المصالح السياسية تحدد خطوات إسرائيل في الحرب على غزة

29 ديسمبر 2023
نتنياهو قبل جلسة حكومية، 10 ديسمبر الحالي (رونين زفولون/فرانس برس)
+ الخط -

تشكّلت الحكومة الإسرائيلية لغاية 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من أربعة أحزاب يمين ويمين متطرف جديد، حصلت على 64 مقعداً في الانتخابات الأخيرة (أُجريت في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022)، وكان من المفترض أن تكون الحكومة الأكثر استقراراً منذ عام 2013 في إسرائيل.

عملية "طوفان الأقصى" والحرب على غزة أدتا إلى إعادة ترتيب التحالف الحكومي وانضمام حزب "المعسكر الرسمي"، بقيادة بيني غانتس إلى الحكومة. انضمام حزب "المعسكر الرسمي" للتحالف الحكومي وفّر الاستقرار السياسي للحكومة، والشرعية الدولية، وأضاف قيادات عسكرية سابقة للحكومة.

لكنه قد يتحوّل إلى عامل عدم استقرار للحكومة الحالية، بسبب التضارب في المصالح والأهداف السياسية مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ولأنه قد يدفع بسياسات وقرارات غير مقبولة من أحزاب اليمين المتطرف، مثل حزب "القوة اليهودية" بقيادة إيتمار بن غفير، وهي أحزاب قد تنسحب نتيجة ذلك من التحالف الحكومي.

تعدد الأحزاب الشريكة في التحالف الحكومي ينتج تعددية وتناقضاً في مصالح وأهداف الأحزاب من الحرب على غزة، بل وداخل الأحزاب الشريكة نفسها. هذه التعددية والتناقضات تؤثر على اتخاذ القرارات تجاه الخطوات العسكرية المقترحة والتعامل مع المخرجات السياسية للحرب على غزة، ومنها الانتقال إلى المرحلة الثالثة من المعارك، ملف الأسرى والمخطوفين، ومحاولة وضع تصور لليوم التالي للحرب، والتعامل مع الجبهة الشمالية (لبنان وسورية).

في هذه الظروف يحاول نتنياهو المناورة بين أهداف الحرب وموقف المؤسسة العسكرية والأمنية، وبين أهدافه ومصالحه السياسية، والأهداف المتناقضة لكافة الأحزاب. نتنياهو يرمي إلى إطالة عمر الحكومة قدر الإمكان، بشرط أن تخدم مصالحه وأهدافه السياسية الانتخابية.

الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب على غزة

تعترف القيادات العسكرية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة بصعوبة تحقيق أهداف الحرب، منها القضاء على قدرات "حماس" العسكرية والسياسية والإدارية في قطاع غزة. وأوضح رئيس الأركان هرتسي هاليفي في رسالة مصورة قبل أيام أن الحرب في غزة ستكون طويلة وصعبة، وأن تحقيق أهداف الحرب يتطلب وقتاً وصبراً، وهناك حاجة لأدوات ووسائل قتال متنوعة ومختلفة.

يمهد هاليفي بذلك إلى موقف المؤسسة العسكرية الداعم للانتقال إلى ما تسميه إسرائيل المرحلة الثالثة من الحرب، تقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من قلب قطاع غزة وإعادة انتشارها حوله، وإقامة عازل داخل أراضي القطاع، والانتقال إلى شن اقتحامات عسكرية "موضعية" في قلب القطاع، مثلما يفعل الجيش في شمال الضفة الغربية المحتلة، ولكن بشكل أوسع بكثير.


التناقضات تؤثر على اتخاذ القرارات تجاه الخطوات العسكرية المقترحة

الانتقال إلى المرحلة الثالثة يشكل نقطة نقاش وخلاف داخل الحكومة، تعكس مصالح وأهدافاً سياسية مختلفة، وليس فقط خلافات في الرؤية العسكرية. نتنياهو لم يوضح موقفه من الانتقال للمرحلة الثالثة علناً لغاية الآن، لكنه يصرح يومياً بأن الحرب مستمرة وأن إسرائيل ستسعى إلى تحقيق أهداف الحرب من دون تردد أو تراجع، على الرغم من الضغوط.

تحليلات إعلامية تقدّر أن نتنياهو يعارض حالياً الانتقال إلى المرحلة الثالثة. يهتم نتنياهو حالياً بمخاطبة القواعد الاجتماعية والانتخابية لليمين، ولا يرغب بأن يظهر كمن يتراجع أمام ضغوط الإدارة الأميركية أو حتى أمام ضغوط المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. نتنياهو يريد ان يتميز بالموقف عن غانتس الذي يدعم الانتقال إلى المرحلة الثالثة ويقف بصف المؤسسة العسكرية.

