اللجوء إلى بريطانيا... اقتراب نهاية الحلم

30 ابريل 2024
لاجئون يعبرون القنال الإنكليزي، مارس الماضي (تولغا أكمين/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بريطانيا تقرر نقل محطة فحص طلبات اللجوء إلى رواندا، في خطوة تثير جدلاً واسعاً وتتجاوز العقبات القانونية والانتقادات الحقوقية، بإعلان من رئيس الوزراء ريشي سوناك للحد من تدفق اللاجئين.
- القانون الجديد يعتبر رواندا بلداً آمناً للاجئين ويمكن للوزراء البريطانيين التغاضي عن بعض أجزاء القانون الدولي، مع تعهدات بتنفيذ رحلات ترحيل دورية رغم التكلفة العالية.
- منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة تشكك في الخطة البريطانية، معتبرة إياها تهرباً من المسؤوليات الدولية وتقويضاً لسيادة القانون، وتحذر من أنها قد تشكل سابقة خطيرة في التعامل مع قضايا اللجوء.

نهاية حلم اللجوء إلى بريطانيا باتت قريبة جداً، وبدلاً من أن تكون المحطة الأخيرة للرحلة في هذا البلد، فإنه تم نقلها إلى رواندا، الدولة الأفريقية التي أحيت أخيراً الذكرى الـ30 للمذبحة المليونية بين قبيلتي التوتسي والهوتو. وحسمت الحكومة البريطانية أكثر من عامين من الجدل حول تحويل اللاجئين الوافدين إلى الأراضي البريطانية نحو رواندا، من أجل فحص طلبات لجوئهم، وفي حال قبولها، يتم منحهم الإقامة هناك، وإخضاعهم لعمليات الإدماج في المجتمع الرواندي.

وأعلن القرار النهائي رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أمام البرلمان في 23 إبريل/نيسان الحالي، ما يعني أن الحكومة نجحت بتزكية مجلسي النواب واللوردات، وتجاوزت كل المآخذ القانونية التي قدمتها المحاكم، وأدارت ظهرها للانتقادات التي ساقتها منظمات حقوق الإنسان، وهي مستعدة لمواجهة كل ما يترتب على القرار الجديد من ردود فعل قانونية، سواء من داخل بريطانيا، أو من قبل المحاكم الأوروبية والدولية لحقوق الإنسان.

اللجوء إلى بريطانيا يمر برواندا

ويجبر القانون الجديد بشأن اللجوء إلى بريطانيا الذي يرتكز على الاتفاق المبرم مع الحكومة الرواندية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، القضاة على اعتبار رواندا الواقعة شرق أفريقيا بلداً ثالثاً آمناً، ويمنح الوزراء صلاحية التغاضي عن أجزاء من القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان البريطاني، ما يعد رداً لحكم للمحكمة العليا البريطانية، العام الماضي، مفاده بأن إرسال المهاجرين إلى رواندا ليس مخالفاً للقانون الدولي. كما ستتولى كيغالي درس طلبات اللجوء المقدمة من الأشخاص الذين سترسلهم لندن، ومهما كان السبب، لن يتمكنوا من العودة إلى المملكة المتحدة.

وتعهّد سوناك بأن تغادر رحلات عدة بشكل "دوري" خلال الصيف وبعده "إلى أن تتوقف القوارب" التي تصل إلى المملكة المتحدة على متنها طالبو اللجوء. وأكد أن الرحلات "ستقلع مهما حدث"، وأن الحكومة جهزت مطاراً وحجزت طائرات تجارية مستأجرة للرحلة الأولى، لافتاً في تصريح يوم 22 إبريل الحالي، إلى أن أولى رحلات ترحيل المهاجرين إلى رواندا ستبدأ في غضون عشرة أو 12 أسبوعاً.

