كشفت مصادر مصرية خاصة لـ"العربي الجديد"، عن تشكيل خلية إدارة أزمة تضم مسؤولين دبلوماسيين وقانونيين وأمنيين، لبحث الخطوات التي قد تتخذها القاهرة، عقب ادعاء ممثل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، أول من أمس الجمعة، أن "إسرائيل لم تمنع دخول المساعدات إلى غزة"، وأن "مصر هي المسؤولة بالكامل عن معبر رفح". وقالت المصادر إن "مصر أرسلت مذكرة قانونية لمحكمة العدل الدولية، للرد على الادعاء الإسرائيلي، وإنها بصدد دراسة تحركات قانونية أخرى، وتحركات خاصة بمعبر رفح البري".
المساعدات إلى غزة وموقف مصر
نفى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية (تابعة لرئاسة الجمهورية) ضياء رشوان بصورة قاطعة "مزاعم وأكاذيب" فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية. وأضاف في بيان أن "تهافت وكذب الادعاءات الإسرائيلية يتضح من أن كل المسؤولين الإسرائيليين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) ووزير الدفاع (يوآف غالانت) ووزير الطاقة (السابق يسرائيل كاتس والحالي إيلي كوهين)، أكدوا عشرات المرات في تصريحات علنية، منذ بدء العدوان على غزة (7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي)، أنهم لن يسمحوا بدخول المساعدات إلى غزة، تحديداً الوقود، لأن هذا جزء من الحرب التي تشنها دولتهم على القطاع".
علاء الخيام: جاءت الفرصة لمصر لفتح المعبر بعد الادعاءات الإسرائيلية
وأوضح رشوان "أن سيادة مصر تمتد فقط إلى الجانب المصري من معبر رفح، بينما يخضع الجانب الآخر منه في غزة لسلطة الاحتلال الفعلية، وهو ما تجلى فعلياً في آلية دخول المساعدات من الجانب المصري إلى معبر كرم أبو سالم، الذي يربط القطاع بالأراضي الإسرائيلية، حيث يجرى تفتيشها من جانب الجيش الإسرائيلي قبل السماح لها بدخول أراضي القطاع".
وذكر البيان أن "مصر أعلنت عشرات المرات، في تصريحات رسمية، أن معبر رفح من الجانب المصري مفتوح بلا انقطاع، مطالبة الجانب الإسرائيلي بعدم منع تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع والتوقف عن تعمد تعطيل أو تأخير دخول المساعدات بحجة تفتيشها".
وطالب سياسيون بضرورة استغلال المزاعم الإسرائيلية، وفتح معبر رفح من الجانب المصري، لإدخال المساعدات الإنسانية وخروج الحالات الطبية الخطيرة من قطاع غزة، استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي، وقرار القمة العربية الإسلامية (11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي).
في الإطار، قال رئيس حزب الدستور السابق، علاء الخيام، لـ"العربي الجديد"، إن "على مصر اتخاذ القرار المناسب مع مكانتها ودورها التاريخي، في دعم ومساندة القضية الفلسطينية"، مضيفاً "ندرك جميعاً أن دولة الاحتلال، تكذب في كل ما تدعي، ولكن جاءت الفرصة لمصر لفتح المعبر وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية واستقبال المصابين، وفرض قرارها السيادي على الحدود وعدم وضع رد فعل دولة الاحتلال في الحسبان".
وتابع الخيام أن "الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، تصب مباشرة في صالح القضية الفلسطينية، وكم كنت أتمنى أن تكون مصر هي المحرك الرئيسي لمحاكمة إسرائيل، وفي حالة إمكانية تقديم شهادة أو إفادة بخصوص المعابر لمحكمة العدل الدولية فهذا أمر واجب، ولكن ما تزال هناك فرصة للجانب المصري للتحرك بجدية واستقلالية لدعم الشعب الفلسطيني العظيم ضد ما يتعرض له من جرائم، ولدينا القدرة إن وجدت الإرادة السياسية لحمايتهم ودعمهم".
بدوره، اعتبر الكاتب الفلسطيني، طلال عوكل، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "من الواضح أن إسرائيل فقدت توازنها، وباتت تبحث عن شماعات لتعلق فشلها وإجرامها عليها"، مضيفاً أنه "يجب الرد على هذه الافتراءات علنياً، بما في ذلك تقديم مذكرات إلى جانب الدعوى القضائية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية".
طلال عوكل: كان على مصر أن تفرض على إسرائيل إدخال المساعدات وفق شروطها
وأكد عوكل أنه "كان على مصر أن تفرض على إسرائيل إدخال المساعدات، وفق شروطها، وأن تكون مستعدة للتعامل مع أي سلوك إسرائيلي متحدٍ"، لافتاً إلى أنه "ثمة فرصة تاريخية، للضغط على إسرائيل وداعميها الذين يخشون كثيراً دور مصر".
وتعليقاً على ادعاء الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، رأى المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، عبد الله الأشعل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "نفي مصر كان قاطعاً، وتم إبلاغه لمحكمة العدل الدولية، وسيكون ذلك مهماً جداً في تحميل إسرائيل المسؤولية عن عدم وصول المساعدات إلى غزة".
