يتفق البرلمانيون في تونس، من داخل الكتل ومن غير المنتمين إليها، على ضرورة استعجال تركيز المحكمة الدستورية، مؤكدين أن قانونها المنظم يحظى بالأولوية، ومنتظرين أن يبادر الرئيس قيس سعيّد بإحالة مشروع في أقرب وقت ممكن.
وينص الفصل الـ 125 من الدستور الجديد على أنّ "المحكمة الدستورية تتركب من تسعة أعضاء، ثلثهم الأول من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية بالمحكمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات".
وبحسب الدستور، فإن "أعضاء المحكمة الدستورية يُنتخب من بينهم رئيس، طبقاً لما يضبطه القانون. وإذا بلغ أحد الأعضاء سن الإحالة على التقاعد، يتم تعويضه آلياً بمن يليه في الأقدمية، على ألا تقلّ مدّة العضوية في كل الحالات عن سنة واحدة".
ويرى خبراء القانون في تونس أن تركيز المحكمة الدستورية يحتم وضع قانون جديد ينظم عملها وتشكيلها أولاً بعد التغييرات التي طرأت على تركيبة المحكمة وصلاحياتها في الدستور الجديد.
واعتبر النائب المستقل (38 نائباً غير منتمين) أستاذ القانون رياض جعيدان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ من "الأولويات التركيز على المحكمة الدستورية باعتبار النقص في المنظومة الدستورية"، مبيناً "أنه كان يفترض أن يعرض النظام الداخلي الجديد للبرلمان على المحكمة الدستورية وفي غياب المحكمة الدستورية تبقى المنظومة الدستورية معطلة".
وأكد جعيدان أن "الأمر يستوجب من جميع الأطراف، سياسيين وبرلمانيين، وكل الأطراف المتدخلة، أن تكون الأولوية للمحكمة الدستورية، وأن يتحمل كل طرف مسؤوليته".
وقال جعيدان إنه "بالتنسيق مع رئيس البرلمان، إبراهيم بودربالة، طلبنا منه أن يتحاور مع رئيس الجمهورية باسم مجلس نواب الشعب، ويتحاور مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن، حتى تكون المحكمة الدستورية أولوية الأولويات".
وأشار النائب المستقل إلى أنّ "لرئيس الجمهورية والحكومة إمكانية اقتراح مشروع قانون المحكمة الدستورية، وأما إن كانت الوظيفة التنفيذية غير راغبة في تقديم مقترح، يمكن لمجلس النواب ذلك من خلال مبادرة من 10 نواب".
واستدرك قائلاً: "باعتبار أن المرسوم المحدث قدمته رئاسة الجمهورية، وحتى يكون هناك تناغم مع المرسوم الرئاسي، ننتظر من رئيس الجمهورية أن يقدم مقترح قانون ينظم المحكمة الدستورية حتى تكون المبادرة متناغمة".
ولفت إلى أن "مجلس النواب سيقدم رأيه في مقترح رئيس الجمهورية بخصوص المحكمة الدستورية وإمكانية إدخال تعديلات عليه".
وحول الأولويات التشريعية، قال: "لا يمكن إلا أن تكون ذات بعد اقتصادي واجتماعي لأن المشكل الكبير في بلادنا اقتصادي، وبالتالي لا بد من قانون إنقاذ اقتصادي لتحفيز المبادرة وتحريرها ولدفع الاستثمار، تنهي البيروقراطية المقيتة التي تعطل الشباب والاستثمار".
وأضاف أنه "لا بد من مراجعة منظومة الصرف وإعادة النظر في المنظومة الجبائية وإصلاحها".
البرلمان يحتاج للمحكمة الدستورية
بدوره، أكد نائب رئيس كتلة الخط الوطني السيادي (15 نائباً)، ورئيس المكتب السياسي لحركة الشعب، عبد الرزاق عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "تركيز المحكمة الدستورية هو أولوية لتونس وليس للبرلمان فقط".