كما لا يدعم وزير الأمن يوآف غالانت الانتقال إلى المرحلة الثالثة، كونه يسعى، كما يصرح بشكل دائم، للقضاء على قدرات "حماس". كذلك تعارض بقية أحزاب اليمين المتطرف، كحزبي بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، خفض وتيرة الحرب وأي تراجع عن القتل والدمار، وتتبنى موقفاً أكثر تطرفاً من نتنياهو. بذلك يريد هؤلاء البقاء على يمين نتنياهو وغالانت. فهذا يخدم مصالحهم السياسية والأيديولوجية والانتخابية.

في هذه الأجواء، لن يكون من السهولة بمكان أن تحسم الحكومة أمرها. من جهة سيؤدي استمرار الحرب بالصيغة الحالية إلى تذمر حزب "المعسكر الرسمي" بقيادة غانتس، وقد يكون سبباً في خروجه من التحالف الحكومي. ويمكن أن يوفر التوجه إلى المرحلة الثالثة، من دون إنجازات عسكرية استراتيجية، حجة لبن غفير للخروج من الحكومة، وكذلك سموتريتش الساعي إلى ترميم مكانته السياسية المتدنية وفقاً للاستطلاعات.

الخلافات والأهداف السياسية المتناقضة قد تؤدي إلى الإبقاء على الوضع الراهن، والى استمرار تزايد الخسائر البشرية في قوات الجيش. والأهم أنها ستؤدي إلى تأجيل التعامل مع ملف الأسرى والمخطوفين وعدم نقاش تصورات اليوم التالي للحرب في غزة.

نتنياهو يرفض نقاش اليوم التالي للحرب

لغاية الآن يرفض نتنياهو طرح موضوع التصورات الإسرائيلية لليوم التالي للحرب على طاولة نقاش مجلس الحرب والحكومة المصغرة. نتنياهو أوضح في مقال نشر قبل أيام في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية رفضه لدور ما للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة في اليوم التالي، وجدد مطلبه بالقضاء على "حماس"، ومنع أي إمكانية لتهديد أمن إسرائيل من غزة، وتحدث عن أهمية هندسة وعي المجتمع الفلسطيني ونزع التطرف عنه كما قال نتنياهو.

بذلك، يصعّد نتنياهو موقفه وتصوره لليوم التالي للحرب، ولو بثمن المواجهة مع الإدارة الأميركية. اهتمام نتنياهو بدعم قواعد اليمين في إسرائيل يفوق أي اعتبار آخر.


نتنياهو وغانتس يتوافقان حول جبهة الشمال، في مقابل موقف وزير الأمن والمؤسسة العسكرية

في المقابل، لا يعرض غانتس أي تصوّر رسمي حول اليوم التالي للحرب، فهو لا يريد أن يصطدم مع الإدارة الأميركية، ولا يرغب بأن يُصوّر كمن يقبل بتوكيل السلطة الفلسطينية لإدارة غزة في اليوم التالي. يفضّل غانتس الضبابية، لأن أي موقف واضح سيكون له ثمن سياسي وانتخابي، هو بغنى عنه الآن. أما أحزاب اليمين المتطرف فتسعى إلى إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة، وأن تلغي الحرب على غزة قرار الانسحاب من عام 2005.

قضية الأسرى والمخطوفين تتحول إلى خلاف سياسي

يتزايد في الأسابيع الأخيرة احتجاج أهالي الأسرى للضغط على الحكومة لتسريع العمل على تحرير الأسرى. ويتحول هذا الملف إلى ملف خلافي بين مركّبات الحكومة. فبينما يشدد غانتس وغادي أيزنكوت على أهمية تحرير الأسرى والمخطوفين، من دون تحديد الأدوات لذلك، لا يبدي نتنياهو حماسةً خاصةً للتوصل إلى صفقة جديدة لتحرير الأسرى، بل يستمر في المناورة كي لا يتهم بأنه أهمل هذا الملف أو أنه المسؤول عن فقدان المزيد من الأسرى.

غانتس يرغب بكسب نقاط في الرأي العام الإسرائيلي نتيجة دعمه لأهالي الأسرى، بينما نتنياهو يهتم في الحفاظ على دعم قواعد اليمين ولا يريد تقديم تنازلات في ملف الأسرى.

