تشير المعطيات والوقائع إلى أن العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، منذ العام 2012، للتوصل إلى حل سياسي في سورية، باتت غير ذات جدوى، بعد الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام السوري أخيراً، في تجاوز لكل القرارات الدولية ذات الصلة.
وسارع المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن للتأكيد، خلال إحاطة لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، أن الانتخابات التي أجراها النظام "ليست جزءا من العملية السياسية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2254، والأمم المتحدة غير منخرطة فيها، وليس لديها تفويض للقيام بذلك". وأعلن أن الأمم المتحدة تواصل التأكيد على أهمية التوصل لحل سياسي في سورية لتنفيذ القرار 2254، الذي يبقى "السبيل الوحيد المستدام لإنهاء الصراع ومعاناة الشعب السوري".
طارق الكردي: استراتيجية النظام تهدف لقتل القرار 2254
كما بذل المبعوث الدولي جهوداً لعقد الدورة السادسة للهيئة المصغرة من اللجنة الدستورية، التي كان من المفترض أن تضع دستوراً جديداً للبلاد، تجرى انتخابات على أساسه، إلا أن النظام عرقل أعمالها على مدى خمس جولات. ويبدو بيدرسن مشلولاً أمام الواقع السياسي، إذ لا ضغط دولياً على النظام السوري من أجل الجلوس حول طاولة مفاوضات ذات قيمة، مع عدم تبلور استراتيجية واضحة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حتى اللحظة حيال الملف السوري برمته. وأعرب أحمد العسراوي، وهو قيادي في "هيئة التنسيق الوطنية" التي تمثل معارضة الداخل، عن اعتقاده بأنه "ستكون هناك عودة إلى أعمال اللجنة الدستورية"، لكن العسراوي، وهو عضو في هذه اللجنة، اعتبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لن يكون هناك تقدم فعلي على هذا الصعيد".
وكانت الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية، المشكلة من النظام والمعارضة والمجتمع المدني السوري، قد عقدت في يناير/ كانون الثاني الماضي، إلا أن نتائج تلك الجولة، وما سبقها من جولات، كانت صفراً. وتعد سلة الدستور واحدة من سلال تفاوضية وضعتها الأمم المتحدة، التي كانت تأمل بأن يكون إنجاز الدستور بوابة واسعة لحل سياسي، إلا أن هذه الآمال اصطدمت برفض النظام تسهيل المساعي الأممية على هذا الصعيد، وصولاً إلى التجديد لبشار الأسد سبع سنوات، بناء على دستور 2012 الذي ترفضه المعارضة السورية. وليس من المتوقع أن ينهي الأسد ولايته الحالية من أجل إجراء انتخابات بناء على دستور جديد، خصوصاً أن المجتمع الدولي ليس في وارد استخدام القوة لإجباره على ترك السلطة.
وقدمت المعارضة تنازلات سياسية، بتقديمها التفاوض على الدستور على الانتقال السياسي، بعد ضغط إقليمي ودولي، إلا أن النظام قابل هذه هذا الأمر بمزيد من التشدد. ولم يتطرق الأسد إلى أعمال اللجنة الدستورية، في الخطاب الذي ألقاه عقب الانتخابات، ما يؤكد أن النظام ليس في وارد العودة إلى طاولة المفاوضات في مدينة جنيف "لأن المهمة أنجزت"، وفق تعبير الأسد نفسه، في إشارة إلى بقائه في السلطة حتى 2028، وهو ما كان يهدف إليه منذ بدء أعمال اللجنة الدستورية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حيث عقدت الجولة الأولى. ويصر النظام على أن الدستور الذي وضعه في العام 2012 في محاولة لتطويق الثورة "عصري" ولا حاجة لتعديله، بينما ترى المعارضة أنه فُصّل على مقاس بشار الأسد، حيث منح رئيس الجمهورية صلاحيات مطلقة في إدارة أجهزة الدولة.
وكان القرار، الذي صدر في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015 عن مجلس الأمن الدولي، قد نص على تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع، وغير طائفية، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية في غضون ستة أشهر. لكن القرار، الذي استند إلى بيان "جنيف 1" الصادر في منتصف 2012، بقي حبراً على ورق، بسبب تعنت النظام المدعوم من روسيا والصين في المحافل الدولية. ويبدو أن الخيارات السياسية أمام المعارضة السورية ضيقة للغاية للتعامل مع المستجدات الكبيرة على الملف السوري، بعد تثبيت الأسد لنفسه في السلطة حتى 2028. وليس أمام أطياف المعارضة السورية إلا التمسك بالقرارات الدولية والعملية السياسية، في ظل عجزها، وعجز النظام في المقابل، عن تغيير المعادلة السياسية بقوة السلاح.
سليمان القرفان: ثبت أن هذا النظام غير قابل للإصلاح
وأشار العضو في اللجنة الدستورية عن المعارضة طارق الكردي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "نظام الأسد، ومنذ اليوم الأول للثورة، وهو يريد الحل العسكري والأمني ويرفض الحل السياسي"، مضيفاً: "لذلك لديه هدف استراتيجي هو قتل القرار 2254، لأنه يعلم جيداً أن تنفيذ القرار يعني رحيله عن السلطة"، موضحاً أن "ما قام به النظام من مسرحية اسمها انتخابات تصب في هذا الاتجاه". وأكد أن "قوى الثورة والمعارضة السورية من جهتها متمسكة بتنفيذ القرار 2254 بكل بنوده، ومتمسكة بالحل السياسي كحل وحيد للقضية السورية"، مشدداً على أن المعارضة "لن تسمح لنظام الأسد بقتل العملية السياسية". وأعلن أن المعارضة "مع استمرار التعاطي الإيجابي مع أعمال لجنة صياغة الدستور، وفق المحددات الوطنية والموضوعية، وفي مقدمتها إقرار منهجية عمل للجنة، تسمح لها بإنجاز وتحقيق هدفها، بوضع مسودة دستور جديد لسورية، تعرض على الاستفتاء العام بعد تحقيق البيئة الآمنة والمحايدة من قبل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات".
وأشار العضو الآخر عن المعارضة السورية في اللجنة الدستورية سليمان القرفان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه بعد الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام، والتي وصفها بـ"المهزلة"، وبعد الخطاب الذي ألقاه الأسد، "ثبت أن هذا النظام غير قابل للإصلاح، وغير مستعد للاعتراف بالمطالب المحقة للسوريين". وقال: "يجب العمل على معركة قانونية، ولا سيما ملف المعتقلين واللاجئين واستخدام الأسلحة الكيميائية". وحول مصير اللجنة الدستورية، أشار القرفان إلى أنه "لا يجوز التخلي عنها، لكشف خطورة النظام على البلد، لأن استمراره يجره إلى مزيد من الويلات والتقسيم". وأضاف: "جميع أعضاء اللجنة الدستورية مطالبون، أكثر من أي وقت مضى، ببذل المزيد من الجهود لصياغة مسودة دستور لكل السوريين والحفاظ على وحدة البلاد". وأكد أن الجميع مطالب بالحفاظ على اللجنة الدستورية، لأن النظام يسعى لإفشالها وإيصالها إلى طريق مسدود، ليبعث رسالة للمجتمع الدولي بأنه لا يوجد بديل قادر على إدارة البلد غيره.