قبلت المحكمة العليا الروسية، اليوم الثلاثاء، دعوى النيابة العامة المطالبة بتصفية منظمة "ميموريال الدولية" الحقوقية، المصنفة في روسيا كـ"عميلة للخارج"، والتي تولت منذ عام 1987 إجراء البحوث حول قضايا القمع في عهد الاتحاد السوفييتي وتخليد ذكرى ضحاياه.
وزعم ممثل ادعاء الدولة، أليكسي جافياروف، أثناء ترافع الأطراف، أن المنظمة تحمل تهديداً مجتمعياً و"تتاجر بقضية القمع السياسي، وتحرف الذاكرة التاريخية"، بما في ذلك عن الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، و"ترسم صورة كاذبة للاتحاد السوفييتي كدولة إرهابية"، وتحاول تحت غطاء استعادة الذاكرة التاريخية "رد الاعتبار للمجرمين النازيين وخونة الوطن"، مدعياً أن هناك "من يدفع" مقابل ذلك.
إلا أن المديرة التنفيذية للمنظمة، يلينا جيمكوفا، اعترضت على ذلك بالقول إن "ميموريال الدولية هي 33 عاماً من عمل العديد من الأشخاص"، مشددة على أن الدولة الروسية ظلت، حتى الآونة الأخيرة على الأقل، تثمّن العمل على تخليد ذكرى ضحايا القمع السياسي، وكانت تضم قادة "ميموريال" إلى لجان الخبراء بالحكومة، وتدعم مبادرات المنظمة.
وشارك في المرافعات رئيس "ميموريال"، يان راتشينسكي، بينما دافع عن المنظمة المحامون ماريا إيسمونت وميخائيل بيريوكوف وهنري ريزنيك.
واستشهد ريزنيك أثناء الترافع بنص رؤية سياسة الدولة لتخليد ذكرى ضحايا القمع السياسي، والتي تؤكد أن "روسيا لا يمكنها أن تصبح دولة القانون على نحو كامل وتشغل مكانة رائدة في المجتمع الدولي من دون تخليد ذكرى ملايين من مواطنيها سقطوا ضحايا للقمع السياسي".
وإجرائياً، استندت النيابة في طلبها الذي تقدمت به في النصف الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لتصفية "ميموريال الدولية"، إلى مخالفاتها المتكررة لقانون المنظمات غير الربحية "العميلة للخارج"، بما في ذلك من جهة الالتزام بوضع وصمة بهذا الخصوص على موادها.
وفي حديث لـ"العربي الجديد" آنذاك، اعتبرت المتحدثة باسم "ميموريال"، ناتاليا بيتروفا، أن التضييق على المنظمة ينقل المواجهة بين الدولة الروسية والمجتمع المدني إلى مستوى جديد، يصل إلى حد المساس بالذاكرة التاريخية، محذرة من أن تزيد الخطوة من حدة التوتر بين المجتمع والسلطة.
من جانب آخر، تشير رواية النيابة العامة إلى أن المنظمة كانت تمارس نشاطاً سياسياً بتمويل أجنبي، وتمت مساءلتها إدارياً عشرات المرات، وفرضت عليها غرامات بقيمة إجمالية 2.9 مليون روبل (حوالي 40 ألف دولار)، وهو ما اعتبرته النيابة "تنصلاً صارخاً" من القانون. كما حظيت مطالب النيابة العامة بدعم وزارة العدل الروسية وهيئة الرقابة "روس كوم نادزور".
باريس: حل ميموريال "خسارة رهيبة"
من جهته، أعرب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الثلاثاء، عن "استيائه" و"قلقه" بعد قرار القضاء الروسي بحل منظمة ميموريال غير الحكومية.
وقال لودريان، في بيان، إن "حل ميموريال الدولية يشكل خسارة رهيبة للشعب الروسي الذي من حقه الإفادة من معرفة صحيحة لماضيه ومن مجتمع يقوم على القيم الأساسية التي يحمل مجلس أوروبا لواءها".
وأضاف: "يعد عملها العلمي المتميز لصالح معرفة أفضل بالجرائم الجماعية في القرن العشرين، من خلال جمع الأرشيفات والشهادات ودراسات المؤرخين، مساهمة أساسية في التاريخ المعاصر وإعادة تأهيل ضحايا القمع والذاكرة الجماعية بشكل أكثر شمولاً".
وتابع لودريان: "في هذا العام الذي يصادف الذكرى المئوية لميلاد أندريه ساخاروف، مؤسس هذه المنظمة والحائز جائزة نوبل للسلام، فإن هذا الإعلان مقلق للغاية بالنسبة لمستقبل البحث التاريخي والدفاع عن حقوق الإنسان في روسيا".