المعارضة التونسية حائرة قبيل 4 أيام من الانتخابات الرئاسية

02 أكتوبر 2024
مسيرة في تونس منددة بتعديل القانون الانتخابي، 22 سبتمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

قبل أربعة أيام فقط من الانتخابات الرئاسية التي تُجرى الأحد المقبل، لا تزال أغلبية أطراف المعارضة التونسية في حيرة من أمرها إزاء خيار المشاركة أو المقاطعة، باستثناء بعض الأحزاب التي أعلنت موقفها بوضوح وبشكل قاطع من هذا الأمر بعد دعوتها لمقاطعة الانتخابات التي تتهم المعارضة التونسية الرئيس قيس سعيّد بهندستها على مقاسه لضمان عدم وجود أي منافس حقيقي له قد يهدد طموحه لتولي ولاية رئاسية ثانية. ومساء أمس الثلاثاء، جدد حزب العمال (يساري) موقفه الرافض للمشاركة وتوجه بنداء إلى المواطنين التونسيين، قائلاً: "قاطعوا المهزلة ولا تلطّخوا أصابعكم بحبر العار".

وذكر في بيان: "يدعوكم قيس سعيّد يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 إلى التّصويت له بعدما داس على كلّ المبادئ والقوانين والأعراف والتّقاليد وأعدّ العدّة لانتخابات تفتقد أبسط شروط الدّيمقراطيّة والنّزاهة والمصداقيّة. إنّها مجرّد بيعة لشخصه لا يجدر بكم أن تتورّطوا في فخّها المدمّر لتونس حاضراً ومستقبلاً. كما لا يجدر بكم السّقوط مرّة أخرى ضحايا مغالطات قيس سعيّد الذي خدعكم بشعارات كثيرة وكبيرة تنكّر لها جميعاً".

ويشارك في الانتخابات الرئاسية بالإضافة إلى سعيّد، المرشح العياشي زمال القابع في السجن ويتابع بأكثر من 25 ملفاً في ما يعرف بالتزكيات الشعبية، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، بعدما رفضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قرارات المحكمة الإدارية التي قضت بإعادة كل من عبد اللطيف المكي، ومنذر الزنايدي، وعماد الدايمي إلى سباق الانتخابات.

وقال الحزب في بيانه إن قيس سعيّد "عاد بالبلاد إلى مربّع الاستبداد وركّز نظام الحكم الفرديّ المطلق ووضع يده على القضاء والإعلام وشدّد الرّقابة على الإبداع وعلى وسائل التّواصل الاجتماعيّ وملأ السجون بمعتقلي الرّأي"، مضيفاً: "المطلوب منكم ليس الذّهاب إلى صناديق الاقتراع لتكونوا شهود زور، بَلِ المطلوب منكم العمل جدّيّا على أخذ مصيركم بأيديكم، على غرار ما فعلتم في 2010-2011 (الثورة التونسية)، والوقوف مجدّداً في وجه الاستبداد والفقر والبؤس، بصفوف منظّمة وعلى قاعدة برنامج إنقاذ حقيقيّ يضع بلادنا على سكّة النّهوض".

إلى ذلك، تعقد غداً الخميس أحزاب العمال والاشتراكي والتكتل والمسار والقطب ندوة صحافية حول تطورات الوضع الرّاهن. وهذه الأحزاب بالإضافة إلى أخرى هي جزء من الشبكة التونسية للحقوق والحريات التي تضم عدداً من الجمعيات والمنظمات، والتي دعت للتظاهر مجدداً، الجمعة، في مسيرة وسط العاصمة تونس. لكن اللافت هو غياب الحزب الجمهوري عن هذه الندوة الصحافية، وعقدها أصلاً من الأحزاب فقط وليس باسم الشبكة، ما قد يعني تبايناً في المواقف.

غياب الإجماع في صفوف المعارضة التونسية

في المقابل، أعلن حزب ائتلاف الكرامة (إسلامي)، في بيان له، أمس الثلاثاء، عن الانتخابات الرئاسية أنّ "هذه المناسبة الانتخابية أسقطت عن السلطة الحالية آخر ورقات التوت، كونها لا تؤمن بالديمقراطية ولا تمارسها، بل وتحاربها بشتى الوسائل". وتابع أنّ المكتب السياسي للحزب دعا إلى التصويت للمرشح العياشي زمال، معلناً دعمه إياه، وذلك بعد "فرض السلطة خيارين لا غير أمام الناخبين التونسيين، إما قيس سعيّد وإما منافسه القابع في زنزانته".

