القمة العربية في الجزائر: ملفات خلافية تؤجل المؤجل

21 يناير 2022
أعلن زكي تأجيل القمة مساء الأربعاء (الأناضول)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية وأخرى عربية في القاهرة، كواليس ما وصفته بـ"المأزق" الذي تواجهه القمة العربية التي كانت مقررة في الجزائر في مارس/آذار المقبل، قبل الإعلان عن تأجيلها.

وأعلن مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، حسام زكي، في تصريح صحافي في ختام زيارته للجزائر، مساء أول من أمس الأربعاء، أن القمة "لن تُعقد قبل شهر رمضان الذي سيحلّ على الأمة الإسلامية مطلع إبريل/نيسان المقبل"، ما يعني عقدها في أواخر شهر مايو/أيار أو مطلع شهر يونيو/حزيران المقبلين.

وأضاف أنه "سيتم الإعلان عن موعد القمة خلال اجتماع وزراء خارجية الدول العربية المقرر عقده في مقر الأمانة العامة بالقاهرة في 9 مارس المقبل".

لا حماس جزائرياً لعقد القمة العربية حالياً

وفي السياق، قال مصدر دبلوماسي في الجامعة العربية، لـ"العربي الجديد"، إن الجزائر "لم تعد متحمسة لاستقبال القمة، بعد فشل كافة الجهود في إخراج اجتماع يمكّنها من استعراض قوتها الدبلوماسية، في وقت تسعى لطرح نفسها على الساحة الإقليمية الراهنة كقوة عربية فاعلة في الإقليم، وامتلاكها دبلوماسية قادرة على المساهمة في التوصل لحلول لأزمات المنطقة".

وأوضح المصدر أنه "خلال مباحثات بين الجزائر والأمانة العامة للجامعة اتضحت الرغبة في عدم استضافة القمة بشكلها الراهن، وهو ما أدى إلى التوافق على تأجيل موعد انعقادها بشكل مبدئي، على أمل حل بعض الأزمات".


جولة لعمامرة العربية فشلت في ضمان مشاركة فاعلة في القمّة

وأشار المصدر إلى أن الجولة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، والتي كانت بمثابة الاختبار الأخير من جانب الجزائر لإمكانية تجاوز الأزمات بشكل يسهم في عقد قمة تليق بها، وشملت السعودية، والإمارات، ومصر، وقطر، فشلت في التوصل لتصور عام يضمن مشاركة فعالة من جانب القوى العربية الأبرز.

وبحسب المصدر، فإن أبرز الأزمات تمثلت في فشل الجزائر في التوصل لقرار بشأن وجود ممثل للنظام السوري يجلس على مقعد دمشق خلال القمة المرتقبة، بسبب تمسك السعودية برفض الخطوة في الوقت الراهن، وكذلك رفض الإدارة الأميركية للخطوة ذاتها، في ظل ممانعة قطرية للخطوة أيضاً.

كما كشف المصدر أن أبرز الأزمات التي فشلت الجزائر في حسم موقف بشأنها هو "ما يتعلق بشكل البيان الختامي والقضايا التي من المقرر أن يصدر موقف عربي موحد بشأنها، وكان من بينها التدخل الإيراني في بعض الدول العربية".

وأوضح أنه "في الوقت الذي تمسكت فيه السعودية ببيان صارم في هذا الأمر، أبدت الحكومة العراقية تحفظها خلال اتصالات مع المسؤولين في الجزائر بشأن مثل تلك الخطوة".

ولفت المصدر إلى أن الأمر الآخر الذي مثّل أزمة في مواجهة عقد القمة هو "عدم حسم الأزمات في بعض العواصم العربية، بالشكل الذي يجعل ممثلها خلال القمة محل إجماع عربي وداخلي".

وأشار إلى أن "تلك الأزمة تمثلت على وجه التحديد في كل من السودان وليبيا، مؤكداً أن "تحديد مستوى التمثيل من الدولتين شكّل أزمة حقيقية في ظل التضارب حول موقف ومصير حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، في ظل مطالبات البرلمان الليبي بعدم شرعيتها بعد تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي".

