اللجنة الاستشارية بالحوار الليبي تبدأ أعمالها غداً.. هل تفرض الخيارات الدولية شكل الحل؟

12 يناير 2021
نجاح العملية السياسية في ليبيا بات مرتبطاً بمواقف وجهود أطراف إقليمية (فرانس برس)
+ الخط -

تبدأ اللجنة الاستشارية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي أعمالها، يوم غدٍ الأربعاء، في مدينة جنيف السويسرية، فيما يبدو أن نجاح العملية السياسية في ليبيا بات مرتبطا بمواقف وجهود أطراف إقليمية في ظل تشكل خريطة اتصالات جديدة في الملف الليبي. 

وكشفت مصادر مقربة من أعضاء ملتقى الحوار السياسي أن اللجنة الاستشارية ستواصل جلساتها  يوم غدٍ الأربعاء، لمناقشة وجهات نظر مختلفة بشأن السلطة التنفيذية الجديدة، من بينها مقترح بقاء المجلس الرئاسي الحالي وتشكيل حكومة وحدة وطنية منفصلة لتولي مهام المرحلة التمهيدية التي ستفضي إلى انتخابات وطنية في نهاية العام الجاري، تزامناً مع جهود أخرى يبذلها أعضاء اللجنة القانونية من أجل الانتهاء من إنشاء قاعدة دستورية تُجرى الانتخابات وفقاً لها. 

وتواجه البعثة الأممية في ليبيا، التي أطلقت ملتقى الحوار السياسي في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عقبات عديدة، بسبب تسرب تجاذبات واختلاف الفرقاء في الساحة إلى ردهات الملتقى، ما تسبب في تراجع نشاط أعضائه، ونقلت البعثة الاجتماعات من شكل مباشر إلى اجتماعات افتراضية، اضطرت معها إلى تشكيل لجنتين، لجنة استشارية لتجسير هوة الخلافات بشأن آليات اختيار سلطة جديدة، ولجنة قانونية للإعداد لقاعدة دستورية لإجراء الانتخابات الوطنية في نهاية الفترة التمهيدية. 

ورغم الاختلافات الواسعة في كواليس الملتقى، إلا أن المصادر ذاتها التي تحدثت لــ"العربي الجديد"، أكدت أن أبرز خيارين مطروحين أمام أعضاء اللجنة الاستشارية لا يزالان يتجهان في طريق تشكيل سلطة جديدة موحدة تُنهي كل الأجسام السياسية الحالية، وإما إعادة النظر في المجلس الرئاسي الحالي بإضافة أعضاء جدد له وإزاحة آخرين حاليين بموازاة تشكيل حكومة جديدة. وهي خيارات مطروحة منذ فترة، بحسب الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة، الذي لا يرى أن المناخ السائد حالياً سيوفر فرصة للتوصل لتوافق على أساس هذين الخيارين. 

ويشرح كشادة رأيه بالقول، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إن شكل الاتجاهات في المشهد لا يدل على إمكانية للتوصل لأي توافق سياسي، مضيفاً أن خيار إبقاء المجلس الرئاسي الحالي أكثر تعقيداً من اختيار مجلس جديد، فعلاوة على أن شخصيات فيه فرضت نفسها، كالسراج وباشاغا ومعيتيق، إلا أن الوضع لا يزال في شرق البلاد مقلقاً ولا يمكن التوافق على ممثل منه ولو كان رئيسا للحكومة في ظل الخلافات الكبيرة بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح واللواء المتقاعد خليفة حفتر

ويرى الباحث السياسي الليبي أن الأمر نفسه ينطبق على تشكيل سلطة جديدة في ظل التنافس والصراع الخفي الحالي، وسط حديث عن عملية عسكرية جديدة في ثوب أمني يستعد لها وزير الداخلية فتحي باشاغا قد تشكل خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار وبالتالي بعثرة كل الجهود التي توصلت إليها الأمم المتحدة. 

ويلفت إلى أن تصريحات باشاغا بأن عمليته المرتقبة ستجري بـ"دعم دولي"، تشير إلى أن باشاغا أكد أن تركيا ستدعم العملية وطلب دعماً أميركياً، مرجحاً أن تكون إيطاليا التي عادت للنشاط مجدداً في الساحة الليبية طرفاً آخر في تلك العملية. 

وبحسب وسائل إعلام ايطالية، فقد التقى نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أحمد معيتيق، في زيارة غير رسمية لروما، الاثنين الماضي، عدداً من مسؤولي الحكومة الإيطالية، من بينهم وزير الدفاع الايطالي، الذي أكد على اهتمام روما بنجاح الاتفاقية الفنية العسكرية الموقعة مع ليبيا. 

