المال الروسي في بريطانيا يزيد من وتيرة الاتهامات للطبقة السياسية

23 مارس 2022
لافتة تنتقد الأموال الروسية المدفوعة لـ"بريكست" خلال مظاهرة تضامنية مع أوكرانيا (Getty)
+ الخط -

يتكرر منذ أعوام عدة الجدل بشأن حضور المال الروسي في الساحة السياسية البريطانية، من التبرعات الضخمة، إلى مباريات في كرة المضرب مع وزراء بارزين، وصولا إلى الترشيحات لألقاب شرفية، لكن غزو أوكرانيا عزز المطالب بتنقية موارد الأحزاب.

ويقول بيل براودر، الناشط المناهض للفساد الذي كان سابقا مستثمرا بارزا في روسيا، إن مسألة التمويل هذه لا تقتصر على طرف دون غيره في بريطانيا.

ويوضح أنه "على مدى الأعوام العشرين الماضية، نَمَت (هذه المسألة) على طرفي الطيف السياسي" في المملكة المتحدة.

الصلات مع المنظمات تضع المتموّلين "في موقع يتيح لهم مساعدة روسيا في التأثير" على ما يجري داخل المملكة المتحدة

وفي تموز/يوليو 2020، كشفت لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني عن حجم تغلغل المال الروسي في أروقة السياسة المحلية.

وأورد تقرير للجنة أن "العديد من أفراد النخبة الروسية الذين تجمعهم صلة وثيقة بـ(الرئيس فلاديمير) بوتين، تم كشف انخراطهم مع منظمات خيرية و/أو سياسية في المملكة المتحدة".

وحذّر تقرير اللجنة من أن الصلات مع المنظمات تضع المتموّلين "في موقع يتيح لهم مساعدة روسيا في التأثير" على ما يجري داخل المملكة المتحدة.

وانتقدت اللجنة فشل الحكومة البريطانية في التحقيق بشأن تدخل سياسي محتمل لهؤلاء، خصوصا خلال الاستفتاء المثير للجدل عام 2016 الذي أفضى إلى خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي، أو ما يعرف بـ"بريكست".

جمع التبرعات

وجد حزب المحافظين وزعيمه رئيس الوزراء بوريس جونسون الذي رفض الدعوات لفتح تحقيق في طريقة نجاحه بـ"بريكست"، نفسيهما تحت المجهر.

فقد وجّه حزب العمال، أبرز أطراف المعارضة، الاتهام إلى المحافظين بالحصول على ما يناهز ملياري جنيه إسترليني (2.6 مليار دولار أميركي)، من متبرّعين روس أثرياء منذ وصول جونسون إلى السلطة في العام 2019.

وتشمل قائمة المتبرعين ألكسندر تيميركو، وهو مسؤول سابق في وزارة الدفاع الروسية ومدير في شركة "يوكوس" الروسية العملاقة للطاقة، ولوبوف تشرنوخين التي سبق لزوجها فلاديمير أن كان من ضمن حكومة بوتين.

وتصنّف الصحافة البريطانية لوبوف تشرنوخين على أنها أكبر المتبرعين في تاريخ حزب المحافظين، ومنحته أكثر من مليوني جنيه منذ العام 2012.

ومن أبرز هذه التقديمات دفعت تشرنوخين عشرات الآلاف من الجنيهات خلال حفل جمع تبرعات للحزب، لخوض مباراة في كرة المضرب مع رئيس الوزراء في حينه ديفيد كاميرون أو جونسون نفسه.

كما شاركت في أمسية مع تيريزا ماي، التي خلفت كاميرون في رئاسة الوزراء، ووزيرة الخارجية الحالية ليز تراس.

وطالب حزب العمال باستقالة بن إليوت، الذي يتشارك رئاسة حزب المحافظين ويتولى مسؤولية جمع التبرعات لصالحه، على خلفية صلاته بأثرياء روس من خلال شركة خاصة تعود ملكيتها إليه.

كما يواجه جونسون انتقادات على خلفية تعيينه في مجلس اللوردات صديقه يفغيني ليبيديف، الذي كان والده ألكسندر عنصرا في جهاز الاستخبارات السوفييتي السابق "كي جي بي".

وبحسب صحيفة "صنداي تايمز"، حضر جونسون أثناء فترة توليه منصب وزير الخارجية، حفلات عدة في فيلا يملكها يفغيني ليبيديف في توسكانا الإيطالية.

ونفى ليبيديف الابن، الذي يحمل الجنسيتين الروسية والبريطانية ويملك صحيفتي "لندن إيفنينغ ستاندرد" و"ذا إندبندنت"، أن يكون أداة في يد موسكو، علما أنه دان غزو أوكرانيا، مثله مثل ألكسندر تيميركو.

"تهديد للأمن القومي"

ويشدد حزب المحافظين على أن كل التبرعات المالية التي يحصل عليها موثّقة، قانونية، ومصدرها حصرا أشخاص يحملون الجنسية البريطانية.

وردّا على الاتهامات التي طاولتهم، انتقد المحافظون خصمهم العمالي واتهموه بـ"الهرطقة" على خلفية أنه تلقى تبرعات بقيمة مليون جنيه إسترليني من أشخاص ذوي أصول روسية.

واضطر بيتر غولدسميث، المدعي العام في عهد رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير، إلى أخذ إجازة طويلة من عضوية مجلس اللوردات بعد تقارير عن موافقة مكتبه للمحاماة على توكيلات من زبائن أجانب بينهم الحكومة الروسية.

كما استقال اللورد المحافظ غريغ بايكر من منصبه كرئيس لشركة "إي أن+" العملاقة للتعدين، وأكبر مساهميها أوليغ دريباسكا، الذي بات من ضمن المتموّلين الروس المشمولين بالعقوبات الغربية على خلفية غزو أوكرانيا.

وأوردت لجنة الاستخبارات والأمن أن "عددا من أعضاء مجلس اللوردات لديهم ارتباطات بروسيا أو يعملون مباشرة مع شركات روسية عملاقة مرتبطة بالدولة الروسية"، مشيرة إلى أن "هذه الروابط يجب أن تخضع للتدقيق بعناية نظرا لاحتمال أن تستغلها الدولة الروسية".

وقال دانيال واينر، مدير برنامج الانتخابات والحكومة في مركز برينان للعدالة، إن "كون المتبرع روسيا لا يعني أنه يدعم فلاديمير بوتين".

إلا أنه استدرك قائلا "لكن في بلد مثل روسيا حيث حتى القطاع الخاص يتداخل مع الحكومة، لا يمكن لشخص أن يصبح من الأوليغارشيين من دون دعم الكرملين".

من جهته، لم يترك براودر مكانا للشك: بالنسبة إليه، روسيا تشكّل "تهديدا للأمن القومي" البريطاني.

وأوضح أنه "يجب التدقيق في التبرعات السابقة مع قدر كبير من الشكّ، ولا يجب قبول أي تبرعات مستقبلية من الروس أو أي شخص على ارتباط بالديكتاتورية".

واعتبر أن الغزو الروسي لأوكرانيا دفع الحكومة البريطانية لمحاولة تعقّب "المال القذر" في السياسة والأعمال.

وأضاف "أرغم فلاديمير بوتين الجميع على الإدراك أن هذه مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى البلاد".

(فرانس برس)

المساهمون