المعارضة المسلّحة في حلب: خيارات محدودة بعد التراجع الميداني

25 أكتوبر 2014
تراجع لمقاتلي المعارضة في حلب (فادي الحلبي/فرانس برس)
+ الخط -

باتت قوات المعارضة السورية في مدينة حلب أمام وضع صعب وأمام خيارات محدودة، بعد تمكّن قوات النظام السوري، في عمليتها العسكرية المستمرة في حلب منذ مطلع العام الحالي، من استعادة المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة شرق وشمال المدينة، كما استطاع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إجبار قوات المعارضة السورية على الانسحاب من مناطق ريف حلب الشرقي بالكامل، وبعض بلدات ريف حلب الشمالي، بعدما كانت كل هذه المناطق تحت سيطرة المعارضة السورية في مطلع العام الحالي.

وشنّت قوات النظام السوري، بعد استعادتها لبلدة خناصر الاستراتيجية، جنوبي حلب، قبل نهاية العام الماضي، هجوماً واسعاً على مناطق سيطرة المعارضة السورية في مدينة السفيرة، شرقي حلب وريفها، لتتمكن من استعادة السيطرة على المدينة التي تحظى بأهمية استراتيجية عالية، نظراً لقربها من معامل الأسلحة التابعة لوزارة الدفاع السورية.

كما استعادت قوات النظام، في شهر مايو/ أيار الماضي، السيطرة على المدينة الصناعية الأكبر في سورية والواقعة إلى الشمال مباشرة من مدينة حلب، بعد أكثر من عامين من سيطرة قوات المعارضة عليها.

ومكّن ذلك قوات النظام من فك الحصار الذي فرضته المعارضة على سجن حلب المركزي لأكثر من عام، لتطلق قوات النظام أخيراً هجوماً جديداً على مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال حلب، وتنجح مع مطلع الشهر الحالي في بسط سيطرتها على بلدتي حندرات وسيفات الاستراتيجيتين، واللتين يمر فيهما أحد أهم خطوط إمداد قوات المعارضة السورية في مدينة حلب.

في المقابل، حاولت قوات المعارضة في حلب استعادة السيطرة على البلدتين، وشنت هجمات قوية عدة على نقاط تمركز قوات النظام فيهما، وتمكنت من فرض حصار على قوات النظام المتمركزة في البلدتين لأيام قبل أن ينجح النظام بفك الحصار عن قواته المحاصرة في البلدتين، بعد سيطرته على معملي الإسمنت والزجاج الواقعين على تلة مرتفعة إلى الشمال الغربي من سجن حلب المركزي.

في الوقت نفسه، كانت قوات المعارضة تخوض معارك شبه يومية مع مقاتلي تنظيم "داعش"، الذي نجح، في شهر فبراير/ شباط الماضي، باستعادة السيطرة على مدن الباب ومنبج ودير حافر، أكبر مدن ريف حلب الشرقي، ليقوم بعد ذلك بشن هجمات واسعة ومتزامنة على كل نقاط سيطرة قوات المعارضة في ريف حلب الشرقي، ويتمكن من إجبارها على الانسحاب من ريف حلب الشرقي بالكامل.

وعاد التنظيم وباشر هجومه على مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، ليسيطر، بدءاً من شهر أغسطس/ آب الماضي، على بلدات أخترين وارشاف ودابق واحتيملات في ريف حلب الشمالي، ليصل إلى تخوم مدينة مارع الواقعة إلى الشرق من مدينة تل رفعت، الحاضنة الأكبر لفصائل المعارضة في ريف حلب الشمالي، ويصبح على بعد أقل من عشرين كيلومتراً من مدينة أعزاز ومعبرها الحدودي مع تركيا، المعبر الحدودي الوحيد الذي تشرف عليه قوات المعارضة السورية.

