تتابع القوى المدنية والمستقلة العراقية، الاحتجاجات والاعتصامات التي يقودها أنصار زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، التي اتخذت من مبنى البرلمان ميدانا لها، ورغم اتفاقها مع المبادئ والمطالب التي يسعى إلى تحقيقها الصدر عبر أنصاره، إلا أن ناشطين وأعضاء في تلك القوى يعربون عن خشيتهم من مساندتها بسبب ما يعتبرونه "تقلبات" مواقف الصدر العديدة.
وتُعد الاعتداءات التي لحقت بالمتظاهرين العراقيين في بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد من قبل التيار الصدري، في ساحات التحرير والحبوبي خاصة، خلال احتجاجات "انتفاضة تشرين" التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، من أبرز الأسباب التي تدفع القوى المدنية والنواب المستقلين إلى عدم التفاعل مع احتجاجات الصدريين الحاليين، ناهيك عن الخوف من انقلاب الصدر ضد المدنيين في حال اشتراكهم معه.
ودعا الصدر في أكثر من تدوينة نشرتها حساباته الرسمية عبر "فيسبوك" و"تويتر"، الناشطين "التشرينيين" إلى مناصرته في التظاهرات، ولمح إلى أنه سيحميهم من أي اعتداء، إلا أن المحتجين رفضوا حتى اليوم الاثنين التعاطي مع الصدر. ورغم أن مشاركات شخصية وفردية ظهرت أخيراً، لكنها لا تمثل القوى المدنية وفقاً لمراقبين.
وقال المتحدث باسم الصدر، مصلح محمد العراقي والمعروف باسم "وزير القائد"، إن "اشتراك بعض الأحبة من ثوار "تشرين" جعل التظاهرات، ملحمة عراقية، فشكراً لهم". وفي تدوينة أخرى دعا إلى "احترام المشاركين في الاحتجاجات من غير المنتمين للتيار الصدري"، في إشارة إلى الحراكات الاجتماعية المدنية التي يأمل الصدر أن تدعمه في الاحتجاجات الحالية.
ولم تبادر القوى المدنية والعلمانية في العراق لعقد أي اجتماع خاص بالأزمة الحالية، فيما غابت مواقف معظمها بشأن المشاركة مع الصدر أو رفض التظاهرات الصدرية، لكنها اتفقت على التحذير من خطر الوقوع في "الحرب الأهلية" أو "الحرب الشيعية الشيعية"، بين "التيار الصدري" والفصائل المسلحة ضمن تحالف قوى "الإطار التنسيقي" القريب من إيران.
في السياق، قال عضو حزب "البيت الوطني" علي حسين، إن "مساندة الصدر في موقفه الحالي تمثل عقبة من عقبات العمل المدني، لأننا نعتقد أن الصدر أحد المشاركين في إعاقة قيام الدولة المدنية منذ عام 2003، كما أنه أسهم في أكثر من مرة بوأد الحركات المدنية لتصحيح العمل السياسي، لذلك فإننا لم نتفق لحد الآن على صيغة واضحة للتعاطي مع تظاهرات الصدريين واعتصامهم داخل المنطقة الخضراء"، وفقا لقوله.
وأكد حسين لـ"العربي الجديد"، أن "المخاوف المدنية والعلمانية هي من احتمال تراجع الصدر عن قرار الاحتجاجات في أي لحظة، وتوافقه مع قوى الإطار التنسيقي، بالتالي يتحول المدنيون إلى عناصر قد يتم تصفيتهم بكل الطرق، لأنهم خارج مشاريع التوافقات السياسية"، مؤكداً أن "هناك مدنيين يشاركون حالياً بصفتهم الشخصية في احتجاجات الصدر".
من جهته، كتب النائب عن حركة "امتداد" في البرلمان العراقي فلاح الهلالي، على صفحته في "فيسبوك" أن "تشرين تقول: جرة الأذن ما تصير اثنين والله". ويقصد أن ما وقع من قمع ضد المتظاهرين في العراق من قبل "التيار الصدري" لن يتكرر. وأرفق تدوينة تعود إلى فترة اشتداد التظاهرات الشعبية واقتحام "التيار الصدري" لساحة الحبوبي في محافظة ذي قار، التي قتل فيها عشرات المتظاهرين.
وكانت حركة "امتداد"، قد دعت أمس الأحد، إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة وفق قانون انتخابي عادل تسبقها خطوات تشريعية عبر تعديل دستوري يطرح لاستفتاء شعبي وتشكيل محكمة اتحادية عليا مستقلة. وهي المطالب نفسها التي يريدها الصدر.
وقالت الحركة في بيان، إن "الشعب العراقي استشعر منذ اليوم الأول من ثورة تشرين أن كل مشاكل الحكم والفشل الذريع طيلة السنوات الماضية، قد تجذرت ونمت من خلال دستور لا يلبي طموحات الجماهير ونظام الحكم بُني على المحاصصة وتشتيت الشعب إلى مكونات العراق".
وأضاف البيان: "نسعى لتغيير شكل النظام إلى رئاسي أو شبه رئاسي وإكمال دور المؤسسة التشريعية وحماية المؤسسات القضائية من التدخلات الحزبية والتقسيم الطائفي".
وجاء بيان حركة "امتداد" عقب حديث مقتدى الصدر، عن أهمية الاعتصام، مستخدماً مصطلح "التغيير الجذري" للمرة الأولى، داعياً الجميع لمناصرة "الثائرين" للإصلاح، بمن فيهم "العشائر الأبية والقوات الأمنية وأفراد الحشد الشعبي"، وهو ما يراه الناشط من محافظة النجف ليث العبدلي "حالة جديدة تستدعي الدعم".
وبيَّن العبدلي لـ"العربي الجديد"، أن "الحراك المدني في العراق لديه أكثر من 15 حزباً وكياناً وتنظيماً، وهم يمثلون قوة غير عادية ومثقفة ولا تتبع لأي طرف خارجي، بالتالي فإن توحدهم سيؤدي إلى زيادة الزخم الجماهيري ضد قوى الفساد والتوافق والتحاصص الطائفي، لكن هذه القوى تخشى الصدمة مما سيطرأ على الساحة السياسية من توافقات".
من جهته، أشار الباحث في الشأن السياسي، كتاب الميزان، إلى أن "ما طرحه السيد الصدر بشأن تغيير النظام السياسي وتعديل الدستور وإعادة الانتخابات، تمثل مشتركات جوهرية بين القوى المدنية غير الطائفية والتيار الصدري، وهي أقرب إلى أن تكون خارطة طريق للعراق"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "القوى المدنية لا تزال مترددة في تأييد الصدر، لكنها في الوقت نفسه لا ترفض حراكه، بل أطراف مؤثرة في الحراك المدني تؤيد قلبياً ما يقوم به الصدر ضد قوى الإطار التنسيقي".
ويواصل الصدريون اعتصامهم في المنطقة الخضراء ببغداد لليوم الثالث على التوالي، فيما تزداد جموع المشاركين في الاعتصامات مع وصول وفود من محافظات وسط وجنوب البلاد إلى مقر البرلمان، ويرجح أنصار الصدر، أن الاعتصام قد يستمر إلى أيام أخرى إلى حين التوصل إلى حلول جذرية، منها الاتفاق على موعد جديد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة فضلاً عن الاتفاق على تعديل الدستور.