أرجأ المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار جلستي الاستماع إلى الوزيرين السابقين نهاد المشنوق وغازي زعيتر، المحددتين اليوم الاثنين، من دون تعيين موعدٍ جديد.
ونقلت أوساط قضائية مقرّبة من القاضي البيطار أن الأخير فضّل اليوم التريث وإرجاء جلسات استجواب جميع المدعى عليهم في ظل الخلاف القائم بين النيابة العامة التمييزية والمحقق العدلي.
وقالت الأوساط القضائية لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم كشف هويتها، إن "المحقق العدلي ماضٍ في مهامه ولن يتراجع عنها، لكنه يعمل وفق القانون والأصول القضائية، وهناك ادعاء عليه يجب أن يسلك مساره ويُبتّ به".
وكانت الأنظار متجهة اليوم إلى قصر العدل في بيروت في ظل أنباء تحدثت عن اتجاه لإصدار مذكرتي توقيف غيابيتين بحق المشنوق وزعيتر، في حال عقدت الجلستان ولم يمثل المدعى عليهما في القضية، وهما كانا قد عبّرا بأكثر من تصريح عن عدم اعترافهما بقرارات المحقق العدلي ورفضهما المثول أمامه.
ولوّحت مصادر مقرّبة من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بأن الأخير يعتزم في حال أصدر القاضي البيطار مذكرتي توقيف غيابيتين بحق المدعى عليهما، فإنه سيسطّر مذكرة إحضار بحق المحقق العدلي، الأمر الذي كان من شأنه أن يحدث معركة قضائية قد تكون لها تبعات أمنية في حال وقوف الأجهزة الأمنية المخولة بتنفيذ المذكرة وتلك المكلفة بحماية البيطار بعضها بوجه بعض.
كما كررت المصادر تأكيدها أن أي قرار صادر عن القاضي البيطار لن يُنفذ ولن يعطى الأمر للأجهزة الأمنية من قبل النائب العام التمييزي بتنفيذه.
وفي 23 يناير/ كانون الثاني الماضي، قرّر القاضي البيطار استكمال مهامه التي كانت متوقفة بفعل كف يده مؤقتاً منذ 23 ديسمبر/ كانون الأول 2021، نتيجة دعاوى الرد المرفوعة ضده من قبل المدعى عليهم، بالدرجة الأولى، و"عراقيل قضائية" أخرى، مستنداً إلى دراسة قانونية أعدها تتيح له استئناف عمله وملاحقة المدعى عليهم من دون الحاجة للحصول على إذن.
وادعى القاضي البيطار على شخصيات سياسية وأمنية وعسكرية وقضائية في ملف انفجار مرفأ بيروت، أبرزها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، ورئيس الحكومة الأسبق حسان دياب، ووزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، وآخرون، وحدد مواعيد جلسات الاستماع إليهم، بينما قرّر الموافقة على إخلاء سبيل 5 موقوفين في الملف.
ودفع تحرّك المحقق العدلي بالنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات إلى اتخاذ جملة قرارات بوجه البيطار، علماً أنه مدعى عليه بالقضية وسبق له أن تنحّى عن الملف بسبب صلة القرابة التي تربطه بالمدعى عليه الوزير السابق النائب غازي زعيتر (ينتمي إلى حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري).
ومن جملة القرارات التي أصدرها القاضي عويدات، والتي وضعتها نقابة المحامين في بيروت بخانة تجاوز الصلاحيات وخرق القانون، إحالة المحقق العدلي إلى هيئة التفتيش القضائية، بعد الادعاء عليه بتهمة "اغتصاب السلطة، وإساءة استعمال السلطة والنفوذ"، ومنعه من السفر، واعتبار جميع قرارات القاضي البيطار كأنها لم تكن، والأمر بعدم تنفيذها. كما اتخذ قراراً بإخلاء سبيل جميع الموقوفين، مع منع سفرهم، علماً أن ذلك لم ينطبق على المخلى سبيله محمد زياد العوف، رئيس مصلحة الأمن والسلامة في مرفأ بيروت، وحامل الجنسية الأميركية، الذي غادر سريعاً إلى الولايات المتحدة.
أهالي ضحايا الانفجار: قرارات عويدات خارجية كيدية
عبّر أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، في وقفتهم الشهرية أول من أمس السبت، عن امتعاضهم من مواصلة الطبقة السياسية حراكها لطمس الحقيقة وعرقلة التحقيقات، معتبرين قرار القاضي عويدات إحالة المحقق العدلي على التفتيش القضائي بينما هو سيد ملف المرفأ، كيدياً وسياسياً.
