتغيير، والقتال والصمود في معناه الحقيقي، حدث ما رأيتموه".
هذا يعني أن موقف طهران، شأنها في ذلك شأن موسكو، لم يعتبر بشار الأسد ونظامه أكثر من حجرٍ على رقعة تنافسها الإقليمي مع دولة الاحتلال للهيمنة على المنطقة. كما أنّ إسنادها للمقاومة الفلسطينية لم يرتقِ إطلاقًا إلى المستوى الذي يليق بشعاراتها الدينية، على الأقل. غير أنّها مضطرةٌ إلى مواجهة التصعيد "الإسرائيلي" للحفاظ على نفوذها، وزوال نظام دميتها في سورية لا يعني سوى بداية مرحلةٍ جديدةٍ، قد تتجه إلى المزيد من التصعيد، خاصة بعد فرار وريث النظام البائد، الذي اتهمت الصحف الإيرانية والده المستبد بأنّه باع الجولان، وذلك بعد لحظاتٍ من هروب بشار إلى أحضان زعيمه فلاديمير بوتين.
حتمية جبهات الإسناد
كما أن العدوان الهمجي الذي شنه الاحتلال الصهيوني على الأراضي السورية، فور تسلم قوى المعارضة المسلحة زمام الأمور، يمكن اعتباره بمثابة إلغاء للهدنة التي اضطر الكيان المحتل إلى إبرامها مع حزب الله اللبناني، فحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، عمدت بهذه الخطوة إلى فرض معادلة معركة مفتوحة على كلّ الجبهات، ما يعني أن حزب الله، وحلفاءه في طهران، مضطرون إلى المواجهة حتى النهاية.. باختصار، الحرب الإقليمية قد يصعب تجنبها، والمستقبل القريب مفتوح على كلّ الاحتمالات.
يوم السابع عشر من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، صرح زعيم جماعة أنصار الله، في اليمن، محمد الحوثي بالقول إن: "تطورات سورية لن تؤثر على اليمن، وموقفنا واضح مما حصل وعلى استعداد لنصرة الشعب السوري. إذا ما تحرك في مواجهة العدوان عليه".
قبل هذا، أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد السوداني، خلال لقاء جمعه بوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في بغداد يوم 13 من الشهر الجاري، "عدم السماح بالاعتداء على الأراضي السورية"، مشددا على أن ما تقوم به "إسرائيل" يعد "تهديدًا للأمن والاستقرار في المنطقة".
في النهاية، العدو الصهيوني هو من يرغم بعض القوى الإقليمية، وحتّى الدولية، على مساندة المقاومة الفلسطينية الباسلة، التي اكتسبت دعمًا أمميًا غير مسبوقٍ بعد السابع من أكتوبر، وبعد أن تأكدت استحالة تحقيق "حلّ الدولتين". والإسناد العسكري الذي ستضطر كثيرٌ من القوى إلى تقديمه لهذه المقاومة لن ينتهي بهدنةٍ خرقت بالفعل بين حزب الله وكيان الاحتلال، ولا بسقوط نظامٍ فاشيٍ، كان يبرر قتل شعبه بشعاراتٍ فارغةٍ، لم تترجم على أرض الواقع منذ انقلاب ما يسمى بـ"الحركة التصحيحية"، التي بدأت مشوارها بإرغام الجيش السوري، في سبعينيات القرن الماضي، على التخلي عن إسناد المقاومة الفلسطينية في الأردن!