وكشفت صحيفة ذا غارديان البريطانية، الأحد 28 إبريل الحالي، أن وزارة الداخلية البريطانية أعدت خطة لتنفيذ اعتقالات مفاجئة لطالبي اللجوء في جميع أنحاء البلاد، تمهيداً للتسريع بترحيلهم إلى رواندا. وذكرت أن الخطة تشتمل على اعتقال طالبي اللجوء أثناء حضورهم مواعيد روتينية في مراكز طلبات اللجوء على مدار الأسبوعين المقبلين، ومن ثم إيداعهم على الفور في مراكز اعتقال ووضعهم على رحلات طيران مباشرة إلى رواندا. وأشارت الصحيفة إلى أنه يُعتقد أن توقيت البدء في هذه العملية جاء تزامناً مع الانتخابات المحلية والمجالس البلدية التي تنطلق الخميس في الثاني من مايو/أيار المقبل، وذلك لتعزيز حظوظ حزب المحافظين الذي يتزعمه سوناك، في الانتخابات، خصوصاً بعد أن وعد بحل أزمة المهاجرين غير النظاميين خلال العام الحالي.

وتفيد تقديرات المكتب الوطني لمراجعة الحسابات بأن ترحيل أول 300 مهاجر سيكلف المملكة المتحدة 540 مليون جنيه استرليني (665 مليون دولار)، أي ما يعادل حوالي مليوني جنيه استرليني (2.5 مليون دولار) لكل شخص. ويعد القرار سابقة لا مثيل لها في العالم، ولم يتجرأ أحد على وضعه موضع التطبيق سوى سوناك وهو ابن مهاجرين هنود، الأمر الذي جرى التقاطه من قبل اليمين المتطرف الأوروبي من أجل نفي أي شبهة عنصرية عن العملية.

ويعود أصل الفكرة إلى اقتراح تقدم به رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون للمرة الأولى في مايو 2022 عندما كان رئيساً للوزراء. وكانت الحكومة (بوريس جونسون) أبرمت في إبريل 2022، اتفاقاً مع كيغالي لطرد طالبي لجوء مهما كانت جنسياتهم، إليها بعد وصولهم بطريقة غير نظامية إلى الأراضي البريطانية. وفي ذلك العام، ألغيت رحلة أولى لإرسال مهاجرين إلى رواندا كانت مقررة في يونيو/حزيران 2022 إثر قرار صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان طالب بدراسة معمقة لهذه السياسة. وتم إنزال أول دفعة من طالبي اللجوء الخاضعين لقرار ترحيل من الطائرة في اللحظات الأخيرة، ولم يرسل أي مهاجر إلى رواندا حتى اللحظة. واحتجاجاً على قرار المحكمة استقالت وزيرة الداخلية السابقة المتحدرة من أصول هندية سويلا برافرمان، وجاء سوناك ليحول المسألة إلى مشروع قانون خضع للنقاش في البرلمان بثلاث قراءات، وفاز بأغلبية حوالي 40 نائباً في القراءة الأخيرة.

قدم سوناك مشروع القانون في نوفمبر الماضي، بعد أن قضت المحكمة العليا بأن خطته لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا غير قانونية. وتحوّل مشروع القانون منذ ذلك الحين إلى صداع لإدارة حزب المحافظين الحاكم، ورئيس الوزراء الذي يعمل على موازنة مخاوف النواب المحافظين المعتدلين الذين يعتقدون أن التشريع يخرق القانون الدولي، في حين حثه النواب اليمينيون على المضي قدماً. واللافت أن سوناك استطاع تجاوز المعارضة البرلمانية من داخل حزبه. وقد سبق للمجموعة القانونية داخل المحافظين أن عارضت المشروع، ورأت أن خطة ترحيل اللاجئين من المملكة المتحدة تتعارض مع القانون الدولي. وكانت التقديرات تشير إلى أن هذه الكتلة التي يتجاوز عددها 40 نائباً، ستمتنع عن التصويت كي لا تخلق مزيداً من الانقسامات في صفوف الحزب، الذي يعاني من صراعات الأجنحة داخله.

