اعتبر سياسيون ومراقبون في العراق رفض رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، لفكرة استحداث أقاليم جديدة في البلاد، خطوة استباقية لإجهاض أي مشروع تتقدم به أي من المحافظات العراقية لتنظيم استفتاء تحوّلها إلى إقليم إداري، معتبرين أن الرفض يتعارض مع نص الدستور.
وخلال لقاء جمع رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، ومحافظ الأنبار الجديد محمد نوري الكربولي، ورئيس مجلس المحافظة عمر الدليمي، أمس الأحد، قال زيدان، إن "فكرة إنشاء أقاليم أخرى في أي منطقة في العراق مرفوضة لأنها تهدد وحدة العراق وأمنه"، مبيناً أن "الواقع الجغرافي والقومي لإقليم كردستان موجود قبل نفاذ الدستور سنة 2005 وتحديداً سنة 1991 إثر غزو الكويت".
واعتبر أن "ظروف صياغة الدستور في حينها تغيرت الآن، ومعظم من كانت لديه القناعة بهذه الأحكام مقتنع الآن بضرورة تغييرها قدر تعلق الأمر ببقية المحافظات، عدا إقليم كردستان بحكم وضعه الخاص".
تصريحات زيدان الذي يُعتبر أحد أبرز المسؤولين النافذين في العراق لتوليه رئاسة مجلس القضاء الأعلى ذي الصلاحيات الواسعة، جاءت بعد أيام من عودة الحديث عن إمكانية إقامة إقليم الأنبار غربي العراق، وتكرار تجربة إقليم كردستان وفقاً للدستور العراقي الحالي الذي يسمح بذلك.
ويؤيد هذا المشروع غالبية كبيرة من سكان المحافظة، في مسعى منهم لتكرار نموذج إقليم كردستان، إضافة إلى إمكانية التخلص من سطوة المليشيات المسلحة المرتبطة بإيران التي تنتشر في المحافظة الكبيرة جغرافياً، وتشكل نحو 33 في المائة من مساحة العراق.
ويمنح الدستور العراقي الذي أقر عام 2005، الحرية للمحافظات العراقية، بتقديم طلب للانتقال من صفة محافظة إلى إقليم بعد إجراء استفتاء شعبي من مفوضية الانتخابات، ويجب أن يحظى الطلب بموافقة أكثر من نصف المواطنين في تلك المحافظة، ليكون الإقليم إدارياً على غرار إقليم كردستان العراق، كما يجيز توحد عدة محافظات في هذا الإقليم، وتبقى السلطة الاتحادية النافذة لبغداد في سَن القوانين وتوزيع الموارد.
وتنص المادة 119 من الدستور على أنه "يحق لكل محافظة أو أكثر، تكوين إقليم بناءً على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين: أولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ثانياً: طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم".
وسبق الحديث عن إقليم الأنبار، إقليم البصرة، والذي يطالب به ساسة ونواب عن المحافظة الواقعة على مياه الخليج منذ سنوات عدة، ويدعون إلى تحول المحافظة إقليماً إدارياً على غرار كردستان العراق.
وجمع عام 2014، قرابة 10 في المائة من أصوات أهالي البصرة الذين طالبوا بالإقليم، وهي السّمة القانونية من أجل تقديم الطلب للحكومة عبر مفوضية الانتخابات، ولكن الحكومة وقتذاك لم تلتفت إلى الطلب بسبب تزامنه مع هجوم تنظيم "داعش" على المناطق الشمالية والغربية.
وعُقد اجتماع عشائري أخيراً في محافظة الأنبار، أعاد الجدل بشأن إقامة إقليم الأنبار السُّني، وهو اعتراض منها على طريقة حكم الأحزاب المتنفذة الشيعية في البلاد.
ولاقت تصريحات زيدان ردات فعل قانونية وسياسية مختلفة، بين من اعتبرتها تعطيلاً للدستور من القاضي الأول في العراق، وبين من عدّها تماشياً سياسياً مع رغبة التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي".
القضاء يستبق أي خطوة لإقامة إقليم الأنبار
من جهته، قال عضو في مجلس محافظة الأنبار الجديد، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "القاضي زيدان أراد بتصريحه إيصال رفض استباقي إلى أي خطوة في هذا السياق تتعلق بموضوع الإقليم، رغم أنها لم تخرج عن الدستور الذي يعمل به القاضي زيدان نفسه".
وأضاف: "التصريح غير مفاجئ لأن الجميع يراقب قرارات وأحكاماً قضائية فيها جانب سياسي ولا علاقة لها بالقانون أو الدستور، وهذا يعني أن القضاء سيتصدى لأي تحرك باتجاه إقامة الإقليم وسيمنعه بكل الأحوال".
وتعارض قوى "الإطار التنسيقي" الحاكم في البلاد منذ سنوات عدة أي فكرة لإقامة الأقاليم في البلاد، وتقف ضد أي توجه، ومن أي طرف كان.
أما الباحث في الشأن السياسي، حيدر سليم، فأكد أن ما قاله زيدان يتعارض مع الدستور، مبيناً في تدوينة له على منصة "إكس"، أنه "لا يحق لرئيس مجلس القضاء أن يحدد كيف ومتى يتم إنشاء الأقاليم، وهو أمر يتبع للوحدة الإدارية المعنية أن تختار نموذج الحكم فيها، وليس لأحد، مهما كانت درجته في الدولة، أن يحددها"، مؤكداً أن "ما قاله زيدان وجهة نظره فقط، كون الأقاليم وإنشائها دستورياً، ونصت عليه المواد 1، 119، 120، و121".
وعلى الرغم من أن دعوات تشكيل الأقاليم لم تكن وليدة العام الحالي، بل تعود إلى عام 2011، إبّان فترة حكومة نوري المالكي، وتراجعت عقب احتلال تنظيم "داعش" لمناطق شمال وغرب العراق، إلا أنها تعود اليوم مع تغوّل نفوذ الجماعات المسلحة الحليفة لطهران وتفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية.
ويُلاحظ أيضاً أن متصدري خطاب الأقاليم هي في الغالب جهات سياسية تراجعت شعبيتها في مدن ومحافظات الشمال والغرب، ما يجعل احتمال كونها دعوات لأهداف انتخابية أمراً مرجحاً.
من جهته، أرفق الصحافي والناشط السياسي العراقي عمر الجنابي، نسخة من بيان مجلس القضاء الأعلى وعلّق بالقول: "تقرر تجميد الدستور حتى إشعار آخر، لأن نصوصه وبنوده لا تناسب وقتنا هذا.. تطبيق الأحكام العرفية بالعراق، حقيقة يسير وفقها النظام السياسي، طبقاً لقاعدة الغلبة للأقوى".
ووفقاً للدستور العراقي فإن أولى خطوات التوجّه نحو الإقليم هي تصويت مجلس المحافظة على المشروع بأغلبية الثلثين، ومن ثم إرساله إلى بغداد، للمصادقة عليه، وتكليف مفوضية الانتخابات بإجراء استفتاء في تلك المناطق حول التحوّل إلى نظام إقليم. ما يعني أن المشروع يبقى رهن عودة مجالس المحافظات التي صوّت البرلمان على إلغائها العام الماضي، من دون اتفاق على موعد لإجراء انتخابات محلية لاختيار مجالس جديدة.