العودة العسكرية الأميركية إلى الصومال: تمتين جبهة القرن الأفريقي

19 مايو 2022
وحدة "داناب" الصومالية، إبريل الماضي (أبو بكر محمد محيي الدين/الأناضول)
+ الخط -

بعد نحو 9 أشهر على الانسحاب العسكري الأميركي الفوضوي من أفغانستان، وافق الرئيس جو بايدن، يوم الاثنين الماضي، على إعادة نشر أقل من 500 جندي في الصومال، في خطوة لافتة تتيح العودة الأميركية العسكرية إلى الصومال وإلى الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في مقديشو، يوم الأحد الماضي.

وتأتي عملية نشر الجنود الأميركيين في الصومال، في وقتٍ عسكري بامتياز للولايات المتحدة، التي نشرت، وأعادت نشر، آلاف الجنود في أوروبا، خصوصاً في دول الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (لاتفيا، إستونيا، ليتوانيا، بولندا)، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.

كذلك ضخّ الأميركيون مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا، وعمدوا إلى استخدام احتياطي النفط الاستراتيجي لكبح ارتفاع الأسعار، المحروقات خصوصاً، في الولايات المتحدة.

وإذا كان نشر الجنود الأميركيين في أوروبا مفهوماً، فإن نشرهم في الصومال يفتح الباب أمام التساؤلات عن الأسباب الأميركية الفعلية في أهم بلدان القرن الأفريقي، المتصلة بشكل وثيق مع حركة المرور في مضيق باب المندب في البحر الأحمر.

توقيت العودة الأميركية العسكرية إلى الصومال

ولا يمكن فصل توقيت العودة العسكرية إلى الصومال عن تكثيف حركة الشباب هجماتها في الأشهر الأخيرة. وأسفر تفجيران انتحاريان في مارس/ آذار الماضي عن مقتل 48 شخصاً في وسط الصومال، بينهم نائبان محليان.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أدّى هجوم على قاعدة تابعة للاتحاد الأفريقي إلى مقتل عشرة عناصر من قوات حفظ السلام البوروندية، وفق جيش بوروندي. وهذا أعنف هجوم على قوات الاتحاد الأفريقي في البلاد منذ 2015.


رحّب الصوماليون بانتشار القوات الأميركية في البلاد

ويُمكن القول إن أداء القوات الأفريقية في الصومال ضد حركة الشباب تراجع في السنوات الأخيرة، مع اشتداد الخلاف السياسي بين الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو ورئيس الحكومة محمد حسين روبلي، فضلاً عن عرقلة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتأجيلها مراراً.

ولم تنجح القوات الأفريقية في ملء الفجوة التي أحدثتها خلافات القادة في مقديشو، لتنتهي مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال "أميصوم" في 31 مارس الماضي، التي دامت 15 عاماً بدءاً من عام 2007، بنجاح نسبي.

في المقابل، حلّت مكان "أميصوم" بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال "أتميس"، التي بدأت مهمتها في 1 إبريل/ نيسان الماضي، على أن تنتهي مبدئياً في 31 ديسمبر 2024.

غير أن التحديات الأمنية لا تزال تلقي بظلالها على مهمة الأفارقة، مع مهاجمة حركة الشباب قاعدة لـ"أتميس" في البرف، في منطقة شابيل، في 3 مايو/ أيار الحالي، موقعة 30 قتيلاً و22 جريحاً، ينتمون إلى الجيش البوروندي.

ويُعدّ تنامي الدور الصيني في القرن الأفريقي من محفّزات التدخل الأميركي في الصومال، إذ نجح الصينيون في التمركز في جيبوتي، وعيّنوا مندوباً للقرن الأفريقي للمرة الأولى في تاريخهم، وسعوا إلى إنهاء الحرب في إثيوبيا بين الحكومة بقيادة أبي أحمد و"جبهة تحرير شعب تيغراي".

وفي موازاة التغلغل الروسي في مالي وبعض دول الوسط والساحل الأفريقي، عبر مجموعة "فاغنر"، وتراجع الدور الفرنسي، طرق الأميركيون باب الصومال مجدداً، لأهميته الاستراتيجية نفطياً وجغرافياً، ولعدم ترك القارة الأفريقية ساحة روسية ـ صينية.

