لأول مرة منذ عام 2009، ستتمكن ثماني عشرة عائلة فلسطينية من الوصول لأراضيها الزراعية البالغة مساحتها ثمانين دونما، والتابعة لقرية "قريوت" الواقعة إلى الجنوب من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، بعد حصولهم على قرار نهائي مما تسمى محكمة العدل الإسرائيلية، باسترجاعها من يد المستوطنين الذين سيطروا عليها بالقوة.
وبعد مداولات استمرت لنحو عامين، قررت المحكمة الاحتلالية رفض الاستئناف الذي تقدم به المستوطنون، وأقرت أحقية الفلسطينيين بأراضيهم.
وتقع الأراضي المسترجعة بين مستوطنتي "شيلو و"عيليه" المقامتين على أراضي الفلسطينيين بين وسط وشمال الضفة، حيث تمت السيطرة عليها بالقوة من عصابة من مستوطني "شيلو" يقودهم مسؤول أمن المستوطنة.
ويقول مسؤول المقاومة الشعبية في قرية قريوت بشار معمر القريوتي لـ"العربي الجديد"، "إن عملية السطو على تلك الأراضي كانت بتنسيق واضح بين المستوطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي وفر لهم الحماية، وتصدى للمزارعين والمتضامين معهم الذين كانوا يخرجون يومياً في مسيرات رافضة لسرقة أراضيهم، فقد كانت مواجهات عنيفة تدور هناك على مدار سنوات، والاشتباك كان مباشراً من نقطة الصفر مع المستوطنين، وتعرضنا لقمع عنيف من جنود الاحتلال بالضرب والاعتقال وإطلاق الرصاص وقنابل الغاز تجاهنا".
ويشير القريوتي إلى أن الأهالي واجهوا السطو الاستيطاني بشتى الطرق، لكن الاحتلال فرض سيطرته بالقوة على المنطقة، وأعلنها عسكرية مغلقة، وفوراً شرع المستوطنون بحراثتها وزراعتها وإقامة بيوت بلاستيكية لفرض أمر واقع هناك، ولاحقاً أغلق الاحتلال الطريق الرئيسي لقريوت لمنع المواطنين من الاقتراب من المنطقة المستهدفة، ما أجبرهم على الالتفاف من طرق بعيدة للوصول إلى بيوتهم.
الأهالي واجهوا السطو الاستيطاني بشتى الطرق، لكن الاحتلال فرض سيطرته بالقوة على المنطقة
ومع مواصلة النضال الشعبي، قرر أصحاب الأراضي خوض المعركة القانونية، من خلال التوجه لمحاكم الاحتلال لإثبات حقهم فيها، مصطحبين معهم أوراق الملكية وسندات القيد التي تعود لمئات السنين.
وفي الوقت الذي قدم فيه الفلسطينيون كل ما لديهم من مستندات للمحاكم الإسرائيلية، لم يستطع المستوطنون تقديم أي ورقة لأنهم أصلاً لا يملكون شيئاً، لكنهم لجأوا إلى الاحتيال بادعاء أن الأراضي هي أراضي دولة أو أنها أراض متروكة لا أصحاب لها.
يشرح معمر ذلك قائلا: "إنهم يعملون على إرهاب أصحاب الأرض الأصليين، بوسائل منها: منعهم من الوصول إليها ومهاجمتهم خلال عملية الزراعة والحرث، وما يتبعه من حرق المحاصيل، وقطع الشجر وتجريف الأراضي، كل ذلك بهدف دفعهم لتركها، كل ذلك يتم بحماية جيش الاحتلال، وبعد عدة سنوات يسيطرون عليها بادعاء أنها أرض متروكة".
ويلفت الناشط القريوتي إلى أن معركة المحاكم لا تقل أهمية عن تلك التي تجري على الأرض، "فالأمر بحاجة إلى طول نفس وصبر وعدم الخنوع للتهديدات، والأهم هو عملية التوثيق بالصوت والصورة لكل تلك الهجمات التي قد تكون دموية".
ويعبّر القروتي عن مخاوفه من هجمات قد يتعرض لها المزارعون خلال دخولهم أو تواجدهم في أراضيهم من المستوطنين المتطرفين، قائلا إنه "من المتوقع أن يكون ذلك خلال الأسبوع المقبل، بانتظار تأكيد المحامي الموكل بالقضية، لكننا نتوقع أن لا يستسلم المستوطنون بسهولة، فمن يسيطر على الأرض هم من مؤسسي مستوطنة (شيلو)، والوصف الأدق أنهم عصابة ويقودهم ضابط الأمن في المستوطنة، لذلك فإن إخلاءهم من الشرطة الإسرائيلية لن يكون سهلاً".
وتعيش قرية قريوت، منذ أن وضع المستوطنون أولى لبنات مستوطنة "شيلو" على أراضيها عام 1978، معركة مفتوحة مع هذا السرطان الاستيطاني الذي التهم ثلثي أراضيها.
ووفق القريوتي، فإن من الانتهاكات التي أصبحت خطيرة على أراضي قريته والقرى المحيطة محاولة ما يُسمى "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال توسيع مناطق "ج" الخاضعة، حسب اتفاق أوسلو، إدارياً وأمنياً للاحتلال من خلال تعديل الخرائط السابقة، وهذا ظهر في موسم الزيتون أثناء توجه المزارعين لقطف ثمار الزيتون في أراضيهم الواقعة في منطقة "ب"، ومنع الاحتلال إياهم من دخولها حتى من خلال تنسيقٍ مُسبق، وتبيّن لاحقاً قيامه بتغيير مواقع الأراضي، وتوسيع مناطق "ج" عبر تغيير تصنيف مناطق "ب".
وهناك 14 تجمعاً استيطانياً صغيراً في المنطقة، و7 بؤر استيطانية، وفي السنوات الثلاث الأخيرة، صودر من أراضي قريوت ما يقارب 2100 دونم.
وكان المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان قد ذكر أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي "ساهمت ببناء 14 بؤرة استيطانية على الأقل منذ عام 2011"، مؤكدا أن الحديث يدور عن شرعنة 130 بؤرة استيطانية مقامة على أراضي المواطنين في مختلف محافظات الضفة الغربية، بما فيها الأغوار، يقطنها قرابة 10 آلاف مستوطن، غالبيتهم العظمى ممن يسمون "شبيبة التلال" وهي مجموعات استيطانية متطرفة، تنشط في ترويع الفلسطينيين وتنفيذ جرائم "تدفيع الثمن"، والاعتداء وتدمير المحاصيل الزراعية والممتلكات.
وكان وزير "شؤون الاستيطان" في حكومة الاحتلال تساحي هنغبي قال "إن حكومته تعمل على بلورة خطة لشرعنة جميع البؤر الاستيطانية العشوائية التي أقيمت في السنوات العشرين الماضية".