يحذر مسؤولون وخبراء فلسطينيون، من ورود تقارير تتحدث عن سعي إسرائيلي لعزل تجمّعات سُكّانية فلسطينية كبرى في القدس المحتلة، بهدف إخراجها من معادلة الصراع الديمغرافي المحتدم في المدينة لصالح الاحتلال. ويجري الحديث في هذا السياق، عن مخططات إسرائيلية تطرح تصورات للتخلص من هذه التجمّعات التي يتراوح عدد سكّانها ما بين 125 و140 ألف مقدسي يقطنون في بلدات وأحياء: كفر عقب، سمير أميس، وأم الشرايط، شمالي القدس المحتلة، وفي مخيم شعفاط (شمال شرقي مدينة القدس)، وفي بلدتي الزعيم والعيسوية، وسط القدس، بالإضافة إلى التجمّعات الواقعة جنوب شرق المدينة، مثل حيّ الشيخ سعد وبلدة صور باهر وجبل المكبر، جنوب القدس المحتلة. وتهدف المخططات الإسرائيلية إلى سلخ هذه الأحياء عن مركز المدينة، وتقليص الوجود الديمغرافي الفلسطيني فيها إلى أدنى نسبة له، بعدما كانت نسبة المقدسيين تخطت 38 في المائة من تعداد السُكّان في القدس بشطريها الشرقي والغربي. وتقضي مخططات الاحتلال إلى تخفيض عدد المقدسيين إلى 12 في المائة فقط حتى العام 2050، في مقابل رفع أعداد المستوطنين داخل ما يعرف بالقدس الكبرى، إلى مليون مستوطن.
مخططات إسرائيلية تطرح تصورات للتخلص من التجمّعات التي يتراوح عدد سكّانها ما بين 125 و140 ألف مقدسي
عودة الحديث عن هذه التجمعات المقدسية، وفي مقدمتها بلدة كفر عقب، ذات الكثافة السُكّانية العالية، أعادت مجدداً إلى طاولة البحث لدى دوائر الاحتلال، تصريحات سابقة كان أدلى بها القائد السابق للواء شرطة القدس لدى الاحتلال، وعضو حزب "كاحول لفان"، ميكي ليفي، العام الماضي، حين دعا إلى تجريد عشرات آلاف المقدسيين من حقّهم في الإقامة، وسلخ هذه التجمعات عن القدس المحتلة.
وتعليقاً على ذلك، يرى المحلل السياسي المقدسي، راسم عبيدات، أن "ما كشف عنه ميكي ليفي، ودعوته إلى فرض عقوبات جماعية على المقدسيين، وتضييق الخناق على أهالي العيسوية، يندرج في إطار مخطط سياسي متكامل". ويضيف عبيدات في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ليفي يعبّر عن عقلية عنصرية متطرفة تنظر إلى الشعب الفلسطيني باعتبارهم قنبلة ديمغرافية، تشكّل خطراً على يهودية الدولة، وعلى نقاء القدس كعاصمة لما يسمى دولة الاحتلال".
وفي هذا السياق، يوضح المحلل السياسي المقدسي: "شهدنا بعد الهبّات الشعبية المتلاحقة في القدس، منذ هبّة الشهيد الفتى محمد أبو خضير منتصف العام 2014، العديد من المشاريع التي طُرحت لتعديل الواقع الديمغرافي في مدينة القدس، لا سيما لكي تنسجم لاحقاً مع قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، باعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال، فيما كان هناك العديد من خطط الفصل والتخلي عن الأحياء الفلسطينية داخل حدود ما يُعرف ببلدية القدس". ومن بين هذه الخطط، يشير عبيدات إلى "خطة الوزير وعضو الكنيست السابق حاييم رامون، ومن بعده خطط لحاييم هيرتسوغ، زعيم حزب العمل السابق، وزئيف أليكن الليكودي ووزير ما يسمى شؤون القدس، وكلّها خطط تصبّ في كيفية الحفاظ على ميزان ديمغرافي مختل في المدينة بهدف أسرلتها وتشريعها كعاصمة لدولة الاحتلال".
ويشير عبيدات إلى أن بعض تلك الخطط كانت تهدف إلى "توسيع حدود ما يُسمى بلدية الاحتلال في القدس، لكي تصبح مساحتها 10 في المائة من مساحة الضفة الغربية المحتلة، وضمّ الكتل الاستيطانية الكبرى من جنوب غربي القدس إلى شمال شرقها، وهذا يعني ضمّ 150 ألف مستوطن إليها، على أن يترافق ذلك مع إخراج أكثر من 100 ألف مواطن مقدسي من سُكّان البلدات والقرى الفلسطينية الواقعة خلف جدار الفصل العنصري".
من جهته، يشير منسّق اللجنة الوطنية لمقاومة التهويد، خضر الدبس، إلى أنه "في العام 2004، أقرّت حكومة الاحتلال بناء جدار الفصل العنصري حول مخيم شعفاط، وسبق ذلك العديد من الاقتحامات للمخيم، وترافقت مع اعتقال العشرات من أبنائه". ويضيف الدبس في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مخيم شعفاط الذي أصبح شعلة مقاومة، دفع العديد من الساسة الإسرائيليين إلى المطالبة بعزله عن القدس، وبعدها أقرّت حكومة الاحتلال بناء الجدار العنصري، على الرغم من الإثبات الفلسطيني أنه لا توجد دواعٍ أمنية لذلك كما يدعي الاحتلال، وأن الجدار هو لعزل القدس وتهويدها، وخلق واقع ديمغرافي لمصلحة المستوطنين فيها، وتسهيل اقتحام المسجد الأقصى في ما بعد".