دور الجنود الأميركيين الجدد

حاول المسؤولون الأميركيون التقليل من أهمية نشر الجنود، مركّزين أساساً على عددهم "القليل" من جهة، وعلى "دورهم التدريبي العادي" ميدانياً من جهة أخرى.

وهو ما جاء على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيار، يوم الاثنين الماضي، التي شدّدت على أن العملية عبارة عن "إعادة تمركز لقوات موجودة بالفعل في مسرح العمليات، تدخل إلى الصومال وتخرج منه بين الحين والآخر"، من دون أن تذكر العدد الدقيق للجنود.

بدوره، ذكر مسؤول بارز في الإدارة الأميركية، طلب عدم ذكر اسمه، لوكالة "رويترز"، أن بايدن وافق على طلب من وزير الدفاع لويد أوستن "لإعادة تأسيس وجود عسكري أميركي مستمر في الصومال، لتكون المعركة ضد حركة الشباب أكثر فاعلية".

كما أكدت وزارة الدفاع "البنتاغون" أن القوات الجديدة "لن تشارك بشكل مباشر في العمليات القتالية، لكنها ستعمل على تدريب القوات الصومالية وتجهيزها وتقديم المشورة لها".

وحول ذلك، اعتبر المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، في حديثٍ للصحافيين، الاثنين الماضي، أن "وجهة نظر الوزير (أوستن) هي أن نموذج المشاركة العرضية كان غير فعّال وغير مستدام على نحو متزايد".

وكان الرئيس السابق دونالد ترامب، قد أمر في ديسمبر/ كانون الأول 2020، قبيل انتهاء ولايته بأسابيع قليلة، بسحب القوات الأميركية من الصومال، التي كان يبلغ عددها 700 جندي، وأذن لها فقط بإنجاز مهام بالتناوب.


بايدن وافق على طلب من "البنتاغون" باستهداف قادة حركة الشباب

وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، الاثنين الماضي، أن بايدن وافق أيضاً على طلب من "البنتاغون" بمنحه صلاحية دائمة لاستهداف عدد ممن يشتبه في أنهم قادة لحركة الشباب، المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، على حد قول ثلاثة من هؤلاء المسؤولين الذين اشترطوا عدم الكشف عن هويتهم، للصحيفة.

وأشارت إلى أنه منذ أن تولى بايدن منصبه، في 20 يناير/ كانون الثاني 2021، اقتصرت الضربات الجوية الأميركية داخل الصومال إلى حد كبير على تلك التي تهدف إلى الدفاع عن قوات شريكة تواجه تهديداً مباشراً.

وستعمل قرارات بايدن على إعادة إحياء عملية مكافحة الإرهاب الأميركية، وتتناقض هذه الخطوة مع قراره العام الماضي بسحب القوات الأميركية من أفغانستان، قائلاً "حان الوقت لإنهاء الحرب الأبدية"، بحسب "نيويورك تايمز".

ولقي القرار الأميركي ترحيباً على المستويين الأمني والسياسي الصومالي، فاعتبر القائد السابق لوحدة القوات الخاصة الصومالية (داناب) العقيد أحمد شيخ، في حديثٍ لوكالة "رويترز": "إنه لأمر جيد أن تكون هناك قوات أميركية على الأرض بما يمكن من استئناف جهود مكافحة الإرهاب". وأضاف: "ستكون هذه دفعة كبيرة للرئيس الجديد (حسن شيخ محمود) وهناك مهمة كبيرة في انتظاره".

بدوره، رحّب شيخ محمود، المُنتخب يوم الأحد الماضي، بانتشار الجنود الأميركيين. وذكر أول من أمس الثلاثاء، في تغريدة على صفحة الرئاسة الصومالية على "تويتر": "لطالما كانت الولايات المتحدة شريكاً موثوقاً به في سعينا لتحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب، وأشكر الرئيس بايدن على هذه الخطوة".

وعلى الرغم من أنه يُنسب له الفضل في طرد "حركة الشباب" من بعض البلدات، عندما كان رئيساً بين عامي 2012 و2017، فقد فشل شيخ محمود في توجيه ضربة قاصمة للمسلحين الذين يسيطرون الآن على مناطق من الصومال ويقومون بعمليات ابتزاز مربحة.

المساهمون