استمع إلى الملخص
- التقى الرئيسان المصري والإيراني في قمة بريكس، واتفقا على خطوات لتوسيع التعاون دون ضغوط إقليمية أو أميركية، وبدء مشاورات دبلوماسية لرفع مستوى التمثيل الدبلوماسي والتنسيق الأمني.
- تلعب مصر دور الوسيط بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، وترتب لقاءات لحل الأزمة اليمنية، لكن تواجه تحديات بسبب الضغوط الأميركية وعلاقاتها مع الخليج وإسرائيل.
بدأت العلاقات المصرية الإيرانية بالتحسن اللافت في الآونة الأخيرة وسط تسارع الاتصالات بين الطرفين، فيما رأى مراقبون أن ذلك يعود لأسباب براغماتية أكثر منها رغبة حقيقية في استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين. وبعد يوم من الهجوم الإسرائيلي على إيران فجر أول من أمس السبت، جدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، أمس الأحد، في اتصال هاتفي أجراه مع نظيره الإيراني عباس عراقجي "إدانة مصر لكل الإجراءات والسياسات الأحادية والاستفزازية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة وتؤدي إلى تأجيج الوضع بها"، حسبما جاء في بيان للخارجية المصرية. وشدّد الوزير المصري على "ضرورة منع التصعيد، واتخاذ خطوات تسهم في تحقيق التهدئة، وعدم استدراج المنطقة إلى حرب إقليمية تؤدي إلى تداعيات وخيمة على شعوب المنطقة". وأضاف البيان أنه "تم خلال الاتصال تناول الجهود المبذولة من جانب مصر بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والدخول الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية والطبية إلى قطاع غزة والإفراج عن الرهائن والأسرى".
تطوير العلاقات المصرية الإيرانية
بموازاة ذلك، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أن القمة الأخيرة بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والإيراني مسعود بزشكيان في 23 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، والتي جاءت على هامش اجتماعات قمة بريكس في قازان الروسية، جرى خلالها التوافق على خطوات جديدة ضمن نيات الجانبين لتوسيع مساحات التعاون بينهما، في نطاق "الخطوط المسموح بها والتي لا تضع القاهرة تحت وطأة ضغوط إقليمية أو أميركية"، حسب ما رأى مراقبون. وخلال اللقاء الأول من نوعه بين السيسي وبزشكيان اتفقت القاهرة وطهران على بدء مشاورات دبلوماسية لبحث سبل رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي ضمن تهيئة المناخ العام للتطبيع الكامل في العلاقات المصرية الإيرانية في الفترة المقبلة.
عمار فايد: مصر تريد من إيران الحد من التصعيد في باب المندب
وسبق اللقاء الذي جمع بين السيسي وبزشكيان، زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للقاهرة في إطار جولة إقليمية شملت لبنان وسورية والعراق والسعودية وقطر وسلطنة عمان. وكانت زيارة عراقجي للقاهرة بمثابة أول زيارة لمسؤول إيراني على هذا المستوى إلى مصر منذ 2013. قمة السيسي وبزشكيان وصفتها دوائر رسمية بأنها "تأسيسية لمرحلة جديدة من مراحل توسيع العلاقات بين الجانبين"، ووفقاً للمعلومات، فإنّ الرئيسين اتفقا أيضاً خلال اللقاء على "إطلاق آلية دائمة مشتركة للتنسيق الأمني والعسكري بشأن الأزمات محل الاهتمام المشترك في البحر الأحمر ولبنان وغزة". والاتفاق الأكبر الذي يتم بين القاهرة وطهران منذ تخفيض العلاقات بينهما.
وباتت مصر قناة اتصال غير مباشرة ووسيطاً موثوقاً بين الإدارة الأميركية وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، بعد نقلها خلال الأشهر القليلة الأخيرة، عدداً من الرسائل المتبادلة بين الجانبين، كانت "العربي الجديد" قد كشفت عن بعضها في وقتها، وآخرها رسائل نقلتها إسرائيل لإيران عبر القاهرة بشأن الرد العسكري الأخير وطبيعته، مصحوبة بتحذير طهران من رد مضاد. وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن المناورات البحرية التي تم الكشف عنها أخيراً وشاركت فيها قوات سعودية وإيرانية جنباً إلى جنب، أدت مصر دوراً فيها، عبر مشاركتها بقوات فيها، فضلاً عن قوات من دول أخرى في المنطقة من بينها تركيا. وأجرت السعودية أخيراً في بحر العرب، مناورات عسكرية مشتركة مع دول عدة، من بينها إيران، حسب ما أعلنت وزارة الدفاع في المملكة.
