شرع القضاء التونسي في التحقيق في التسجيلات الصوتية المسربة المنسوبة إلى مديرة الديوان الرئاسي سابقاً نادية عكاشة، تتحدث فيها عن الرئيس قيس سعيّد وعن مرضه ولقاء الرئيس الفرنسي، وأخرى حول السفير الأميركي السابق دونالد بلوم.
وقررت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في تونس، بحسب بلاغ رسمي، الأربعاء، "تعهيد الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب والجريمة الماسة بسلامة التراب الوطني، بالبحث وإجراء التساخير الفنية المستوجبة، بخصوص محتوى التسجيلات الصوتية الواقع تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والمنسوب مضمونها لعكاشة".
وجاء في بلاغ مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس، أنّ "النيابة العمومية لدى المحكمة المذكورة، اتخذت هذا القرار اعتباراً لمحتوى التسريبات المذكورة، وما تلته من ردود أفعال بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وبغاية التحقق من صحتها وملابساتها ومضمونها، وترتيب الآثار القانونية على ذلك".
وأضاف مكتب الاتصال أنّ "النيابة العمومية تولت الاطلاع على محتوى هذه التسجيلات الصوتية إلى حدود تاريخ اليوم، وأنّ الأبحاث لا تزال جارية".
وتداول سياسيون ونشطاء وعشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، التسجيلات الصوتية المنسوبة إلى عكاشة، مرفوقة بتعليقات منددة وأخرى مستغربة.
وتبرأت عكاشة، السبت الماضي، من التسجيلات الصوتية المنسوبة إليها، وقالت على صفحتها في "فيسبوك": "بعد حملة التشويه والمسّ بالأعراض نتحول إلى تركيب الأصوات".
واعتبر المحلل السياسي، ماجد البرهومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "ما تقوم به عكاشة عمل صبياني وطفولي"، مرجحاً أن "تكون هي وراء التسريبات وليس شخصاً آخر"، مشيراً إلى أنّ "اللوم يعود لسعيّد بسبب تعيينه عكاشة الفاقدة للكفاءة وكذلك لعدم امتلاكها تجربة سياسية أو مؤسساتية أو علمية تخولها ذلك المنصب الحساس حتى تطلع على أسرار الدولة والرئاسة".
وبيّن البرهومي أنّ "هذا يكشف أنّ المناصب أصبحت تعطى بالقرابة والمحاباة والصداقات أو الزمالة".
وأضاف أنّ عكاشة "ملومة في ما قامت به، لأنّ المسؤول وجب عليه التحفظ في جميع الأحوال وخصوصاً من يعملون في المحيط الرئاسي".
وحول مضمون التسريبات، قال إنّ "خطورتها تكمن في المسّ بالعلاقات الهامة مع الولايات المتحدة الأميركية التي تعد داعماً للاقتصاد التونسي وللسياسة التونسية بشكل كبير جداً، بل إنّ واشنطن تعتبر تونس دولة جارة لأنّ أسطولها السادس عبارة عن جزيرة أميركية تتواجد على مقربة من السواحل الإيطالية، فتونس بلد مهم جداً بقدر أهمية المكسيك".
ومن جانب آخر، اعتبر أنّ "الحديث عن الوضع الصحي للرئيس سقوط أخلاقي، وقد تم بشكل مماثل بشكل لا أخلاقي مع الرئيس (المنصف) المرزوقي و(الباجي) قايد السبسي وتم الطعن في الوضع الصحي للمرزوقي وطالبوا بعرضه على الفحص الطبي وقد مسّ بحياته الخاصة بسمعة البلد".
وتابع البرهومي أنه "من الأفضل سنّ قوانين للمطالبة عند الترشح بتقديم ملف صحي كامل يفيد السلامة، ولكن خلال العهدة فالأمر يمثل إساءة للشخص وللدولة".
واعتبر أنّ "الخطوة التي اتخذتها النيابة العمومية في محلها، فيجب أن يتحمل كل شخص ارتكب جرماً أو الإساءة للدولة مسؤوليته، وأن يذهب القضاء في التتبع إلى النهاية"، مشيراً إلى أنّ "الخشية من عدم استكمال التتبع وكشف الحقيقة، كما حدث في ملفات أخرى عندما يتم بعث لجنة تحقيق فيها".
من جهته، كتب الباحث نور الدين الغيلوفي، في منشور له على "فيسبوك"، الأربعاء: "لست أدري الجهة التي سرّبت أحاديث نادية عكاشة.. ويبدو أن الجهة المتنصّتة تملك صوتي المتحاورين ولكنّها اختارت أن تحجب الصوت المحاور.. بل لقد عمدت إلى حجب جزء من كلام نادية عكاشة ولم تفرج منه إلّا على ما يخدم قصدها"، متسائلاً "فما هي هذه الجهة؟ وما قصدها؟".
واعتبر أنّ "الراجح أن الجهة التي تملك التسريبات هي جهة داخل سلطة الانقلاب ولكنّها خصم لنادية عكاشة.. قد يكون وزير الداخلية مثلاً.. أمّا قصده فقد يكون الانتقام من نادية عكاشة التي كانت إلى وقت قريب على رأس الدولة تتحكّم في كل شيء فيها ولمّا صارت خارجها نشرت كلّ الغسيل للعالَم.. هي نشرت الغسيل في محادثة خاصّة.. فمن الذي أشاع التسريبات التي تهين رئيس الجمهورية أكثر ممّا تخدمه؟"، وفق قوله.
وأثارت التسريبات المنسوبة لعكاشة جدلاً غير مسبوق في الأوساط السياسية، خصوصاً لقربها الشديد من الرئيس سعيّد قبل أن يقيلها في يناير/كانون الثاني الماضي بعد سنتين من الخدمة معه حتى أنها لقبت بـ"الصندوق الأسود" وعضده الأيمن في كل مشاريعه، لا سيما "الإجراءات الاستثنائية" التي أعلنها في 25 يوليو/ تموز 2021، ووصفت بأنها "انقلاب".