المغرب: حكومة أخنوش في مواجهة غضب الشارع والمعارضة

19 فبراير 2022
خلال تظاهرة في الرباط في نوفمبر الماضي (جلال مورشيدي/الأناضول)
+ الخط -

تبدو الحكومة المغربية بقيادة رجل الأعمال عزيز أخنوش، رئيس "حزب التجمع الوطني للأحرار"، مقبلة على اختبار شعبي حاسم يضع شرعيتها على المحك، في ظل احتقان اجتماعي لافت قد يتحول في أي وقت، إلى أزمة سياسية.

ومرت 3 أشهر من عمر الحكومة، التي رفعت شعار التغيير ووعدت بتحسين أحوال الناس والبلاد، من دون خسائر كبرى إلى الآن، على الرغم مما اتخذته من قرارات اعتُبرت "غير شعبية" بفرض "الجواز اللقاحي" كشرط للسفر ودخول المؤسسات العامة، وتحديد سن ولوج مهنة التعليم في ثلاثين سنة.

إلا أنّ ثمة جمراً تحت الرماد، يُخشى اشتعاله بين لحظة وأخرى، ليضع هذه الحكومة في مواجهة مباشرة مع الشارع، لا سيما مع تصاعد حدة الاحتقان الاجتماعي، وانتشار شرارة الاحتجاجات جراء ارتفاع أسعار العديد من المواد الاستهلاكية والمحروقات.

هذا فضلاً عن تداعيات الجفاف الذي يضرب البلاد وينتظر أن يؤثر بالدرجة الأولى على حوالي 45 في المائة من سكان المغرب الذين يقطنون في المناطق القروية.

ينتظر أن تتسع الاحتجاجات بوقفات دعت إلى تنظيمها الجبهة الاجتماعية يوم غد الأحد

حكومة أخنوش بمواجهة الغضب الشعبي

وبدا لافتاً في الآونة الأخيرة، أن حكومة أخنوش باتت أمام اختبار حقيقي لتهدئة الأوضاع الاجتماعية، في ظل الغضب الشعبي وضغط المعارضة التي عبّرت عن قلقها من تردي الأوضاع، ومن السياسة التي تنتهجها الحكومة في التعاطي مع ارتفاع أسعار عدد من المواد الاستهلاكية، ما انعكس على جيوب المواطنين، خصوصاً الفئات الهشة منهم التي تضررت من تداعيات جائحة كورونا.

والواضح أن الترجمة العملية للغضب الشعبي بدأت تظهر في شكل احتجاجات، انطلقت الأحد الماضي بتجمعات دعت إليها نقابة "الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" (اتحاد عمالي)، أمام كافة مقراتها على الصعيد الوطني، احتجاجاً على التضييق على الحريات النقابية، وتجميد الحوار الاجتماعي، وارتفاع الأسعار.

ثم خرج عشرات المتظاهرين في مدينة جرادة، شرقي المغرب، أول من أمس الخميس، للتنديد بارتفاع الأسعار الذي تشهده بعض المواد الاستهلاكية والمحروقات، وبتدهور الأوضاع الاقتصادية في المدينة التي كانت قد شهدت حراكاً احتجاجياً خلال سنة 2017، عقب وفاة ثلاثة أشخاص يعملون في استخراج الفحم.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وينتظر أن تتسع تلك الاحتجاجات بوقفات دعت إلى تنظيمها الجبهة الاجتماعية (تضم تنظيمات سياسية يسارية ونقابات وجمعيات) يوم غد الأحد، في مناطق عديدة بمناسبة الذكرى الـ11 لـ"حركة 20 فبراير"، النسخة المغربية من "الربيع العربي".

مشهد الغضب والاحتجاج، برز أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تصدر وسم "#أخنوش_ارحل"، هذا الأسبوع ولأربعة أيام على التوالي، قائمة أكثر الوسوم تداولاً على موقع "تويتر" في المغرب.

وأعاد ذلك إلى الأذهان ما تعرض له أخنوش عندما كان وزيراً للفلاحة في عام 2018، من حملة مقاطعة استهدفت شركته للمحروقات "أفريقيا"، في أعقاب كشف تقرير برلماني عن استفادة شركات توزيع المحروقات من أرباح وصفت بـ"غير المستحقة" منذ تحرير القطاع في 2015.

اتهمت أحزاب معارضة الحكومة بـ"التقصير" في حلحلة الملف الاجتماعي

فرصة للمعارضة لتصفية حساباتها مع الحكومة

وفي الوقت الذي يبدو فيه أن تطلّع الشارع المغربي لمرحلة جديدة مع تشكل حكومة أخنوش بعد تبنيها نهج التغيير والتجاوب مع انتظارات المغاربة الكثيرة والملحة، بدأ في التراجع، فإن أحزاب المعارضة وجدت في ارتفاع الأسعار، الذي طاول العديد من المواد الاستهلاكية، فرصة لتصفية حساباتها مع الحكومة.