ولفت إلى أن "الأزمة تتكرر أيضا في السودان في ظل الخلافات العنيفة بين مجلس السيادة العسكري والمعارضة هناك في أعقاب استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك".

في السياق، ذكرت مصادر دبلوماسية أخرى لـ"العربي الجديد"، أن "القراءة الأولية للمشهد قد تشير إلى دور للمغرب في موضوع التأجيل، خصوصاً في ظل العلاقات المتوترة بين الجزائر والرباط، تتعلق بأزمة الصحراء وتقارب الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي وتوقيع اتفاقات أمنية معها، وهو ما تراه الجزائر تهديدا لأمنها القومي".

وأضافت أن دول الخليج ككتلة داخل الجامعة العربية "لن تُفشل المغرب" في مواجهة الجزائر، بالنظر إلى تحالف بعض هذه الدول مع المغرب.

ولفتت المصادر إلى أن هذا الوضع يطرح إشكالاً مهماً، وهو أن الجزائر تريد قمة عربية ناجحة بحضور رؤساء دول وملوك وأمراء، وليس وزراء خارجية، وتخشى من أن ذلك لن يحدث بسبب إشكال الصحراء، وهي نقطة الخلاف المطروحة الأبرز، وبالتالي أعلن عن تأجيل القمة.

وتعتبر القمة "المأزومة" هي الرابعة التي تحتضنها الجزائر بعد أعوام 1973 و1988 و2005.

لمتابعة آخر التطورات على الشاشة، شاهد "العربي أخبار":

خلاف مصري ـ جزائري

وحول هذه التطورات رأى مصدر دبلوماسي مصري أن "فشل التوصل لتصور مصري جزائري موحّد بشأن ليبيا، شكّل إحدى العقبات أمام انعقاد فعال للقمة العربية المقبلة".

ولفت إلى أن "الأجواء العربية - العربية، الحالية لن تسمح للجامعة بدور مؤثر"، مؤكداً أن "فشل بعض الأطراف العربية في التوصل لتهدئة دبلوماسية على الأقل بين المغرب والجزائر في ضوء تصاعد حدة التلاسن بين البلدين أخيراً، بشكل يضمن تمثيلاً مغربياً لائقاً، مثل عائقاً كبيراً أمام القمة".

وأشار إلى أن "التوافق حول التأجيل في الوقت الراهن يعد مخرجاً جيداً، بإرجاء القمة على أمل حدوث تغيير مفاجئ في مواقف البعض، يسمح بعقد القمة في أجواء أكثر هدوءاً وتصالحاً".

وكشف المصدر عن أن الجزائر "قدمت تصوراً لمشروع يهدف إلى ما يمكن تسميته بإصلاح الجامعة بالشكل الذي يجعلها أداة للحفاظ على المصالح العربية"، متابعاً "على الرغم من أن الرؤية الجزائرية جيدة إلا أنه تم تقديمه في الوقت الخاطئ".


مصر تتحفّظ على الدور الجزائري بشأن المصالحة الفلسطينية

من جهة أخرى، قال دبلوماسي مصري، إنه على الرغم من محاولات التقارب الجزائرية -المصرية والمباحثات بين وزيري الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة والمصري سامح شكري، قبل أيام في القاهرة، فإن لدى القاهرة تحفظات واضحة بشأن محاولات الجزائر سحب البساط من تحت أقدامها في ما يتعلق برعاية ملف "المصالحة الفلسطينية".

هذا الملف تعول عليه القاهرة كثيراً في تعزيز حضورها السياسي في المنطقة، وتخشى من أن انتقاله إلى الجزائر سوف يتسبب في خسارة كبيرة.

وأشار المصدر إلى أنه "رغم ما شهدته العلاقات الجزائرية ـ المصرية من تطور إيجابي في السنة الماضية، والتوافق حول عدة ملفات، مثل سد النهضة والملف الليبي، ومالي، إلا أن إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون فور لقائه نظيره الفلسطيني محمود عباس، في 6 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن استضافة بلاده مؤتمراً للفصائل الفلسطينية، أغضب القاهرة وأشعرها بأن ذلك سوف يضعف من قوتها وتأثيرها السياسي بالمنطقة".