وأضاف أن "مصر أوضحت عدة مرات أن للمعبر جانبين، واحد مصري، والآخر فلسطيني تسيطر عليه إسرائيل، ومصر تفتح الجانب الخاص بها، الذي ضربته إسرائيل تحدياً لها، وقالت إنه بالخطأ، ولم تُرد مصر وقتها تعقيد الموقف مع الولايات المتحدة وإسرائيل".
وأوضح الأشعل أنه "لذلك أبلغت مصر، محكمة العدل الدولية"، قائلاً إنه "حبذا لو درست مصر تدخلها مع جنوب أفريقيا في الدعوى، لأنه من المفترض أن تفعل دول عربية وإسلامية ذلك، لأنه في قضية أوكرانيا كان هناك 32 دولة متدخلة مع أوكرانيا، والحق الفلسطيني أولى وأوضح".
واتفق مع ذلك، أستاذ القانون الدولي المصري، محمد محمود مهران، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأمر "يستدعي رداً قانونياً عاجلاً من مصر". وشدد على "ضرورة تقديم مصر مذكرة عاجلة لمحكمة العدل الدولية، توضح فيها حقيقة الأوضاع وتدحض الافتراءات".
كما أكد أن السلطات المصرية "لم تغلق معبر رفح، بل لا يزال مفتوحاً حتى الآن من الجانب المصري، كما أن مصر طالبت مراراً وتكراراً، بفك الحصار لإدخال كل المساعدات العاجلة والضرورية لإغاثة أهلنا في غزة ورفع المعاناة عنهم، إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، حالت دون ذلك في كثير من الأحيان، وظل المعبر مغلقاً من الجانب الآخر بسبب رغبته في حصار وتجويع أهلنا بغزة".
موقف إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية
من جهته، أوضح المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، رخا أحمد حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "موقف إسرائيل ضعيف ويفتقر إلى المنطق والمصداقية في مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية، رداً على عريضة الاتهام بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وتقديم جنوب أفريقيا وقائع دامغة".
وأضاف: "اتسم الدفاع الإسرائيلي بالتشتت والتخبط والإطالة في سرد ما ليس له علاقة مباشرة بالاتهامات الموجهة إليها، ومثال ذلك اتهام حركة المقاومة الفلسطينية، التي تناضل من أجل الاستقلال عن الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي وهو حق مشروع، بأنها تمارس إبادة جماعية ضد إسرائيل، وتتهم مصر بأنها هي التي تعطل وصول المساعدات إلى غزة، في الوقت الذي تشيد فيه الولايات المتحدة في كل مناسبة، بدور مصر الأساسي وجهودها في توصيل المساعدات للفلسطينيين، ويشاركها في هذه الإشادة كل الدول الأوروبية والمنظمات الدولية والإقليمية".
ضياء رشوان: سيادة مصر تمتد فقط إلى الجانب المصري من معبر رفح
وتابع حسن: "إسرائيل أدمنت الكذب، ولا تعي أن لا أحد يصدقها، حتى شركاؤها في الحرب الوحشية على غزة، وقد رأى أغلب المسؤولين الأوروبيين والدوليين، عند معبر رفح والمعابر الأخرى، تكدس المساعدات الإنسانية المقدمة للفلسطينيين على الجانب المصري، بسبب تعطيل إسرائيل لدخولها بالمبالغة في إجراءات التفتيش شديدة البطء، وإرجاع العديد من الشاحنات أو بعض المواد التي تحملها بعض الشاحنات وعدم السماح بدخولها، بدعوى أنها مواد قابلة للاستخدام في أغراض قد يكون من بينها أغراض عسكرية".
بدوره، اعتبر رئيس حزب الإصلاح والتنمية المصري، محمد أنور السادات، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المرافعة ودفاع الجانب الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، وما طرح من أن التحكم والسيطرة على معبر رفح، يخضع للجانب المصري، كان مسار حديث كبير، وعلامات استفهام، لكنه بالطبع ادعاء غير حقيقي".
وأضاف أن "الجانب الفلسطيني، في السلطة وحماس، على علم كامل بهذا الموضوع، لأنهم يعيشون هذا الحدث، ويعرفون كيف تسير الأمور، وما يدخل أو يخرج من القطاع، وأن الجانب الإسرائيلي، طرف أساسي، ولا بد من موافقته بالذات في ما يخص المعبر من الجانب الإسرائيلي أو الجانب الفلسطيني". وتابع أن "الحكومة المصرية نفت هذا الادعاء، ويدعم ذلك شهادة الجميع سواء من السلطة الفلسطينية أو حماس أو من الجانب الأوروبي والمنظمات الأممية الموجودة في منطقة المعابر".
وأبدى السادات اعتقاده أن "الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الخارجية والأجهزة الأمنية، تدرس وتتشاور حول الخطوة التي ستتخذها، وما إذا كانت هناك فرصة كي تتقدم بمذكرة رد توضيحية لمحكمة العدل الدولية، قبل البت في التدابير، أو ربما فتح المعابر بحضور مراقبين، كي لا يتم منع أو وقف دخول أو خروج أي من المساعدات أو المواطنين من كلا الجانبين".