المساعدات الإنسانية إلى سورية: تفاهمات أميركية روسية في الكواليس

12 يوليو 2021
خلال وقفة في إدلب للمطالبة بفتح المعابر الإنسانية لإدخال المساعدات (رامي السيد/Getty)
+ الخط -

انقسام كبير وخلافات في وجهات النظر وارتباك سياسي تحيط بقرار مجلس الأمن الجديد، الذي صدر يوم الجمعة الماضي، والقاضي بتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية. والحال واحد في وسط المعارضة والنظام، فهناك من رحب بالقرار وهناك من انتقده. البعض اعتبره انتصاراً لروسيا، في حين رأى فيه البعض الآخر نصف انتصار، وأن الوضع الدولي والإقليمي الراهن لا ينتج أكثر من ذلك. وعلى غير ما كان منتظراً، صوّت مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار، ما يعني أن دبلوماسية الكواليس بين واشنطن وموسكو نجحت في إبرام صفقة، تم بمقتضاها سحب مشروعي القرارين، النرويجي - الأيرلندي والروسي، والاتفاق على مشروع قرار ثالث يمدد الآلية المعتمدة لمدة سنة، على أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تقريراً حول سير العملية بعد ستة أشهر.

المفاجأة جاءت من طرف روسيا، التي كانت تتوعد منذ أشهر باستخدام حق النقض "الفيتو"

في البداية، يمكن القول إن المفاجأة جاءت من طرف روسيا، التي كانت تتوعد منذ أشهر باستخدام حق النقض "الفيتو" ضد تجديد الآلية المعمول بها منذ عام لإدخال المساعدات إلى شمال غرب سورية عبر معبر باب الهوى، والتي يستفيد منها 3.4 ملايين مهجر سوري. وحتى قبل يوم من اجتماع مجلس الأمن، كان الموقفان الروسي والأميركي على طرفي نقيض. وفي حين تبنّت واشنطن المشروع النرويجي الأيرلندي، الذي يدعو إلى تجديد الآلية وإضافة معبر جديد مع العراق هو اليعربية لإدخال المساعدات، كان مشروع القرار الروسي ينص على التمديد للآلية لستة أشهر فقط، مرفقاً بشروط كثيرة، منها رفع علم النظام على معبر باب الهوى، وإدخال جزء من المساعدات عبر المعابر الداخلية القائمة على خطوط التماس بين النظام والمعارضة. وفجأة حصل ما لم يكن في الحسبان، واتفق الطرفان على حل وسط يمدد الآلية المعمول بها.

لم يحصل ذلك بلا تنازلات وضغوط، وبالتالي، فإن التفاهم له ما يتبعه بين واشنطن وموسكو، وهذا ما عكسته تصريحات السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد، ونظيرها الروسي فاسيلي نيبينزيا. وقالت غرينفيلد "يظهر ذلك ما نستطيع إنجازه مع الروس إذا عملنا معهم دبلوماسياً... أتطلع لفرص أخرى للعمل مع الروس في الموضوعات ذات الاهتمام المشترك". وكان نيبينزيا أكثر صراحة عندما قال "نأمل أن يكون ذلك نقطة تحوّل تتسق مع ما ناقشه (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين و(الرئيس الأميركي جو) بايدن في جنيف" (في إشارة إلى القمة التي جمعت الرئيسين في يونيو/حزيران الماضي). وأضاف "هذا يظهر أن بوسعنا أن نتعاون عندما تكون هناك حاجة، وأيضاً عندما تتوفر الإرادة". وجاء الاتصال بين بوتين وبايدن، يوم الجمعة الماضي، في السياق ذاته، إذ أوضح البيت الأبيض في بيان، أنه تخلل الاتصال بحث الجانبين "جهود العمل المشترك التي أدت إلى الوصول لاتفاق حول نقل المساعدات الإنسانية عبر الحدود لسورية". وكان بايدن قد أثار مع بوتين في يونيو الماضي قضية إيصال المساعدات عبر الحدود إلى سورية، ومدى أهميتها. وحذرت إدارة بايدن وقتها من أن وقف إيصال المساعدات عبر الحدود سيعرّض للخطر أي تعاون مع روسيا بشأن سورية في المستقبل.

المعارضة السورية ليست على إطلاع حول ما دار في الكواليس من مناقشات في الساعات الأخيرة قبل الوصول إلى الاتفاق، ولكنها التقطت إشارات عدة خلال الأشهر الأخيرة عن تطورات دولية، ليست بالضرورة سلبية مائة في المائة. وفي حين كانت تترقب وتتحضر للفيتو الروسي، فإنها كانت تعمل على خطة دولية بديلة في ما لو استخدمت موسكو "الفيتو"، تعتمد على إدخال المساعدات من دون قرار مجلس الأمن، من خلال تسليمها إلى جهات محلية ومنظمات إنسانية، ولكن ذلك محفوف بالمخاطر، لا سيما في ما يتعلق بمسألة توفير الحماية للقوافل، لأن روسيا لم تتورّع في السابق عن قصف القوافل والمعابر والمستشفيات.

