يدفع الوعيد التركي بشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق في الشمال السوري "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، للتقارب مع النظام السوري، الذي يبدو أنه يستغل مخاوفها من أجل الحصول على مكاسب في شرق الفرات، وهو ما ترفضه هذه القوات حتى اللحظة، ولكن ربما تضطر لتقديم تنازلات لدرء خطر وجودي يتهددها.
التقارب بين النظام و"قسد"
وفي خطوة متوقعة، دعا قائد "قسد" مظلوم عبدي، في تصريحات صحافية، أول من أمس الأحد، النظام السوري إلى "استخدام أنظمة الدفاع الجوي ضد الطائرات التركية"، مؤكداً في تصريح لوكالة "رويترز"، أن قواته "منفتحة" على العمل مع قوات النظام للتصدي لتركيا، غير أنه استدرك قائلاً: "ليست هناك حاجة لإرسال قوات إضافية".
وأشار عبدي إلى أن "الأولوية هي الدفاع عن الأراضي السورية"، مضيفاً: "لا أحد يجب أن يفكر باستغلال الوضع لتحقيق مكاسب على الأرض".
وأبدى أمله في أن يؤدي اجتماع وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف وتركيا مولود جاووش أوغلو، غداً الأربعاء، إلى خفض التصعيد، ولكنه شدّد على أن أي تسوية يتم التفاوض عليها يجب أن تشمل وقف هجمات الطائرات المُسيرة التركية في شمال سورية.
طلبت "قسد" مساعدة النظام باستخدام أنظمة الدفاع الجوي
ولكن يبدو أن النظام يعتبر التهديد التركي لقوات "قسد" فرصة للحصول على مكاسب منها. ووصفت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، عبدي بـ"متزعم مليشيات قوات سورية الديمقراطية"، مشيرة إلى أن "العبارات التي استخدمها دلت على مواصلة قسد رفضها تسليم المناطق التي تسيطر عليها للجيش العربي السوري، للدفاع عنها ضد أي عدوان تركي".
وادّعت الصحيفة أن رفض قوات "قسد" تسليم منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي لقوات النظام، أدى إلى سيطرة الجيش التركي عليها في مارس/ آذار 2018.
وكانت "قسد" قد سمحت، وفق مذكرة تفاهم عسكرية، لقوات النظام السوري بإنشاء مخافر على طول الحدود السورية التركية في أقصى الشمال الشرقي من البلاد، نتيجة العملية العسكرية التركية في شرق الفرات في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
كما سمحت للنظام السوري والجانب الروسي باستغلال جانب من مطار الطبقة العسكري في ريف الرقة الغربي، لتجميع قوات ونقلها إلى قاعدة عسكرية في بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي.
وليس من المتوقع أن تقدم قوات "قسد" أي تنازلات للنظام على الأرض، في حال اقتصرت العملية العسكرية التركية على منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي.
ولكن أي توغل تركي واسع في شرق الفرات ربما يجبر "قسد" على إبرام اتفاق جديد مع الروس يعطي قوات النظام مكاسب واسعة، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن النظام سيكون المستفيد الأكبر من أي عملية عسكرية مقبلة.
ولا يملك النظام قوات يمكنها الدفاع عن المنطقة، ولكن عودته إليها يمكن أن تبدد مخاوف تركيا من فرض إقليم انفصالي ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية.
وأشار سيهانوك ديبو، عضو المجلس الرئاسي في "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، الجناح السياسي لـ"قسد"، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "مذكرة التفاهم بين الجيش السوري وقسد صمدت طيلة هذه السنوات".
وأبدى اعتقاده بـ"أن حواراً حقيقياً وبناءً بين دمشق من جهة ومسد والإدارة الذاتية من جهة أخرى مع أطراف سوريّة أخرى سينتهي إلى وضع بداية الحل وإنهاء هذه الأزمة ويحقق سورية دولة لامركزية ديمقراطية، لتكون الإدارة الذاتية جزءاً من النظام الإداري السوري العام".
النظام يرفض التنازل عن شرق الفرات
وسبق أن عُقدت عدة جولات حوار بين "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية التابعة لقوات "قسد"، والنظام السوري في العاصمة دمشق، إلا أنها فشلت في التوصل للحد الأدنى من التفاهمات حول مستقبل منطقة شرقي نهر الفرات.
ويرفض النظام بالمطلق الاعتراف بأي وضع قانوني أو دستوري لـ"الإدارة الذاتية" وقوات "قسد" التي تطالب بأن تكون جزءاً من المنظومتين الأمنية والعسكرية للنظام، وأن تبقى شرقي الفرات تحت سيطرتها، على أن يجري التفاهم حول تقاسم الثروات النفطية والزراعية.
وتشير المعطيات إلى أن النظام يريد كل شيء من "قسد" في مقابل "حقوق ثقافية" محدودة للأكراد السوريين في أماكن تمركزهم، وهو ما ترفضه هذه القوات التي تعتمد على دعم غربي كبير، خصوصاً من فرنسا والولايات المتحدة، كونها القوة التي حاربت تنظيم "داعش" منذ تأسيسها في أواخر عام 2015.
تشير المعطيات إلى أن النظام يريد كل شيء من "قسد" في مقابل "حقوق ثقافية" محدودة للأكراد
ويعتقد الباحث السياسي المقرّب من "الإدارة الذاتية" إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التهديدات التركية ربما تدفع باتجاه "تفاهمات" بين هذه الإدارة والنظام.
ويرى أن التنازلات ستكون من الطرفين وليس من جانب "الإدارة الذاتية" فقط، مضيفاً: سيتنازل النظام ويقبل بوجود "الإدارة الذاتية" في شرق الفرات، وبـ"قسد" كقوة محلية، كما سيبدي مرونة في ملفات أخرى، مثل النفط.
ويعتبر مسلم أن "الإدارة الذاتية ستقبل بوجود أكبر للنظام في شمال شرقي سورية من خلال روسيا في حال التفاهم على المسائل الخلافية".
من جانبه، يعتبر الباحث في مركز "جسور" للدراسات أنس شواخ أن "التنسيق لم ينقطع بين قسد والنظام"، مضيفاً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "توسيع هذا التنسيق هو أحد السيناريوهات المطروحة، في حال شن الجانب التركي عملية عسكرية في الشمال السوري".
ولكنه يقلّل من شأن أي اتفاق بين النظام و"قسد" حيال الأوضاع في منطقة شرقي الفرات، مشيراً إلى أن "التفاهمات التي جرت في أواخر عام 2019 بين النظام و"قسد" بضمانة روسيا، والتي أدت إلى نشر قوات النظام على الحدود السورية التركية وبعض نقاط التماس، لم تحقق النتائج التي كانت تريدها أنقرة"، مشدّداً على أن "تركيا لن تقبل بتكرار سيناريو عام 2019".