في السياق، أفادت معلومات بأن مصر "تعمل على ترتيب لقاء يجمع ممثلين عن المكونات اليمنية الفاعلة في المشهد، ضمن تحركات ومساع لوضع حد للأزمة اليمنية، إذ تواصل مسؤولون مصريون معنيون بالتنسيق مع قيادات حوثية، لاستطلاع موقفها بشأن إمكانية اللقاء مع فرقاء يمنيين من تحالف الشرعية وحزب الإصلاح والمجلس الانتقالي". ووفقاً للمعلومات، فإنّ الاتصالات المصرية في هذا الشأن "تأتي بترتيب وتنسيق كاملين مع إيران والسعودية، كما أنها قوبلت بترحيب حوثي".
وحول ذلك، أبدى الباحث عمار فايد، اعتقاده في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن مصر "تريد من إيران بصورة أساسية الحد من التصعيد في باب المندب لتأثير ذلك على الاقتصاد المصري، كما أن مصر تريد تجنب تصعيد الحرب الراهنة إلى مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، لأن ذلك سيكون له تداعيات أيضاً على اقتصاد مصر ومصالحها في البحر الأحمر والعراق وغير ذلك. لكن هذا كله لا يعني بالضرورة أن العلاقات المصرية الإيرانية تتجه لتطوير معتبر، على غرار العلاقات المصرية التركية مثلاً"، مضيفاً: "مصر مرتبطة أكثر بعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والغرب، وإقليمياً مع دول الخليج وإسرائيل، وأي خطوة جادة باتجاه إيران قد يكون لها تداعيات سلبية على أي من تلك العلاقات، وهو أمر لن تخاطر به مصر في ظل ظروفها الاقتصادية الحالية".
عصام عبد الشافي: طهران والقاهرة على طرفي نقيض
أسباب مؤثرة
من ناحيته، توقع أستاذ العلوم السياسية، عصام عبد الشافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تشهد هذه المرحلة صعوبة كبيرة في تكوين علاقة ولو تكتيكية أو مرحلية بين إيران ومصر لأكثر من سبب. السبب الأول هو حجم الضغوط الأميركية التي يمكن أن تمارس على مصر في هذه المرحلة، على أعتاب الانتخابات الأميركية والمرشح الأوفر حظاً هو دونالد ترامب، وواضح أن ما يمكن أن يمارسه من ضغوط في مسألة إقامة علاقات مع إيران، أشد مقارنة بـ(الرئيس جو) بايدن". وأضاف أن "السبب الثاني هو ارتباط إيران بمحور المقاومة، وعلاقة مصر بالاحتلال الإسرائيلي، ولذا أعتقد أن طهران والقاهرة على طرفي نقيض، وبالتالي فإن فكرة ترقية العلاقة غير واردة في المرحلة القصيرة جداً". وتابع عبد الشافي: "السبب الثالث الذي يحد من إمكانية تحسين العلاقات المصرية الإيرانية هو أن العلاقات بين السعودية والإمارات من ناحية وإيران من ناحية أخرى هي علاقات تكتيكية وليست استراتيجية، بغض النظر عن سياسات التطبيع التي تمت بين هذه الأطراف، ولا أعتقد أن السعودية والإمارات ترغبان في أن تكون العلاقات المصرية الإيرانية جيدة في هذه المرحلة".
بدوره، قال المحلل المختص في الشأن الإيراني، سعيد شاوردي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "النيات لإعادة العلاقات موجودة من ناحية إيران منذ فترة طويلة، والحكومة الجديدة في إيران تريد عودة العلاقات مع مصر، والتي لو عادت لحققت مصالح للشعبين، وطبعاً ستوفر فرصاً كثيرة للتعاون في الكثير من المجالات". وتابع: "هناك محاولات تبذل من قبل حكومة مسعود بزشكيان لعودة العلاقات، منها زيارة وزير الخارجية الإيراني أخيراً إلى القاهرة واللقاء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ومسؤولين رفيعي المستوى، ولكن هناك عقبات أساسية وهي إسرائيل والولايات المتحدة، اللتان تعتبران أن عودة العلاقات المصرية الإيرانية خطر على ما يسمى بالأمن الإسرائيلي، ولذلك تعملان على إبعاد إيران ومصر عن بعضهما بعضاً".