يعد بحر المانش بين فرنسا وبريطانيا أحد ممرات اللجوء إلى بريطانيا والهجرة إليها، وتفيد الأرقام الرسمية بأن أكثر من 50 ألف شخص عبروا القنال الإنكليزي، على متن قوارب بدائية منذ مارس/آذار عام 2023، ولقي عشرات منهم حتفهم، بحسب جهات رقابية. وغرق مجموعة من الأشخاص بينهم طفل ليلة إقرار القانون يوم الثلاثاء 23 إبريل، أثناء محاولة عبور القنال الإنكليزي من فرنسا. وكشفت الأرقام الحكومية أخيراً أن بريطانيا منحت اللجوء من خلال برنامج مفصل بعناية للعديد من المواطنين من سورية، وأوكرانيا، وهونغ كونغ، وأفغانستان خلال السنوات القليلة الماضية. لكن في عام 2023، لم تمنح الحكومة حق اللجوء إلى بريطانيا من خلال الطرق النظامية إلا لـ700 شخص من غير الدول المذكورة.

وينتظر 138 ألف طالب لجوء الرد الأولي على طلباتهم، وفي عام 2023 وحده، سجلت بريطانيا 67337 طلب لجوء، تخص أكثر من 84 ألف شخص (قد يتعلق الطلب الواحد بعدة أشخاص في الوقت نفسه). وبين يوليو/تموز 2022 ويونيو/حزيران 2023، كان 41 بالمائة من الطلبات لمهاجرين وصلوا عبر القنال الإنكليزي على متن قوارب صغيرة. يمكن للقانون أن يؤسس لمسار دولي جديد يتعلق بوضع اللجوء والهجرة، من خلال إقفال أبواب بلدان معينة، وخصوصاً الغرب الأوروبي، أمام اللاجئين والمهاجرين، وتحويل وجهتهم نحو بلدان أخرى، على غرار رواندا، توافق على استقبالهم مقابل مساعدات مالية وعسكرية وسياسية.

تشكيك في القانون

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في 23 إبريل الحالي، إن "هذا التشريع الجديد يقوّض بدرجة كبيرة سيادة القانون في بريطانيا ويشكل سابقة خطيرة في العالم". وطعن في القانون من أربع زوايا، إذ إنه ينقل المسؤولية الواجبة إزاء اللاجئين من بريطانيا إلى رواندا، ويضيق صلاحيات المحاكم البريطانية، ويخفض من فرص اللجوء إلى الطعون القضائية، ويحدّ من نطاق الحمايات الوطنية والدولية لحقوق الإنسان. وشككت هيئات بريطانية في القانون. وقالت دينيسا ديليتش، مديرة المناصرة في لجنة الإنقاذ الدولية في بريطانيا، في اليوم نفسه، إنه "بغضّ النظر عن إقرار مشروع قانون سلامة رواندا اليوم، فإن إرسال اللاجئين إلى رواندا هو نهج غير فعّال وقاسٍ ومكلف بلا داع".

يرتكز التشكيك في القانون الجديد على أن خطة تنفيذه مضللة 

ويقوم التشكيك على أن حكومة سوناك تستعين بطرف خارجي كي تتهرب من مسؤوليتها بموجب القانون الدولي. ويعتبر المنتقدون أن الخطة مضللة، والبديل منها هو التركيز على تقديم نظام هجرة أكثر إنسانية وتنظيماً في الداخل. ويشمل ذلك توسيع نطاق الطرق الآمنة، مثل إعادة التوطين ولمّ شمل الأسرة، ودعم الحق في طلب اللجوء. ومن بين نقاط التشكيك في مصداقيته وجدوى المشروع، أن سوناك نفسه لا يعتبره حلاً، بل رادعاً لطالبي اللجوء الذين يتدفقون بكثرة إلى بريطانيا. وحين كان وزيراً للخزانة (2020-2022)، موّل خطة يمكنها، من الناحية النظرية، نقل 500 شخص فقط إلى رواندا، وذلك خلال حملته من أجل الفوز برئاسة حزب المحافظين، وبعد أن أصبح رئيساً للوزراء في 2022، اكتشف أن هذه المسألة قابلة للاستثمار السياسي، ولذا طرح الشعار الرنان "أوقفوا القوارب".