ويشرح الدبس أن نجاح الاحتلال في عزل مخيم شعفاط الذي تسكنه نحو 100 ألف نسمة، 95 في المائة منهم يحملون بطاقة "الهوية الزرقاء" (يصدرها الاحتلال وهي بمثابة بطاقة إقامة)، دفعه إلى التفكير في عزل مناطق أخرى من خلال تعزيز البناء الاستيطاني، وإقامة شوارع استيطانية، وعزل أحياء عربية بكاملها. وفي مناطق أخرى، جرت زعزعة استقرار العديد من الأحياء، كجبل المكبر وسلوان والعيسوية، ورغم ذلك، لم يرفع الشعب الفلسطيني الراية البيضاء، بحسب منسّق اللجنة الوطنية لمقاومة التهويد.
نجاح الاحتلال في عزل مخيم شعفاط دفعه إلى التفكير في عزل مناطق أخرى
بدوره، يبدي مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، قلقه من تصاعد إجراءات التهويد في القدس المحتلة، وانتقالها إلى مرحلة استهداف الوجود الفلسطيني. ويشير الحموري في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تصريحات قائد شرطة الاحتلال السابق (ميكي ليفي) تؤكد صحة المخططات القديمة التي طرحت في العام 2006، من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها أيهود أولمرت، حول إخراج خمس مناطق سُكّانية في محيط القدس إلى خارج جدار الفصل العنصري".
ويعتبر الحموري أن "ما يجري في العيسوية من عمليات تنكيل مدروسة ومخططة، وما يقام من إنشاءات تشمل الجسور على حاجز قلنديا العسكري المقام شمالي القدس، ثم عودة الحديث عن مخيم شعفاط، والتوجه إلى عزل المزيد من الأحياء الفلسطينية خارج جدار الفصل العنصري، كلها مؤشرات على صحة تصريحات ليفي". ويتوقع مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، في هذا الخصوص، "أن ينضم الآلاف من المقدسيين مستقبلاً إلى عشرات آلاف آخرين جرّدهم الاحتلال من حقّهم في الإقامة، لكن الجديد في هذه الإجراءات أنها لن تقتصر على أفراد أو مجموعات صغيرة، بل على كتل سكانية كبيرة". ويرى أن "ليفي كان واضحاً حين تطرق إلى العيسوية وجبل المكبر وأحياء أخرى لا يريد الاحتلال إبقاء سيطرته عليها، باستثناء السيطرة الأمنية".
وكانت "الحركة من أجل القدس يهودية" قد دشّنت أخيراً موقعاً على الانترنت، عرضت من خلاله تفاصيل مخططها. وأشارت الحركة إلى "أنه يعيش في القدس بشطريها (الشرقي والغربي) اليوم، 829 ألف نسمة، من بينهم 307 آلاف فلسطيني يتركزون في القدس الشرقية"، معتبرة أنه "من شأن التخلص من 200 ألف فلسطيني، رفع نسبة اليهود في مدينة القدس بشطريها إلى 81 في المائة، وخفض نسبة الفلسطينيين إلى أقل من 19 في المائة". ولفت الموقع إلى "وجود 28 قرية وحيّاً في القدس، يعيش فيها 296 ألف نسمة، إضافة إلى البلدة القديمة في القدس التي يعيش فيها 27 ألف عربي و6 آلاف يهودي، في حين يعيش 198 ألف يهودي في 12 مستوطنة إسرائيلية مقامة على أراضي القدس الشرقية".
وجاء في نصّ الخطة: "إن أحداث العنف في القدس، والتي نمت في سبتمبر/أيلول 2015 (المواجهات مع الاحتلال بشأن المسجد الأقصى، ثم الهبّة الفلسطينية) توضح أكثر من أي وقت ضرورة التصحيح على الفور للقرار الخاطئ الذي يسبب أضراراً كبيرة لعاصمة إسرائيل". وأشارت الخطة إلى أنه من أجل تطبيقها، فإنه سيتم إقامة "سياج أمني" لفصل المستوطنات الإسرائيلية "من النبي يعقوب في الشمال، بسغات زئيف، التلة الفرنسية، تلبيوت، وصولاً إلى هار حوماه (جبل أبو غنيم) في الجنوب، عن الأحياء العربية: بيت حنينا في الشمال، شعفاط، العيساوية، جبل المكبر وصور باهر في الجنوب، وبالتالي فإن التخلص من 200 ألف فلسطيني سيعزز الطابع اليهودي للمدينة، فاليهود سيمثلون أكثر من 80 في المائة من السكان، فيما ستنخفض نسبة الفلسطينيين إلى أقل من 20 في المائة، خلافاً للوضع اليوم، حيث يمثلون قرابة 40 في المائة من السُكّان".