عبد الغني: في الوقت الذي يقدم القرار انتصاراً لروسيا، فهو يحمل إيجابيات لنا

المعارضة لا ترى في تراجع موسكو عن "الفيتو" رضوخاً للضغط الأميركي، بل على العكس. وهناك مصادر ترجح أن موسكو نجحت في استثمار الضغط للحصول على ما تريد. ولا تتحرج هذه المصادر من الاعتراف بأن روسيا حققت انتصاراً في هذا القرار، وحصلت على بعض المكاسب. وفي السياق، قال مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المعارضة غير معنية بالخفايا، وإنما بما صدر عن مجلس الأمن، ولا ننظر لما حصل نظرة سلبية. صحيح أنّ القرار يحمل تراجعاً عما قبله، ولكنه ليس بهذا السوء، ويمكن القول إنّ هناك غموضاً بناء". وأوضح عبد الغني أنّ "المساعدات التي ستذهب إلى النظام من المعابر الداخلية لا تتجاوز 10 في المائة من حجم المساعدات الكلي الذي سيستمر على ما هو عليه. وهذا نجاح للروس حين ننظر له بشكل مباشر، أما إذا نظرنا له من زاوية أخرى، فإنّ هذه المساعدات تذهب إلى جزء من الشعب السوري في محافظة إدلب، وتحت إشراف منظمة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، وليس إلى النظام الذي يتصرف بالمساعدات بالطريقة التي نعرفها جميعاً. وفي الوقت الذي يقدم القرار انتصاراً لروسيا، فهو يحمل إيجابيات لنا. ولكننا لن نقف هنا، ولدينا اجتماع هذا الأسبوع مع وزارة الخارجية الأميركية من أجل دراسة مسألة العودة إلى قرار مجلس الأمن الذي صدر في فبراير/شباط 2014، والذي أقر دخول مساعدات دولية إلى سورية، ولم يربطها بالأمم المتحدة، وهذه النقطة فرضتها روسيا لاحقاً في يوليو/تموز 2014".

لا تستبعد أوساط المعارضة أن يفتح التفاهم في شأن المساعدات الإنسانية الباب لتفاهمات أخرى

أما من الناحية السياسية، فإنّ أوساطاً في المعارضة تعتبر أن القرار لا يخرج عن الروحية العامة للموقف الأميركي المعروف تجاه المسألة السورية، وبالتالي ليست هناك انعطافة كبيرة، فالثوابت السابقة مستمرة على حالها، ومنها عدم الانخراط الأميركي في الشأن السوري، وفي الوقت ذاته عدم التسليم لموسكو بكل ما تريده في سورية. فهناك حسابات أميركية تتعلق بالعقوبات ضد النظام، والالتزامات في شرقي سورية مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، والتفاهمات مع تركيا. وترى أوساط المعارضة أن أي تفاهم أميركي روسي من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الوضع العام في سورية، وتقول إن أي حل للقضية السورية لن يخرج عن هذا الإطار، ولا تستبعد أن يفتح التفاهم في شأن المساعدات الإنسانية الباب لتفاهمات أخرى، طالما توافرت النوايا لدى الطرفين.
ومن جانب النظام، لم تكن المواقف على موجة واحدة. ففي حين اعتبر وزير خارجية النظام فيصل المقداد القرار "إنجازاً"، فإن مندوب النظام الدائم لدى الأمم المتحدة بسام صباغ، قابل الخطوة باستياء، وأعلن عن "رفض تمديد الآلية"، قائلاً بعد صدور القرار إن "سورية ترفض هذه الآلية المسيسة لما تمثله من انتهاك لسيادتها ووحدة أراضيها وللعيوب الجسيمة التي شابت عملها والفشل في ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، وليس إلى الإرهابيين". ويدل ذلك على أن النظام كان يرى أن الفرصة كانت متاحة لوقف العمل بالآلية الحالية، وهذا يعني خطوة كبيرة نحو إعادة تأهيل نفسه من خلال وضع اليد على المساعدات الدولية، ولذلك معنى سياسي قبل كل شيء كون 90 في المائة من المساعدات تقدمها الولايات المتحدة وأوروبا والباقي اليابان وكوريا الجنوبية. ولو حصل ذلك، لكان مثّل اعترافاً سياسياً بالنظام، وهذا ما ترى فيه المعارضة نصف انتصار لها، طالما أنّ موسكو فشلت في الحصول على موقف أميركي للتطبيع مع النظام.

المساهمون