وكانت الرئاسة الجزائرية قد وجهت دعوة إلى الفصائل والحركات الفلسطينية (فتح، وحماس، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، والقيادة العامة الجبهة الشعبية)، للقاء المسؤولين الجزائريين كل على حدة.

وفسّر المصدر رغبة الجزائر في احتضان الفصائل الفلسطينية، بأنها تأتي رداً على العلاقات بين الرباط وتل أبيب في أواخر عام 2020، في أعقاب القرار الأميركي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، في حين أن الجزائر تدعم جبهة البوليساريو التي تنادي بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

وقال المصدر إن مبادرة تبون لدعوة الفصائل الفلسطينية لحوار وطني برعاية مباشرة منه، "لم تلق قبولاً لدى مصر فقط، بل إنها لم ترق لدول أخرى مثل السعودية".

وأضاف أن "زيارة لعمامرة إلى القاهرة التي جاءت بالتزامن مع تحضير الجزائر للقمة العربية المقبلة، فشلت في لمّ شمل الفرقاء العرب حول نقاط اتفاق تمهد لعقد القمة، وإدارة الوضع في المنطقة ككل وفي المغرب العربي على وجه الخصوص".


الجزائر سعت إلى الحصول على دعم مصري لتحقيق حد أدنى من التوافقات العربية

وأوضح أن الجزائر "سعت إلى الحصول على دعم مصري لتحقيق حد أدنى من التوافقات العربية حول أجندة القمة العربية، خصوصاً القضية الفلسطينية وحشد الموقف العربي بشأن الحقوق الفلسطينية بناء على المبادرة العربية لعام 2002، إضافة إلى ملف عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية".

وهو الملف الذي اعتبره المصدر "سبباً آخر في تأجيل انعقاد قمة الجزائر، نظراً للتباينات العربية حوله، حيث إن الجزائر ومعها مصر والإمارات تدعم عودة دمشق، بينما ترفض كل من السعودية وقطر بشدة".

مؤتمر الحوار الفلسطيني

في غضون ذلك، أنهى وفدان من حركتي فتح وحماس، زيارة إلى الجزائر، جرت في ظروف من التكتم السياسي والاعلامي، التقيا خلالها مسؤولين جزائريين مكلفين بملف إعداد مؤتمر الفصائل الفلسطينية المقرر عقده في الفترة المقبلة في الجزائر.

وتتلقى الجزائر أوراقاً سياسية من الفصائل الفلسطينية الستة التي وجهت إليها الدعوة للمشاركة في حوارات تمهيدية تسبق عقد مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية، تتضمن مقترحات وتصورات الفصائل لآليات إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية.

وقالت مصادر مسؤولة في الجزائر لـ"العربي الجديد" إن وفد "حماس" ركز خلال لقائه مع المسؤولين الجزائريين على أهمية أن تتضمن التوافقات الفلسطينية حسم مسألة تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية وتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وإدخال إصلاح هيكلي على منظمة التحرير الفلسطينية، عبر انتخاب رئيس ولجنة تنفيذية جديدة للمنظمة، التي يجب أن تستوعب كل القوى الوطنية وتكون الإطار الوطني الذي يتم داخله مناقشة القضايا المصيرية التي تخص الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية وخياراته النضالية.

من جهته، قال المسؤول الإعلامي لحركة "فتح" في الجزائر يامن قديح في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن وفد "فتح" قدّم رؤية الحركة للمصالحة الوطنية.

وأشار إلى أن "فتح" تثمّن الجهود المبذولة من القيادة الجزائرية لعقد "المؤتمر الوطني الجامع للفصائل الفلسطينية بالجزائر لتوحيد الصف الفلسطيني وإعلاء المصلحة الوطنية، لانتزاع حقوقنا الوطنية بالاستقلال واستعادة القدس عاصمة للدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين وتحرير الأسرى".

المساهمون