وزير الأمن يوآف غالانت والمؤسسة العسكرية يتعاملان مع هذا الملف كملف ثانوي، أما أحزاب اليمين المتطرف فاعتبرت أكثر من مرة أن خسارة الأسرى قد تكون أحد أثمان الحرب على غزة، بغية تحقيق الانتصار المطلوب والقضاء على "حماس" وإعادة احتلال غزة.

ملف الأسرى يشكل عامل عدم استقرار إضافي للحكومة، لأن التوصل إلى صفقة جديدة بشروط مقبولة من "حماس" يمكن أن يؤدي إلى انسحاب حزبي بن غفير وسموتريتش (حزب الصهيونية الدينية)، بينما عدم التقدم في الملف سيزيد الضغوط على غانتس وأيزنكوت للخروج من الحكومة، خصوصاً مع تصاعد احتجاج أهالي الأسرى.

الجبهة الشمالية

إطالة الحرب على غزة والتصعيد اليومي في جبهة الشمال يؤديان إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بالتعامل مع الجبهة الشمالية وعدم الانتظار. ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال"، الأسبوع الماضي، عن إلغاء هجوم إسرائيلي استباقي على "حزب الله" في 11 أكتوبر الماضي، كان سيغير طبيعة الحرب أو الحالة الاستراتيجية في المنطقة يشي بأن المؤسسة العسكرية وبدعم وزير الأمن، كانت متجهة إلى ضربة استراتيجية لـ"حزب الله"، لمنع أي هجوم من الأخير على بلدات الشمال، وفقاً للصحيفة. نتنياهو، وفقاً للمصادر الصحافية، سرّع ضم غانتس وأيزنكوت لحكومة الطوارئ ومجلس الحرب لمنع الضربة التي اقترحتها المؤسسة العسكرية.


تعارض بقية أحزاب اليمين المتطرف خفض وتيرة الحرب

على عكس الحالة في الحرب على غزة، ولغاية الآن، نرى توافقاً بين نتنياهو وغانتس حول جبهة الشمال، مقابل موقف وزير الأمن والمؤسسة العسكرية. المواقف المختلفة هذه لم تتحول لغاية الآن إلى خلاف واضح ولم تنعكس سلباً على تماسك الحكومة.

لكن تصاعد التوتر والعمليات العسكرية في جبهة الشمال، وتصاعد مطالبة سكان الشمال بضرورة إيجاد حل لوجود قوات "حزب الله" على الحدود، قد يحول هذا الملف أيضاً إلى قضية خلافية داخل التحالف الحكومي. وبرزت أخيراً تحليلات صحافية وتصريحات تشي بتحول ما في الموقف الإسرائيلي، وتلمح إلى أنه لا محال من توسيع الجبهة الشمالية والانتقال إلى حرب أوسع.

قد تكون هذه التحليلات والتسريبات رسائل بين أطراف الحكومة، بما يسمح بلجوء نتنياهو إلى توسيع جبهة الشمال كتعويض عن الحاجة للانتقال إلى المرحلة الثالثة في الحرب على غزة.

في خضم الحرب على غزة وتصاعد التوتر في الجبهة الشمالية، يسعى نتنياهو إلى تحسين وضعه في الاستطلاعات، فيما يريد غانتس الحفاظ على الوضع القائم كونه يحصل على أكبر عدد من المقاعد، ويرمي إلى تجنب الأخطاء والمطبات والمفاجآت.

كذلك يريد بن غفير الاستفادة قدر الإمكان من الاستطلاعات الإيجابية ليكون الممثل الأبرز لليمين المتطرف، وربما يرغم حزب "الصهيونية الدينية" برئاسة سموتريتش الدخول بشراكة جديدة تنقلب فيها موازين القوى ويحصل على تمثيل أكبر.

في الوضع القائم، لا يمكن فصل أي خطوة عسكرية أو قرار تجاه ملفات الحرب، مثل الانتقال إلى مرحلة ثالثة من الحرب، ووضعية غزة في اليوم التالي للحرب، وملف الأسرى والتطورات على الجبهة الشمالية، من دون الالتفات إلى الأهداف والمصالح السياسية للقيادات الإسرائيلية.

هذه المحاور ستكون في جوهر ومركز الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، بغض النظر عن موعدها. كل حزب وقائد يسعى إلى ترتيب مواقفه ومكانته من هذه الملفات من الآن، متأثراً بنتائج استطلاعات الرأي العام الأسبوعية.

المساهمون