هل هي صدفة أن تدخل الولايات المتحدة في معركة انتخابات فريدة و"تاريخية"، في ظلّ شيخوخة غير مسبوقة لمرشحيها من الحزبين؟ أم أن هذه الحالة هي تحصيل حاصل لقحط قيادي وجفاف سياسي أدّى إلى غياب دينامية جديدة عن الساحة؟
أسئلة ترددت في الآونة الأخيرة مع كثير من التخوف من مسألة التقدم في السنّ في أوساط القيادات الأميركية. بايدن لو فاز فسيكون في الـ82 من العمر وترامب في الـ79. كلاهما يضرب الرقم القياسي. أكبر الرؤساء السابقين سنًا، رونالد ريغان (1980) لم يكن يبلغ السبعين عند مجيئه. كان عمره 69 سنة و349 يوماً. ومع ذلك، طرحت حوله علامات استفهام وكانت مبرّرة، إذ تبين أنه كان في ولايته الثانية "يشرد" أحياناً خلال الاجتماعات ويبدي بعض القصور في الانتباه "والكفاءة " في متابعة الأمور، حسب ما كان يتسرب آنذاك من داخل البيت الأبيض والذي لم يكن سراً. وهذا في السبعينات فكيف عندما يكون الرئيس في الثمانينات؟
في الفترة الأخيرة، تعززت هذه المخاوف بالمشاهدة الحسية. زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونل ابن الـ81، انقطع فجأة عن الكلام وتجمّد في مكانه مدة نصف دقيقة أثناء مؤتمر صحافي قبل 3 أيام. وكان قد أصيب بنفس العارض منذ حوالي 3 أسابيع. وفي المرتين، اكتفى بالتطمين من دون الاستناد إلى مرجعية طبية، مؤكداً عودته الأسبوع القادم إلى الكونغرس الذي يستأنف دورة انعقاده بعد نهاية الإجازة الصيفية. وقد نفى أي نية للاستقالة.
سبقته في ذلك عميدة السن لدى الديمقراطيين في مجلس الشيوخ السيناتور دايان فاينستاين التي تجاوزت التسعين وتتنقل على الكرسي المتحرك وبالكاد تقوى على الكلام. مع ذلك، ما زالت تتشبث بمقعدها. ومثلها عميد السن لدى الجمهوريين السيناتور شارلز غراسلي، الذي دخل التسعين متمسكا هو الآخر بمنصبه، ولو أنه ما زال يقوى على الحركة بالحد الأدنى. وكانت رئيسة مجلس النواب السابق نانسي بيلوسي في سن الـ82 عندما خسرت الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
هذا المشهد الثمانيني الذي يعكس حالة الشيخوخة السياسية في واشنطن، أو ما يطلق عليها "القيادة الهَرِمة"، صار ظاهرة تثير "القلق" حتى داخل فئات وأنصار هذه القيادات التي أوقعت كلا الحزبين في ورطة. لا الجمهوري المناوئ لترامب لديه الآن بديل عن هذا الأخير ولا الديمقراطي قادر على المجيء بغير بايدن، الذي بدأ عمره يلقي بثقله على معركته.
حوالي 70% من قاعدة حزبه غير متحمسة له بسبب عامل السن. والخشية لدى مخططي الانتخابات في حزبه أن ينعكس ذلك على شكل تراجع في نسبة الإقبال على التصويت في يوم الاقتراع. وثمة من بين هؤلاء من "يتمنى" انسحاب بايدن ولو أن ذلك غير وارد حتى اللحظة.
مغريات المنصب والإقامة في البيت الأبيض تجعل مثل هذا الاحتمال أقرب إلى المستحيل. يضاف إلى عبء السن أن المشاكل القانونية، التي تحيط بابنه هانتر والتي ينظر فيها محقق خاص، قد تزيد من متاعبه الانتخابية. مراهنته أن تنتهي واحدة على الأقل من المحاكمات الأربع المتوقع أن تتوالى فصولها خلال الحملة الانتخابية بإدانة للرئيس ترامب قبل الاستحقاق الرئاسي في 5 نوفمبر 2024. عندئذ تتضاءل أهمية عمر بايدن لدى الناخب.
يراهن الرئيس السابق على قصور وربما كبوات وهفوات يرتكبها بايدن خلال الجولات الانتخابية، تعطي ترامب ورقة قابلة للتسويق في البازار الانتخابي
بدوره، يراهن الرئيس السابق على قصور وربما كبوات وهفوات يرتكبها بايدن خلال الجولات الانتخابية، تعطي ترامب ورقة قابلة للتسويق في البازار الانتخابي. وثمة خشية حقيقية من مثل هذا التعثر. ندرة المؤتمرات الصحافية التي عقدها الرئيس حتى الآن تؤشر إلى ذلك وتعكس الحرص على إبعاده عن المطبات، خصوصا أنه يخرج أحياناً كثيرة عن النص المكتوب، ومن المتوقع، بل المرجح، أن تكون الجولات الانتخابية على مدى الـ14 شهراً القادمة شاقة ومعقدة تتداخل مع محاكمات ترامب وبما يجعلها مفتوحة على أزمات مستعصية، دستورية وغيرها في زمن ضمور السياسة وشيخوخة السياسيين في أميركا .