واتهمت أحزاب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، و"التقدم والاشتراكية"، و"الحزب الاشتراكي الموحد"، أخيراً، الحكومة بـ"التقصير" في حلحلة الملف الاجتماعي، و"عدم التدخل لحماية القدرة الشرائية للمواطن"، و"الاستمرار في سياسات الهروب إلى الأمام، والبحث عن المبررات غير المقنعة".

وحذرت هذه الأحزاب في بيانات لها من أن الأوضاع الاجتماعية والسياسية تهدد بـ"الانفجار".

في المقابل، أكدت الحكومة أنها قامت بجهود كبيرة للحفاظ على أسعار عدد من المواد الأساسية لتفادي ارتفاع أثمانها على المواطن المغربي، من بينها الحفاظ على أسعار غاز البوتان والدقيق، والماء الصالح للشرب والكهرباء، على الرغم من أن هذه الأخيرة ارتفع ثمنها، لارتباطها بأسعار الغازوال (الديزل)، معتبرة أن هذه الإجراءات عملت على تقديم دعم غير مباشر للمواطن المغربي.

وأرجعت الحكومة على لسان المتحدث الرسمي باسمها، مصطفى بايتاس، أسباب ارتفاع الأسعار في المغرب إلى السياق الدولي الحالي الذي وصفه بـ"الصعب".

وأوضح خلال مؤتمر صحافي عقده عقب انعقاد المجلس الحكومي، أول من أمس الخميس، أن ارتفاع الأسعار مرده الأساسي لارتفاع أثمان المواد الأولية على الصعيد العالمي.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

التحدي الأبرز للحكومة المغربية

وعلى الرغم من أن أخنوش أكد في أكثر من مناسبة، أن حكومته "تعي جيداً أن مهمتها الأولى تتجلى في تعزيز دعائم الدولة الاجتماعية وتأمين الرأسمال البشري المغربي، وتطمح إلى السير بعزم وثبات لحفظ كرامته، وتكريس حقوقه وتوفير ظروف رفاهيته"، إلا أنّ التحدي الأبرز للحكومة خلال المرحلة المقبلة، يبقى القدرة على تأمين السلم الاجتماعي، وكيفية تلافي الاحتقان الاجتماعي، وكذلك القدرة على إنتاج خطاب سياسي وتواصلي للتفاعل مع تطلعات المغاربة.

وفي السياق، يقول أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة ابن طفيل في القنيطرة (شمال شرق المغرب)، رشيد لزرق، في حديث مع "العربي الجديد "، إن "السؤال الذي يبقى مطروحاً في الوقت الراهن، هو مدى قدرة الحكومة الحالية على النجاح في الخروج من أزمة الاقتصاد، علماً أن تقلبات الأسعار الدولية يمكن أن تحدث أزمة اجتماعية".

ويرى لزرق أن "الطريق الآمن الآن هو الوصول إلى الدولة الاجتماعية، التي تتأسس على تحقيق العدالة الاجتماعية".

ويضيف أن "السؤال الذي يفرض نفسه هو هل الحكومة الحالية قادرة على الوصول إلى هذه الغاية، التي تمر وجوباً من خلال حوار اجتماعي قوامه تحقيق السلم الاجتماعي وتحديد الأسس الاجتماعية عبر مقاربة تشاركية تتيح إشراك كل الفاعلين بهدف بناء مجتمع فاعلين ومسؤولين؟".

عبد الحفيظ اليونسي: هامش مواجهة الارتفاع في الأسعار بالنسبة للحكومة الحالية ضيّق

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني في سطات، عبد الحفيظ اليونسي، فيقول إن "هامش مواجهة الارتفاع في الأسعار بالنسبة للحكومة الحالية ضيّق، لاعتبارات موضوعية متعلقة بالتحولات الدولية المتسارعة وكذلك ارتفاع فاتورة استيراد مصادر الطاقة من بترول وغاز، وانكماش الاقتصاد العالمي، إلى جانب اعتبارات جوهرية تتعلق بالتحولات الديمغرافية وارتفاع الطلب الاجتماعي".

ويلفت اليونسي، في حديث مع "العربي الجديد "، إلى "معطى سياسي مرتبط بصورة رئيس الحكومة، كعنوان لجمع السلطة بالمال، وما يعنيه ذلك في الخيال الجمعي للمغاربة من تركيز للثروة وكذا استغلال للنفوذ".

واعتبر أن ذلك العنوان "قد يكون عاملاً لتأثير شعبوي في وسائل التواصل الاجتماعي قد يتحول مع الوقت إلى احتجاج في الشارع".

وإزاء الوضع الذي تعيشه الحكومة الحالية مع الفعل الاحتجاجي وتحدياته المحتملة في المدى القصير، يرى اليونسي أن "المطلوب اليوم هو العمل بأفق وطني؛ سواء من قبل رجال الأعمال أو السياسيين أو الإدارة والمجتمع، للخروج من هذه الوضعية التي قد تتحول إلى احتقان اجتماعي ثم إلى أزمة سياسية".

المساهمون