المحاكم والحُكم في مسيرة ترامب

05 ابريل 2023
الرئيس السابق دونالد ترامب في محكمة مانهاتن الجنائية 4 إبريل 2023 (Getty)
+ الخط -

بكثير من المرارة قال الرئيس السابق دونالد ترامب إن ما جرى له، الثلاثاء، في افتتاح محاكمته أمام محكمة الجنايات في نيويورك، يفوق التصور. صدمته الكبيرة أنه ما كان ليتخيّل أن يرى نفسه يوماً كرئيس سابق في هذا المكان بعد توقيفه وهو يستمع إلى لائحة الادعاء ضده بـ34 تهمة، مع المطالبة بإدانته فيها وإنزال عقوبة السجن به. علماً أن القانون لا يمنح صاحب هذا المنصب أي امتياز بعد نهاية رئاسته. لكن من منظاره، المسألة مختلفة. فهو قضى العمر قبل الرئاسة ثم بعدها وسيبقى كما يقول عارفوه، في التعامل على أساس أن "الملك -أي ترامب بامتيازاته- هو القانون وليس القانون هو الملك".

فجأة يكتشف ترامب أن القاعدة مقلوبة، بما يضعه - والأهم أنه قد يضع أميركا معه - في مسار جديد مفتوح على تطورات "ومخاطر لن تقوى المحاكم على إزاحتها" من الطريق قبل وقت غير قصير، كما يقول المؤرخ الرئاسي جون ميتشم، الذي يرى أن التحدي أكبر وأبعد من مجرد سقطة قانونية هنا أو هناك يمكن أن تؤدي معالجتها إلى وضع الأمور في نصابها.

فالمعضلة تتجاوز شخص ترامب الذي ليس سوى أبرز تجلياتها والأقدر على دفعها إلى ذروتها إن لم تتوفر شروط التصحيح في الخطاب ثم في المقاربة السياسية. وهذه مهمة متعذرة في الوقت الراهن الذي يمسك فيه الرئيس ترامب بالقاعدة الشعبية للحزب الجمهوري، فيما تصارع قياداته التقليدية لرد هجمات ترامب عليها. 

رافق مسيرة ترامب نوعان من الإدمان: النزاعات القضائية في إطار السعي إلى الثروة ثم لاحقا النزاعات السياسية المدفوعة بـ"جوع مصيري" للسلطة. وإذا كان سعيه في الاثنين لا غبار على شرعيته، إلا أن الهوس في تحقيقه تسبب له بإشكالات وتجاوزات تنذر بنهايات غير محمودة، وفق توقعات العديد من المتابعين والمحللين من أهل القانون والسياسة، ومنهم جمهوريون من الصف التقليدي.

في عملية مسح أجرتها مؤسسة "يو أس أيه" الصحافية في 2016، جاء أن ترامب كرجل أعمال "متورط هو أو شركاته في 3500 قضية نظرت فيها محاكم فيدرالية ومحلية في عدة ولايات، منها 1900 كانوا فيها الطرف المدّعي و1450 الطرف المدعى عليه". ورفضت المحاكم 500 منها، و175 جرت تسويتها بالإضافة إلى 137 انتهت بأكثر من صيغة، من بينها 3 إفلاسات.

تكشف هذه الأرقام أن المقاضاة والمحاكم شغلت حيزاً واسعاً في مشاغله وبالتالي خبرته أوسع في هذا المجال. لكن متاعبه القانونية الحالية من صنف آخر وذات أبعاد ومسؤوليات أكبر وأخطر بحكم ارتباطها برئاسته والأهم بالمنصب الرئاسي.

محاكمة اليوم ضده في 34 تهمة متعلقة بقضية الرشوة أو متناسلة عنها قد تكون مؤذية، فقد تكشف في سياقها، حسب الادعاء العام، أن هناك رشاوى أخرى حصلت في السياق ذاته بالإضافة إلى تزييف وثائق وقيود مالية. 

الرشوة لتجنب الإحراج جراء علاقة غير أخلاقية، لا تشكل بحد ذاتها ممسكاً قانونياً إلا إذا جرى إخفاؤها عن عمد وتصميم لتلافي آثارها السلبية على الانتخابات وبما يتعارض مع قوانين الانتخابات في ولاية نيويورك. مع ذلك وفي ضوء سوابق مشابهة وإن كانت غير رئاسية، يبدو من القراءات المختلفة أنه من المرجح أن تنتهي المحاكمة إلى تصنيف فعلته في خانة الجنحة وليس الجريمة مع تدفيعه غرامة مالية. لكن بالرغم من ذلك فالضرر قد وقع بدخوله كأول رئيس إلى قفص الاتهام مع تحذيرات من القاضي بأن يخفف من حدة خطابه في الموضوع وأن يحضر شخصياً في الجلسة القادمة يوم 4 ديسمبر/ كانون الأول القادم.

ترامب طلب إعفاءه من الحضور لكن القاضي رفض طلبه، كما حذره من مغبة إرباك جلسات المحكمة تحت طائلة متابعة المحاكمة من دونه. من هنا كانت صدمته، مع أن هذه القضية تبقى الأقل خطراً عليه مقارنة بالتحقيقات الأربعة الجارية ضده والتي تهدد بنهايات ليست عقوبة السجن بعيدة عنها في حين يراهن ترامب على عودته إلى البيت الأبيض للتخلص منها.

ففور عودته من نيويورك إلى مقر إقامته في مارآلاغو بولاية فلوريدا، ألقى كلمة أمام مناصريه كانت انتخابية بامتياز، حمل فيها على الخصوم وإدارة بايدن ووضع ما تعرض له في خانة المظلومية التي استهدفته "لكي يفوزوا في الانتخابات"، على حد تعبيره. 

حتى الآن مضى يوم ترامب التاريخي بهدوء. لحق به ضرر غير أن وضعه تعزز في ساحة الجمهوريين. لكن هدوء اليوم غير مضمون استمراره، خاصة مع استئناف جلسات المحكمة فضلا عن اقتراب صدور القرارات في التحقيقات الأخرى. آنذاك تكون الحملة الانتخابية قد دخلت مرحلتها الساخنة. فهل يتجاوب ترامب مع متطلبات الادعاء والمحاكمات أم يضعها في إطار محاولة التخريب على حملته الانتخابية بحيث يدخل السياسي في القانوني؟

المؤكد أن ما جرى هو بدايةٌ دشنها يومُ ثلاثاءٍ أميركي كئيب ومخجل ولو أن له جانباً آخر من الاعتزاز بسواسية الناس أمام القانون. هذا إذا تركت القضية للقضاء بحيث لا تقضي عليها السياسة. مثل هذا الاحتمال غير مضمون في هذا الزمن الأميركي، كما يرى ميتشم. 

المساهمون