ألقت الإحصائيات اليومية التي ينشرها التحالف، الذي تقوده السعودية، لعملياته الجوية في محافظة مأرب، الضوء على الاستراتيجية التي يعتمدها أطراف النزاع اليمني في تسويق إنجازاتهم، حتى وإن كان ذلك عبر تقديرات فضفاضة تفتقر إلى الدقة.
ودفع الحصار الحوثي على مديرية العبدية التحالف إلى نشر حصيلة يومية للعمليات الجوية التي ينفذها جنوبي مأرب، مدعمة بأرقام حول الخسائر البشرية والمادية في صفوف المقاتلين الحوثيين، الذين تتعقبهم المقاتلات الحربية بشكل نشط في أطراف المحافظة النفطية، بعد أن ظل الأمر مقتصرا طيلة السنوات الماضية على ما تنشره جماعة الحوثيين فقط.
وحرص التحالف على تسويق إنجازاته، وذلك من باب الرد على الانتقادات التي طاولته واتهامه بالتقصير في الدفاع عن مأرب، من دون أن يتوقف ذلك عند حصر الخسائر البشرية والمادية، حيث تنشر وسائل إعلام سعودية، يومياً، لقطات جوية توثق لحظات الاستهداف لآليات عسكرية تابعة للحوثيين، وأحيانا تتم ملاحظة فرار عناصر بشرية.
وحسب الإحصائيات الرسمية التي تذيعها وسائل إعلام سعودية، فقد بلغت الخسائر البشرية في صفوف المقاتلين الحوثيين، خلال الأسبوعين الماضيين، أكثر من 1280 شخصًا، آخرهم 82 عنصراً أمس الأربعاء، فضلا عن تدمير 108 آليات عسكرية تابعة للجماعة.
ولم يتسن لـ"العربي الجديد" التحقق من دقة هذه الأرقام القياسية من مصدر مستقل، كما أن وسائل الإعلام الحوثية الرسمية التي تذيع بيانات تشييع الخسائر البشرية يومياً لم يحدث أن تحدثت عن جنازة ضمت أكثر من 100 قتيل في يوم واحد.
وخلال الأيام الثلاثة الماضية، أعلن التحالف مقتل قرابة 272 عنصرا حوثيا في عملياته الجوية بمأرب، لكن الأرقام الرسمية التي نشرتها وسائل الإعلام الحوثية تحدثت عن تشييع قرابة 40 عسكريا، غالبيتهم يحملون رتبا عسكرية رفيعة.
ومن المؤكد أن جماعة الحوثيين لا تفصح عن الرقم الحقيقي لخسائرها البشرية خشية الانعكاسات السلبية على نفوس مقاتليها، حيث تلجأ لتشييع كبار الضباط في مواكب رسمية بالعاصمة صنعاء.
تلجأ وزارة الدفاع التابعة للحكومة المعترف بها دوليا للحديث عن سلسلة غارات فقط دون إيراد رقم محدد
ووفقا لمصدر عسكري يمني، لـ"العربي الجديد"، فإن جماعة الحوثيين لا تحصل على جميع قتلاها جراء الغارات، حيث يسقط بعضهم في مناطق تماس، وتقوم القوات الحكومية بالاحتفاظ بجثثهم، ومن ثم مبادلتهم مع جثامين أو أسرى حرب، كما أن بعض جثث المقاتلين تتفحم من شدة الصواريخ التي تصيب آلياتهم العسكرية.
وشهدت الأرقام المعلنة للعمليات الجوية في مأرب تضاربا واسعا بين الحصيلة التي يعلنها التحالف وتلك التي تعلنها جماعة الحوثيين، منذ بداية الحرب، من دون أي وجود لمصدر آخر لإطلاع المهتمين بالملف اليمني.
وفي حين أعلن التحالف، أمس الأربعاء، تنفيذ 26 عملية جوية في الكسارة والجوبة بمحافظة مأرب، أحصى الحوثيون 14 غارة جوية فقط، 12 منها طاولت مديرية الجوبة، وغارتان على مديرية رحبة التي تخضع لسيطرة الحوثيين منذ مطلع الشهر الماضي.