كما استنكر الأهالي إخلاء سبيل جميع الموقوفين في القضية، معتبرين قرارات القاضي عويدات "غير شرعية، وغير قانونية، وهي سياسية خارجية وكيدية"، وهو متنحٍ عن قضية المرفأ لمصاهرته المطلوب للتحقيق غازي زعيتر، مشددين على أن السماح للموقوف محمد العوف بالهروب من وجه العدالة إلى أميركا هو "دليل قاطع" على وجود قرار خارجي.
كما تقدّم محامو أهالي الضحايا بدعوى مخاصمة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز ضد الدولة عن أعمال القضاة بالخطأ الجسيم بإطلاق سراح الموقوفين في ملف المرفأ من قبل القاضي غسان عويدات.
وطالب الأهالي الدولة بإعادة الموقوفين الذين لم تنته جهة التوقيف من قبل القاضي بيطار، وتنفيذ كل مذكرات التوقيف السابقة وأي تبليغات أو مذكرات حالية وفوراً.
إبطاء سير الملف
تعليقاً على ذلك، قال المحامي في مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت عن انفجار مرفأ بيروت يوسف لحود، لـ"العربي الجديد"، إن "القاضي البيطار أرجأ جلسات الاستجواب من دون تحديد مواعيد جديدة، وتريث بمتابعة تعيين الجلسات إلى حين البحث ببعض الأمور القضائية التي تعرقلت وتتطلب تعاوناً بينه وبين النيابة العامة التمييزية".
ولفت لحود إلى أنه "ربما كانت لدى القاضي البيطار معطيات تتعلق بسلامة التحقيق بالملف دفعته لاتخاذ قرار التريث"، مشيراً إلى أن "هذه التطورات التي حصلت في الأسبوعين الماضيين وتأجيل الجلسات من دون تحديد مواعيد من شأنها أن تبطئ حتماً سير الملف لكنها لن توقفه"، ومضى قائلاً: "نحن كوكلاء عن أهالي الضحايا ونقابة المحامين في بيروت لن نسمح لجريمة وطنية بهذه الضخامة أن تذهب ضحية المناكفات والكيديات والانتقامات".
تفادي إمكانية الطعن
من جانبه، قال المحامي علي عباس، لـ"العربي الجديد"، إن "القاضي البيطار تعرّض للحصار من جانب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، خصوصاً أن الأخير أصدر أمراً لكافة الأجهزة الأمنية والكتّاب بعدم تنفيذ أي قرار صادر عن المحقق العدلي ومن ضمنها التبليغات، من هنا ارتأى التأجيل لحين إيجاد آلية للحفاظ على سلامة إجراءاته القانونية وعدم تعريضها لأي طريق من طرق الطعن".
ويرى عباس أن "القاضي البيطار ربما يكون قد فضّل اليوم ألا يزيد التصادم، ويفكر بآلية معينة ليسير بالملف من دون أن يصيبه أي خلل يعرّض خطوته لإمكانية الطعن أمام المجلس العدلي، باعتبار أنه لا يمكن اتخاذ إجراء بحق المدعى عليهم، كإصدار مذكرات توقيف بحقهم من دون محاولة إبلاغهم أصولاً والمرور بكافة مراحل التبليغ".
وتابع عباس قائلا: "لا شك أن هناك ضغوطات كبيرة يتعرّض لها القاضي البيطار، خصوصاً أن المنظومة السياسية قادرة على السيطرة على قصر العدل، من هنا أهمية أن يحظى المحقق العدلي بدعم شعبي لتغيير المعادلة".
واعتبر المتحدث ذاته أن "المعلومات التي انتشرت منذ الصباح حول ردة فعل قد يقوم بها النائب العام التمييزي تجاه البيطار، هي نوع من التهديدات التي يجري تسريبها عن قصد للتأثير على المحقق العدلي، لكن أرى أن ما تجرّأ عليه البيطار حتى الساعة يظهر أنه غير عرضة للتأثر، لكنه يفضل أن يكون ملفه مكتملاً قانونياً، علماً أن النائب العام التمييزي لا يحق له أساساً أن يصدر قراراً كهذا أو مذكرة بحق البيطار".
تجدر الإشارة إلى أن المدعى عليهما الوزيرين السابقين النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل (ينتميان إلى حركة أمل)، تحركا، الاثنين الماضي، بوجه البيطار، وذلك عبر ثلاث شكاوى، الأولى أمام النيابة العامة التمييزية برئاسة القاضي غسان عويدات، بجرمي "اغتصاب السلطة وإساءة استعمال السلطة"، والثانية أمام التفتيش المركزي بتهمة "ارتكاب أخطاء مسلكية"، والثالثة أمام محكمة التمييز الجزائية، لنقل الملف من يده لـ"الارتياب المشروع" بعد عودته إلى التحقيق رغم قرار كف يده.