وأوضح أن "مجلس نواب وظيفته تشريعية ويحتاج لمحكمة دستورية للتأكد من دستورية القوانين، فسابقاً كانت هناك هيئة وقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وتم حلها (قرار من الرئيس قيس سعيّد) واليوم إذا حدث نزاع حول تشريع بعينه ولتأكيد دستوريته يحتاج الأمر محكمة دستورية".
وبين أن "تركيز المحكمة الدستورية اليوم لا يتوقف على انتخابات باعتبار أنها تتركب من 9 قضاة معينين بصفاتهم ولا ينقص سوى القانون الأساسي المنظم للمحكمة الدستورية، وبالتالي يفترض أن يأتينا مشروع من رئاسة الجمهورية للتصديق عليه من قبل مجلس نواب الشعب".
وتابع: "نحن مجبورون على أن يكون التصديق على قانون المحكمة الدستورية أولوية، يليه قانون تنظيم المجلس الوطني الجهات والأقاليم (غرفة تشريعية الثانية) الذي ننتظر انتخابه وكذلك القانون المنظم للعلاقة بين مجلس النواب ومجلس الجهات والأقاليم"، مؤكداً أن "هذه القوانين الثلاثة ننتظرها من رئاسة الجمهورية لتفعيل الوظيفة التشريعية ولاستكمال بناء المؤسسات الدستورية".
أولويات المجلس التشريعية
كذلك، أكد عضو الكتلة الوطنية المستقلة (21 نائباً) طارق الربعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "من أهم أولويات المجلس التشريعية، تركيز المحكمة الدستورية"، مشيراً إلى أن "رئاسة الجمهورية والحكومة لديهم أولوية النظر، وسواء كان هناك مشروع من الجهة التنفيذية أو مقترح من مجلس نواب الشعب سيكون له أولوية النظر".
وأضاف أن "من بين أولويات الوظيفة التشريعية، القوانين ذات الصيغة الاقتصادية، وبالخصوص مراجعة مجلة الاستثمار وقانون الشيكات، الذي يحتاج مراجعة جذرية وتسهيل الاستثمار والمبادرة الحرة وتعزيز الانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار".
مسألة أكيدة
من جهته، أوضح نائب رئيس كتلة "الأحرار" (19 نائباً) يوسف التومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "بخصوص الأولويات التشريعية بحسب ما جاء في الدستور، فلرئيس الجمهور أولوية المبادرة التشريعية"، مشيراً إلى أن "تركيز المحكمة الدستورية مسألة أكيدة ومن الأولويات".
وقال التومي: "سيُنظَر إثر ذلك في القوانين المقترحة من النواب وفق ما يقتضيه الدستور والنظام الداخلي، والأولوية للقوانين ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي التي ينتظرها الشعب والتي ستحرر الاستثمار وتدفع التنمية".
وحصر الدستور الجديد صلاحيات المحكمة الدستورية في الرقابة على دستورية القوانين، على عكس المحاكم الدستورية في القوانين المقارنة، التي تمثل مراقبة دستورية القوانين فيها جزءاً من العدالة الدستورية، عبر مراقبة بقية السلطات، وفرض احترامها للدستور.
ومنح الرئيس سعيّد في الدستور الجديد اختصاصاً لم يخوله دستور 2014 للمحكمة الدستورية، حيث سحب من رئيس البرلمان في حالات الشغور النهائي في رئاسة الجمهورية، نيابة الرئيس وقتياً حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ومنحها لرئيس المحكمة الدستورية.
وتتواصل معضلة تركيز المحكمة الدستورية منذ قيام الثورة في 2011 وسقوط نظام زين العابدين بن علي، حيث فشلت الحكومات والبرلمانات المتعاقبة في تركيزها، ويعد غيابها سبباً في سقوط المنظومة الدستورية في 25 يوليو/ تموز 2021 بغياب جهة دستورية تفصل في تأويل أحكام الدستور وتحمي علوية الدستور وتضمن احترام السلطات.