وأدى قتال قوات المعارضة لتنظيم "داعش" وقوات النظام السوري في وقت واحد على مدى الشهور الماضية، إلى استنزافها بشكل كبير، إذ أدت المعارك المستمرة التي خاضتها المعارضة إلى خسارتها المئات من مقاتليها والعشرات من قيادات كتائبها، بالإضافة لخسارتها كميات كبيرة من العتاد العسكري والآليات، وورشات تصنيع الذخائر والمدافع محلية الصنع.

كما فقدت المعارضة السورية في حلب، إثر تقدم قوات النظام السوري، معظم خطوط الإمداد التي تستخدمها لإمداد قواتها المتمركزة في مدينة حلب، إذ سيطرت قوات النظام السوري على طريقين رئيسيين يصلان مناطق سيطرة قوات المعارضة في مدينة حلب بريفها الشرقي، كما سيطرت القوات النظامية على طريق حلب ـ حندرات ـ مارع، الذي كانت تستخدمه قوات المعارضة في إمداد قواتها المتمركزة في مدينة حلب، ليبقى لقوات المعارضة السورية خط إمداد وحيد يصل مناطق سيطرتها في ريف حلب الشمالي بمناطق سيطرتها في مدينة حلب، وهو الطريق المعروف باسم طريق الكاستلو، والذي يصل مدينة حلب بمدينة حريتان في ريفها الشمالي.

في المقابل، خسرت قوات المعارضة السورية في حربها المستمرة مع تنظيم "داعش" مدناً وبلدات عدة، كانت تُعتبر في ما مضى حاضناً رئيسياً لها، كمدينة الباب التي كانت تُعتبر الحاضن الأكبر لكتائب المعارضة في ريف حلب، ومدن وبلدات منبج ومسكنة ودير حافر وجرابلس وأخترين، التي يتحدّر منها مئات المقاتلين المنتسبين إلى "لواء التوحيد"، الذي كان يُعدّ قبل اندلاع الصدام مع "داعش" أكبر فصائل المعارضة السورية في حلب.

كما عانت قوات المعارضة السورية في مدينة حلب، بالإضافة إلى ما سبق، من مشاكل في التنسيق بين قواتها، ومن صعوبات في التوفيق في القتال على جبهتي النظام السوري وقوات "داعش"، وكانت تضطر للانسحاب من بعض نقاط تمركزها على إحدى الجبهتين، لتغطية النقص الحاصل في القوات المدافعة عن خطوطها على الجبهة الأخرى.

زاد الوضع سوءاً عدم مهاجمة "داعش" لقوات النظام على الإطلاق في مناطق شرق وشمال حلب، إذ تتقدم القوات النظامية في مناطق سيطرة قوات المعارضة شمالي حلب، في المنطقة التي تقع في مرمى نيران قوات "داعش"، ذلك أن الأخيرة تتمركز على التلال المشرفة على المدينة الصناعية وسجن حلب المركزي، كما تسيطر قوات التنظيم على المحطة الحرارية المقابلة مباشرة لمدينة السفيرة التي يسيطر عليها النظام.

نتيجة كل ذلك، أصبحت قوات المعارضة في مدينة حلب أمام خيارات محدودة، في ظل هذا التراجع الميداني الذي تعاني منه في الأشهر الأخيرة، وبدأ الحديث يدور بين قيادات المعارضة عن التوقف عن مهاجمة نقاط تمركز "داعش" في ريف حلب الشمالي، والتفرّغ بشكل كامل لمواجهة قوات النظام السوري التي اقتربت من فرض حصار كامل على مناطق سيطرة المعارضة في حلب، فيما يتحدث آخرون عن التفكير بشكل جدي بالانسحاب من مدينة حلب كي لا تقع كتائب المعارضة فيها بالفخ الذي نصبته قوات النظام لكتائب المعارضة في حمص في وقت سابق، حيث فرضت حصاراً كاملاً عليها لما يقارب العامين قبل أن تجبرها على توقيع اتفاق يقضي بانسحابها من مناطق سيطرتها في مدينة حمص، لتصبح المدينة تحت سيطرة النظام السوري بالكامل.