ومن الانتقادات ضد المشروع أنه لا يمكن اعتباره عامل ردع بقدر ما هو يحاول أن يصرف الأنظار عن مشاكل أكبر، ولذا يعد هذا المشروع الورقة الوحيدة بيد سوناك للانتخابات البرلمانية المقبلة في النصف الثاني من العام الحالي. ويُتوقّع أن يهزم حزب العمال المعارض، المحافظين الذين يحكمون منذ 14 عاماً، فيما أظهرت استطلاعات رأي تراجع حزب المحافظين بـ20 نقطة أمام حزب العمال.

يطمح سوناك من وراء المشروع إلى كسب أصوات اليمين المتطرف والشعبوي

ويطمح سوناك من وراء المشروع إلى كسب أصوات اليمين المتطرف والشعبوي، ورص صفوف حزب المحافظين الذي يعيش حالة من الانقسامات الداخلية. يأتي ذلك وسط عدم نجاحه في إحداث تحسينات ملموسة في الاقتصاد خلال الفترة القصيرة من توليه رئاسة الوزراء، وعدم وجود مؤشرات في الأفق على حصول تحسن يساعده خلال الفترة المتبقية قبل الانتخابات، والتي لم يحدد موعدها بدقة. وتعهد حزب المحافظين بتشديد قواعد الهجرة واللجوء إلى بريطانيا بعد انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، عام 2020، فيما كان قرار سوناك تشديد إجراءات التأشيرات للعمالة الأجنبية في الخريف الماضي أول خطوة. ومن خلال الخطوات التي قطعها القانون الجديد حتى الآن، سيتم تنفيذه من دون عراقيل قانونية، لكن من المرجح أن يجد عقبات أخرى، من أبرزها الوضع في الدولة المضيفة رواندا، والتي تعد 13 مليون نسمة نفسها.

ورغم أن رواندا من بين البلدان الأفريقية الأكثر استقراراً، إلا أن مجموعات حقوقية تتهم رئيسها بول كاغامي، بالحكم في ظل مناخ من الترهيب وقمع المعارضة وحرية التعبير. وطالما أن مشروع سوناك أخذ طريق البرلمان كي يصبح نافذاً، فإن تغير تركيبة البرلمان لصالح المعارضة العمالية في أي انتخابات مقبلة، قد يقود للتراجع عنه، خصوصاً أن زعيم حزب العمال، كير ستارمر، هاجم القانون بعنف، وصوّت حزبه ضده. إلى ذلك، تعد تونس نقطة ارتكاز أساسية للمهاجرين غير النظاميين الذين يصلون إلى بريطانيا، ويصفها الخبراء بأنها تحوّلت إلى حدود أوروبية، تنطلق منها سفن المهاجرين عبر مسار جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، ومن ثم التسلل إلى فرنسا بتسهيل من السلطات الإيطالية. وتشجع الأخيرة المهاجرين على مغادرة أراضيها، ولا تطبق القوانين الأوروبية التي تفرض عليها احتجازهم وإعادتهم إلى النقطة الأخيرة التي انطلقوا منها. ويعرف هؤلاء الطريق عبر الأراضي الفرنسية، بمساعدة مهربين محترفين، يوصلونهم إلى بحر المانش.

واستقبلت تونس خلال الأعوام الماضية مسؤولين أوروبيين، منهم رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين. وتكررت الزيارات في الآونة الأخيرة، وأبرمت اتفاقات أوروبية تونسية ثنائية، كي تمنع تونس سيل المهاجرين، الذين ينحدرون في غالبيتهم من دول أفريقيا. لكن الآن لا تمتلك الحكومة التونسية أي حلول سوى العنف، وتفيد أرقام تونسية بمقتل 1300 خلال عام 2023. ولذلك تبدو الصورة قاتمة.

المساهمون