ولم يعلن من جانب حكومة الوفاق عن الزيارة ونتائجها، لكن وسائل إعلام إيطالية نقلت عن معيتيق إشادته بـ"الدعم المقدم من الجانب الإيطالي في المجال العسكري". 

ويبدو أن معيتيق كان برفقة رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج عند زيارته الأخيرة غير الرسمية أخيراً لروما، حيث التقى رئيس الحكومة جوزيبي كونتي، رغم معلومات نشرتها الصحف الإيطالية بشأن سعي السراج للحصول على تأييد سياسي إيطالي لبقائه في منصبه، إلا أن الزيارة لا يبدو أنها جاءت للتنسيق في الشأن السياسي فقط، بعد الحديث عن لقاء معيتيق بوزير الدفاع الإيطالي من أجل تنشيط الاتفاق العسكري بين البلدين. 

ويتساءل كشادة عن علاقة نائب بالمجلس الرئاسي بالاتفاقات العسكرية التي من المفترض أن يناقشها ويجري الاتفاق حولها وزير الدفاع بالحكومة صلاح النمروش، الذي أبدى رفضه للعملية المرتقبة التي سيشرف على إطلاقها وزير الداخلية فتحي باشاغا. 

وفي السياق، قال مصدر عسكري ليبي إن وفداً إيطالياً، أمنياً واستخباراتياً، زار مدينة مصراته وطرابلس الأسبوع الماضي، والتقى عدداً من مسؤولي حكومة الوفاق وقادة عسكريين في مصراته، مشيراً إلى أن عملية باشاغا المرتقبة ستجري بدعم إيطالي وتركي وبضوء أخضر أميركي للسيطرة على مواقع في الجنوب الليبي بهدف التضييق على عناصر روسية مسلحة موجودة في عدة مراكز بالجنوب الليبي وبناء نقاط تماس قريبة منها.

ومقابل تخبط وارتباك يعيشه معسكر شرق ليبيا، تبدو العاصمة طرابلس أكثر نشاطاً، إذ استقبلت عدداً من مسؤولي دول مهمة بالنسبة للأزمة الليبية، من بينهم وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، الذي أعقبت زيارته زيارة مفاجئة لوفد مصري رفيع بعد سنوات من التباعد والمقاطعة بين طرابلس والقاهرة، تقابلها زيارات مكثفة أجراها قادة طرابلس لعدة عواصم، من بينها موسكو، التي التقى فيها وزير الخارجية محمد سيالة نظيره سيرغي لافروف، وباريس، التي زارها وزير الداخلية فتحي باشاغا، منتصف الشهر الماضي. 

وتكشف خريطة الاتصالات شكلاً جديداً من التنافس الإقليمي والدولي في الملف الليبي، في مرحلة صراع جديدة كانت سبباً في عرقلة الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية سياسية ترضي كل الأطراف، وفق قراءة عادل الهرامة، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بالجامعات الليبية. 

ويتساءل الهرامة عن موقف دول هامة في الملف الليبي، وعلى رأسها موسكو وباريس، معتبراً أنهما باتا يشكلان الطرف الآخر في التنافس الجديد مقابل حلفاء طرابلس الجدد، لافتاً إلى أن استمرار حالة التعثر التي تشهدها مسارات الحوار الليبي قد تفضي إلى انهيارها وعودة الأوضاع للمربع الأول. 

ويتابع، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن "موسكو وباريس لا تزالان على اتصال بحفتر، وإمكانية إحيائه ستجد أصداء أيضاً في أبوظبي، الغاضبة من الموقف المصري الذي لم يعد يقارب سياساتها"، محذراً من أن تكون عملية باشاغا المرتقبة أولى مؤشرات الانهيار القريب لمسارات الحوار. 

ويربط الهرامة نجاح مفاوضات الحل السياسي بعاصمتين هما القاهرة وأنقرة، موضحاً أنهما أصبحتا أهم طرفين في الملف الليبي، فكلاهما يملك نشاطاً دبلوماسياً مع الطرفين الغائبين عن خريطة الاتصالات الحالية، وتحديداً يمكن للقاهرة التوصل إلى تفاهمات مع باريس قد يشير إليها النشاط الأخير بينهما، كما يمكن لأنقرة إحداث مقاربة مع موسكو والتوصل إلى شكل من التفاهمات حول الوضع المقبل. 

المساهمون