- الحراك الطلابي ضد الحرب على غزة يواجه تحديات بسبب تدخل الجمهوريين وضغوط الكونغرس، مما يضع الجامعات الأمريكية في موقف صعب بين استقلاليتها والضغوط السياسية.
- الإدارة الأمريكية تجد نفسها في مأزق بعد تصريحات نتنياهو التي تقوض فرص السلام، مما يعكس التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجهها في التعامل مع الأزمة في غزة وتأثيرها على الساحة الداخلية.
أقدم مجلس النواب في الكونغرس الأميركي، أمس الأربعاء، على خطوة غير مسبوقة من شأنها لو تحولت إلى قانون، أن تزيد من تأزيم أجواء الانتفاضة الجامعية الأميركية بسبب الحرب على غزة، والتي بدأ العنف يدخل ساحتها. والأهم أنها تهدد حرية التعبير التي كفلها التعديل الأول الشهير للدستور وبما يفتح المجال لخنق الأصوات غير المرغوبة. فقد صوّت المجلس على "مشروع قانون معاداة السامية" الذي يطلق يد السلطات الفيدرالية "لقمع الاحتجاجات المناوئة لإسرائيل من خلال تعريف معاداة السامية بأنها تشمل ليس فقط التهديدات ضد اليهود بل أيضا بعض الانتقادات لإسرائيل"، وفاز بأكثرية 320 مقابل 91 وبمشاركة عدد من الديمقراطيين في الموافقة عليه.
ومع أن مرور مثل هذا التشريع في مجلس الشيوخ أمر صعب، لكنه قد يصوت عليه معدّلاً، تحت تأثير خطاب "معاداة السامية" المسيطر على أجواء الانتفاضة ومحاولات دمغها بهذا الطابع. وفي كل حال هو تطور نوعي لجهة أنه محاولة لقوننة "معاداة السامية" وفق تعريف موسّع لها تنضوي تحته كافة التعبيرات التي تعتبرها إسرائيل عدائية تجاهها. وبموجبه يصبح الاعتراض والاحتجاج بالطرق المعمول بها في الوقت الراهن، مخالفة قانونية تستدعي التصدي والمنع الفوري لها.
ويأتي هذا التوجه في امتداد دخول الجمهوريين على خط الحراك الطلابي، مدفوعا بحسابات انتخابية وربما إسرائيلية تصبّ عمليا في توظيف انتفاضة الطلاب ضد الرئيس الأميركي جو بايدن الذي ساهمت هذه الأخيرة في هبوط رصيده. وقبل أسبوعين قام رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، بزيارة إلى جامعة كولومبيا في نيويورك التي افتتحت تصعيد الاحتجاجات، وألقى كلمة كان محورها موضوع السامية، محذرا المنتفضين من تهديدات مزعومة للطلبة اليهود، ومتوعدا رئيسة الجامعة بإجراءات عقابية يتخذها الكونغرس، لو تلكأت في هذا الموضوع. وكانت مبادرته بدافع تسجيل موقف على الرئيس بايدن وتهاونه في موضوع السامية والطلبة اليهود، علما بأن أحدا من هؤلاء لم يتعرض لأي أذى وأن عددا منهم مشارك في عملية الاحتجاج. والواقع أن بعض المناوئين منهم، تصدوا، أول من أمس الثلاثاء، للمحتجين بالعنف في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجليس.
كما يأتي، أي توجه الكونغرس، في ظل استمرار تمدد الانتفاضة الجامعية الذي فاجأ وأربك الجميع. وكان الاعتقاد أن التعب أو اقتراب الفصل الدراسي من مواعيد التخرج، قد يساعد في انحسار الحراك. لكنه على العكس ازداد انتشارا ليشمل أكثر من أربعين جامعة حتى الآن، منها جامعة جورج واشنطن في العاصمة، والتي قام أمس الأربعاء عدد من النواب الجمهوريين بزيارتها والتقوا مسؤوليها لمطالبتهم بأخذ الإجراءات اللازمة لإنهاء الاعتصام، كما ألقى أحدهم كلمة بالطلبة المعتصمين مشددا فيها على أهمية "قيام شرطة المدينة بضمان سلامة الطلبة اليهود"، ومحذرا من أنه في ظل غياب توفير الأمن لهم سيجد الكونغرس "نفسه مجبرا على توظيف صلاحياته التشريعية لتوفير ذلك". وهو بذلك يلوح بسلطات الكونغرس في إقرار موازنة العاصمة باعتبارها مدينة فيدرالية. يُذكر أن عمدة العاصمة رفضت إصدار الأوامر لشرطة المدينة باقتحام الحرم الجامعي لإخلاء مخيم الطلبة المعتصمين.
الإدارة الأميركية راهنت وبتفاؤل على مفاوضات القاهرة علّها تتمخض عن صفقة لوقف النار وتبادل الرهائن في غزة، بحيث تكون المفتاح لوقف الاحتجاجات الطلابية التي تحولت إلى صداع انتخابي للبيت الأبيض. لكن نتنياهو سارع إلى التخريب على هذا الاحتمال بتأكيده قبل مغادرة بلينكن إسرائيل نية حكومته اجتياح رفح سواء جرى التوصل إلى الصفقة أم لا. تصريحه بدا كإشارة إلى أن زيارة الوزير الثامنة إلى المنطقة والتي انتهت اليوم، كانت خاوية وبما يبقي الحرب عبئاً على معركة تجديد بايدن لرئاسته في غياب هدنة ولو مؤقتة تسمح له بالتقاط أنفاسه. نتنياهو يفخخ وقف إطلاق النار في القطاع، والجمهوريون يدفعون باتجاه التأزيم من خلال عسكرة "معاداة السامية".
غزة أحدثت جدلا واسعا في واشنطن. الكل انشغل بتطوراتها، ثم جاء انفجار الحركة الطلابية ليزيد الاهتمام بها. خاصة وأنها كشفت عن رفض مكبوت وانطوت على تعبيرات تنم عن ضيق ونفور من إسرائيل، كما سلطت الأضواء على التزامات واشنطن المكلفة إزاءها. نخب السياسة الخارجية في معظمها حمّلت رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مسؤولية ورطة إسرائيل وتوريط أميركا. اليمين المحافظ السياسي والإعلامي يضع الملامة على إدارة بايدن بزعم أنها "تفرض القيود على حركة إسرائيل وبما يمنعها من إنجاز مهمتها في غزة". الجامعات وقعت بين سندان الاستقلالية الجامعية وحصانتها وبين مطرقة الجمهوريين في الكونغرس من غير غطاء كان من المفترض أن يوفره البيت الأبيض.
الرئيس بايدن بانجرافه بهذا الجو القابل لاحتضانه وبإطلاقه ليد نتنياهو في الحرب وعدم التصدي الفعال لمشاكساته، تسبب بشرخ في حزبه الديمقراطي إضافة إلى أن 70% من الأميركيين باتوا غير موافقين على تعامله مع الحرب. الآن كل هذه الجهات التقت، كلٌ لحساباته، عند وصم حركة الاحتجاج بمعاداة السامية. ربما لأن الموسم الانتخابي يفرض ذلك، أو ربما أن ثمة من لا يجرؤ، ما عدا قلة، على نفي هذا الطابع، أو ربما لأن قضية فلسطين أدخلتها غزة والتضامن معها إلى كل بيت أميركي مع موجة تعاطف تشكل نقطة تحول جديد في حضور القضية الفلسطينية على هذه الساحة.