لا يزال التوتر يخيم على العلاقات بين المغرب وفرنسا في ظل أزمة صامتة، من أبرز مظاهرها تجميد زيارات مسؤولي البلدين وغياب أي اتصال بين قادتهما وحدوث فراغ دبلوماسي منذ أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، بعد تكليف سفير الرباط بمهام أخرى.
ووسط الأزمة، المستمرة منذ ما يقارب السنتين، بدا لافتاً كشف موقع "أفريكا أنتيليجينس" المتخصص في الشؤون الفرنسية الأفريقية، عن تأجيل زيارة لوفد من مجلس الشيوخ الفرنسي إلى العاصمة المغربية الرباط إلى أجل غير مسمى، كانت مرتقبة نهاية إبريل/ نيسان الحالي، وهو ما يجعل هذا التأجيل ذا أبعاد ودلالات متعددة، خاصة في ظل الأزمة بين الجانبين.
وحسب ما نقله الموقع الفرنسي، فإن وفداً برلمانياً مكوناً من رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارش، ورئيس اللجنة البرلمانية المغربية الفرنسية كريستيان كامبون، وعضو مجلس الشيوخ إيرفي مارساي، كان من المفترض أن يزور العاصمة المغربية نهاية الشهر الجاري، لكن وزارة الخارجية المغربية قررت خلاف ذلك، ما يعتبر إشارة واضحة إلى التوتر القائم بين الرباط وباريس، حسب تعبير المصدر.
وعلى امتداد الأشهر الماضية، بدا لافتاً للانتباه أن العلاقات المغربية الفرنسية هي في أدنى مستوياتها، رغم الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، إلى العاصمة المغربية الرباط في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهي الزيارة التي كان عنوانها البارز السعي لتجاوز القضايا الخلافية التي عكرت صفو العلاقات بين البلدين.
وفي وقت كان الجانب الفرنسي يراهن على زيارة الرئيس، إيمانويل ماكرون، إلى المغرب خلال النصف الأول من مارس/ آذار الماضي، لطي صفحة الأزمة، تؤكد المعطيات أن تلك الأزمة مستمرة وتتعمق بين البلدين الحليفين، بعد التأجيل المتكرر للزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي، التي كانت تترقبها العاصمة المغربية منذ يناير/كانون الثاني 2020.
وكان ماكرون قد اعترف، خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب خطابه حول العلاقات بين فرنسا وأفريقيا في 27 فبراير/ شباط الماضي، بوجود مشاكل بين المغرب وفرنسا، لكنه استدرك بالقول إن علاقاته الشخصية مع الملك محمد السادس "ودية" وإنها "ستبقى كذلك".
في المقابل، أكد مسؤول في الحكومة المغربية، في حديث مع مجلة "جون أفريك" الفرنسية، أواخر فبراير/ شباط الماضي، أن العلاقات بين البلدين "ليست ودية ولا جيدة، لا بين الحكومتين ولا بين القصر والإليزيه".
وبينما أرجع ماكرون التوتر مع الرباط إلى قضية التجسس باستعمال برنامج "بيغاسوس" وتوصية البرلمان الأوروبي بخصوص وضعية حرية الصحافة في المغرب، اتهم المسؤول المغربي الرئيس الفرنسي بإخفاء نقاط التوتر الأخرى عمداً، بما في ذلك "القيود التعسفية على التأشيرات والحملات الإعلامية والمضايقات القضائية"، على حد تعبيره، معتبراً أن "تورط وسائل الإعلام وبعض الدوائر الفرنسية في نشأة قضية (بيغاسوس) والترويج لها لا يمكن أن يتم دون تدخل السلطات الفرنسية".
ويرى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية بوبكر أونغير، في حديث مع "العربي الجديد "، أن العلاقات المغربية الفرنسية تمر بأزمة حقيقية منذ شهور نتيجة عوامل عدة، منها ما هو سياسي كالتقارب الفرنسي الجزائري المبالغ فيه، واقتصادي حيث تشعر الشركات الفرنسية الماسكة بزمام القرار الفعلي في باريس بأن المغرب بات ينافس المصالح الفرنسية في عدة أماكن في أفريقيا الغربية، التي طالما اعتبرتها باريس حديقة خلفية لها.
واعتبر أونغير أن إرجاء زيارة الوفد البرلماني الفرنسي للمغرب إلى أجل غير مسمى "يدخل في سياق الأزمة التي تخيم على علاقات البلدين، خصوصاً أن برلمانيين فرنسيين شاركوا في بلورة وإقرار قرار البرلمان الأوروبي، الذي كان مسيئاً للعلاقات المغربية الأوروبية وتدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للمملكة، وإساءة لجهازها القضائي".
وفي رده على سؤال: إلى أين تتجه الأزمة بين الرباط وباريس؟ قال أونغير إن العلاقات بين البلدين محكومة بالتاريخ والمصالح المشتركة، ومن المستبعد جداً أن يستمر الفتور في العلاقات مدة طويلة، نظراً لثقل التاريخ وحاجة فرنسا للمغرب في قضايا الهجرة والمغتربين والاستثمارات التي تباشرها الشركات الفرنسية العاملة بالمغرب.
وتابع: "الأزمة قائمة، لكنها لن تستمر طويلاً، لأن المصلحة الفرنسية الحتمية تقتضي أن تطور باريس علاقاتها مع الرباط رغم ما نشاهده، مؤخراً، من تقارب فرنسي جزائري نتيجة لتداعيات الحرب الأوكرانية والحاجة إلى الغاز".
وتعيش العلاقات بين الرباط وباريس على وقع الأزمة الصامتة منذ سنتين بسبب قرار باريس تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، وموقف باريس من ملف الصحراء ورهان الرئيس الفرنسي على الجزائر.
ولئن كانت زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية إلى الرباط، منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قد ساعدت على إعادة بعض الدفء إلى العلاقة بين البلدين بعد إعلانها رفع القيود المفروضة على تأشيرات المغاربة؛ فإن قرار البرلمان الأوروبي، الصادر في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي طالب السلطات المغربية باحترام حرية التعبير وحرية الإعلام وتوفير محاكمات عادلة للصحافيين المسجونين، وضع علاقات الرباط ببلد يوصف بالصديق والشريك الاستراتيجي، مجدداً، على المحك، وطرح أسئلة عدة حول المسار الذي ستتخذه في ظل ما عاشته من مطبات وجمود خلال السنوات الأخيرة.
ومنذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه سنة 2017، تعرف العلاقات المغربية الفرنسية مداً وجزراً، وعاشت على وقع توتر صامت تحول إلى "مواجهة مفتوحة" دارت رحاها على جبهات عدة، سياسية ودبلوماسية واقتصادية وحتى إعلامية.