ولكن هذا لا يعني إجماعاً على زمال في صفوف العائلة السياسية الإسلامية، أو في بقية العائلات السياسية، رغم وجود نقاش ودعوات حول الأمر. فقد أعلن النائب السابق والمستقيل من ائتلاف الكرامة عبد اللطيف العلوي أنه لن يشارك، ولن يدعو إلى انتخاب زمال. وقال العلوي، وهو شاعر وكاتب، وله تأثير في الساحة السياسية وخصوصاً في صفوف العائلة السياسية الإسلامية: "إني أتفهّم دوافع كلّ الدّاعين إلى المشاركة ولست أزايد عليهم بأيّ شيء، ولكنّي أعتبر كلّ ما قدّموه من حجج من نوع إحراج السّلطة ومزيد دفعها إلى الأخطاء وكلّ ذلك الكلام لا يغني ولا يسمن من جوع".

وأكد العلوي في منشور على صفحته في "فيسبوك"، بخصوص العياشي زمال: "هذا الرّجل لا يختلف في شيء عن كلّ مرضى الحداثة والوطنجيّة وقد كان داعما للحرب التي شنّت على البرلمان". وأضاف: "عندما تعرض بعض زملائه من النواب للإهانة والعنف في المطار، كان ممّن نزّل التدوينات لإدانتهم والتضامن مع من اعتدى عليهم، وعندما سئل في إحدى المقابلات عن سيف مخلوف (النائب عن ائتلاف الكرامة) قال إنه داعم للإرهاب وموقفه مقزّز ولا يشرّف النّواب الشرفاء في المجلس، وزاد بأن طالب برفع الحصانة عنه وسحب الثقة منه لمجرّد رأي أبداه في ظاهرة الإرهاب واعتبر أنّه صنيعة مخابراتيّة، أمّا عن موقفه الرسمي من الانقلاب، فكان ممّن رحّبوا به". وقال العلوي: "أنا لا أطمئنّ إليه... ولن أدعو إلى انتخابه، حتّى تحت مسمّى الخطر الأصغر لدرء الخطر الأكبر، لأنّه قد يتحوّل بدوره إلى خطر أكبر، ولديه كلّ المؤشرات على ذلك".

"النهضة" لم تحسم موقفها بعد

وبينما يسود التردد في صفوف المعارضة التونسية بمختلف أطيافها، لم تصدر حركة النهضة ولا جبهة الخلاص الوطني المعارضة، بيانات واضحة بخصوص الدعوة إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية أو عدمها. وأكد القيادي البارز في النهضة وفي الجبهة، رياض الشعيبي، لـ"العربي الجديد" أنّ "حركة النهضة لا تزال بصدد بناء موقفها في ما يتعلق بالانتخابات، آخذة في الاعتبار مجمل المعطيات السياسية والانتخابية والقانونية، وبالنظر لما اكتنف المسار الانتخابي من انتهاكات خطيرة". وأضاف أن "جبهة الخلاص الوطني، أكدت أنها جبهة سياسية وليست جبهة انتخابية، وبالتالي تمتعت كل مكوناتها بهامش من المرونة في تحديد مواقفهم إزاء العملية الانتخابية، رغم الإجماع داخلها على تشخيص الواقع من جهة انعدام الشفافية والنزاهة التي شابت مختلف مراحل المسار الانتخابي".

وأشار الشعيبي إلى أن "هذا الاختلاف بين مكونات الجبهة لا يقتصر عليها، بل كل القوى السياسية في البلاد ما زالت تكافح لبناء الموقف الذي لا يتصادم مع تعقيدات المشهد السياسي وتبعات كل موقف على مستقبل العملية السياسية في البلاد"، مضيفاً: "لقد عقّدت السلطة الأزمة السياسية والدستورية بأن أضافت إليها بعداً جديداً يتعلق بشرعيتها الانتخابية، الأمر الذي سيضعنا وجهاً لوجه مع مرحلة جديدة من مراحل التصدي لهذا الانحدار الخطير الذي تشهده البلاد".

وأضاف الشعيبي: "هذه الانتخابات فوّتت على التونسيين إمكانية الخروج من الأزمة التي تسببت فيها السلطة منذ ثلاث سنوات، ومن غير المتوقع أن يفتح يوم 6 أكتوبر أفقاً جديداً للبلاد، وإنما سيكرس التراجع عن المسار الديمقراطي ويدخل البلاد في أزمة شرعية جديدة". وختم بالقول: "أفضل رسالة في هذا اليوم قد تكون حالة العزوف الكبيرة المتوقعة، بما يؤشر لانحصار الأرضية الشعبية للنظام السياسي الذي يحاول قيس سعيّد فرضه على التونسيين بقوة الأمر الواقع".

يُذكر أن رئيس جبهة الخلاص الوطني، أحمد نجيب الشابي، كان قد دعا إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية. واعتبر الشابي في حديث سابق خاص لـ"العربي الجديد"، أنه "لا توجد انتخابات حقيقية في تونس، وأن المنطق يقتضي مقاطعتها، وليس الاندراج (المشاركة) فيها".

المساهمون