وبين حين وآخر، ينفذ التحالف عمليات جوية في بعض المديريات الخاضعة للحوثيين، والتي تكون خارج مسرح العمليات الرئيسية، حيث يجرى استهداف معسكرات تدريبية، أو آليات قتالية قبل وصولها إلى جبهات القتال.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد تضاربا في أرقام العمليات الجوية. فمنذ مطلع الشهر الجاري، تطابقت حصيلة التحالف مع تلك التي تنشرها جماعة الحوثيين في أيام معدودة فقط، فيما لا يزال الغموض يلف مصير أرقام الخسائر البشرية.
ولا ينشر الجيش اليمني إحصائية دقيقة للغارات الجوية التي يشنها التحالف على مواقع وتعزيزات تابعة للحوثيين، حيث تلجأ وزارة الدفاع التابعة للحكومة المعترف بها دوليا للحديث عن سلسلة غارات فقط، من دون إيراد رقم محدد.
وقال مصدر في الجيش، لـ"العربي الجديد"، إن "الطرفين ينشران حصيلة غير دقيقة (...) الحوثي يبالغ من أجل إضافة مجد لنفسه بأنه امتص هذا العدد الكبير من الغارات، والتحالف يلجأ للمزايدة كما لو أنه يمارس دعاية انتخابية ولا يخوض حربا".
ولا يقف التحالف بمفرده في تسويق إنجازات فضفاضة، حيث تسرد جماعة الحوثيين أرقاما مماثلة عندما يتعلق الأمر بالخسائر في صفوف القوات الحكومية خلال المعارك والهجمات الصاروخية التي تنفذها على امتداد مسرح عمليات القتال، وتزعم أنها قد نجحت في قتل المئات.
الحوثيون يرفضون دعوة مجلس الأمن لوقف التصعيد
وقال كبير المفاوضين الحوثيين متحدث الجماعة محمد عبد السلام، "إن تبني مجلس الأمن موقف دول التحالف ليس بجديد، وهو بانحيازه الفج والأعمى منذ أول يوم ساهم في إطالة هذا الصراع كل هذه السنوات، كما أنه بنفسه يعطل بياناته من أي تأثير إيجابي".
تبني مجلس الأمن موقف قوى العدوان ليس بجديد،وهو بانحيازه الفج والأعمى منذ أول يوم ساهم في إطالة هذا الصراع كل هذه السنوات،كما أنه بنفسه يعطل بياناته من أي تأثير إيجابي، ومن جهتنا نؤكد أن اليمن ومن موقع الدفاع عن النفس مستمر في صد العدوان وبكل وسيلة دفاعية ممكنة.
— محمد عبدالسلام (@abdusalamsalah) October 21, 2021
وكان مجلس الأمن الدولي قد دعا بإجماع أعضائه أمس الأربعاء، إلى "وقف التصعيد" في اليمن لمواجهة "الخطر المتزايد بحدوث مجاعة واسعة النطاق" في البلاد.
وشدّد أعضاء المجلس الـ15 في بيان، على "ضرورة وقف التصعيد من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك الوقف الفوري لتصعيد الحوثيين في محافظة مأرب"، كما دعا البيان إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وأدان أعضاء المجلس "تجنيد الأطفال والعنف الجنسي في النزاع"، معربين عن "قلقهم البالغ إزاء الحالة الإنسانية الأليمة، بما في ذلك الجوع الذي طال أمده، وسط تزايد خطر حدوث مجاعة واسعة النطاق".
وفي بيانهم الذي أعدّته بريطانيا، دعا أعضاء المجلس "الحكومة اليمنية إلى تسهيل دخول سفن الوقود، بشكل منتظم ودون تأخير، إلى ميناء الحُديدة" الواقع غرب البلاد، مؤكّدين "أهمية ضمان جميع الأطراف للتدفّق الحرّ للوقود داخل البلاد لإيصال السلع الأساسية والمساعدات الإنسانية".
كما ذكّر أعضاء المجلس بـ"التهديد الخطير الذي تشكّله الناقلة صافر"، محملين المسؤولية عن هذه الأوضاع لجماعة الحوثيين.