استمع إلى الملخص
- في 2024، فرضت الولايات المتحدة وأوروبا 13 حزمة عقوبات استهدفت كيانات وأفراداً يدعمون الحرس الثوري وحزب الله، وشركات طيران إيرانية بتهمة إرسال صواريخ إلى روسيا.
- العقوبات الأميركية تُعتبر أكثر تأثيراً بسبب شمولها عقوبات ثانوية، مما أدى إلى خسائر سنوية تقدر بمائة مليار دولار وأزمات اقتصادية واحتجاجات داخلية في إيران.
حتى قرابة عامين مضيا، كانت إيران البلد الأكثر تعرضاً للعقوبات في العالم، قبل حلول روسيا مكانها منذ عام 2022 بعد شنها حرباً على أوكرانيا. وتخطى عدد العقوبات الغربية على إيران عتبة خمسة آلاف عقوبة، فيما بلغت العقوبات على روسيا أكثر من 18 ألف عقوبة. الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، استخدم العقوبات على إيران سلاحاً في الصراع الدائر بين الطرفين منذ أكثر من أربعة عقود، أي منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، غير أن أول عقوبة غربية، تعرضت لها البلاد حصلت قبل الثورة عندما قامت حكومة محمد مصدق في إيران بتأميم النفط وإنهاء سيطرة بريطانيا عليه عام 1951، فحظرت لندن شراء النفط الإيراني عقاباً لتأميمه. وبعد الثورة الإسلامية، بدأت الولايات المتحدة بفرض العقوبات الاقتصادية على إيران للمرة الأولى، إثر سيطرة ثوارها على سفارتها في طهران واحتلالها، فقامت بتجميد جميع الأرصدة والممتلكات الإيرانية الموجودة في الولايات المتحدة منذ العهد الملكي (1906 ـ 1979)، ثم انتقلت واشنطن إلى مرحلة جديدة من العقوبات على طهران عام 1996 وفق قانون معروف بـ"داماتو" أو "ILSA" شملت منع شركات النفط الأميركية من الاستثمار في مشاريع النفط والغاز الإيرانية، وكذلك حظر التجارة مع طهران.
بالتالي، واجهت طهران عقوبات عدة على مدى السنوات اللاحقة، على خلفية قضايا عدة، منها البرنامج النووي وتوسع دور الحرس الثوري الإيراني في المنطقة، قبل تصاعد العقوبات الغربية على إيران في العامين الأخيرين، بالتزامن مع اشتداد الاتهامات الغربية لإيران بالتعاون عسكرياً مع روسيا في الحرب الأوكرانية. وظلت العقوبات الغربية على إيران مقتصرة على أشخاص وكيانات متورطة من وجهة النظر الغربية في دعم روسيا عسكرياً، غير أن أميركا وأوروبا خرجتا عن هذا الإطار وانتقلتا أخيراً إلى فرض عقوبات أوسع شملت قطاع الطيران المدني الإيراني وإلغاء الخدمات الجوية المقدمة إلى هذا الطيران، بتهمة إرسال إيران صواريخ بالستية إلى روسيا، رغم نفي طهران هذه الاتهامات. وتعقيباً على هذه العقوبات الغربية على إيران قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للتلفزيون الإيراني، إن الغرب "يتبع مساراً فاشلاً" عبر العقوبات الغربية على إيران، مؤكداً أن بلاده "ستواصل طريقها الصحيح... نحن جاهزون للحوار لكن ليس تحت الضغط".
منذ مطلع العام الحالي فرضت على إيران 13 حزمة من العقوبات الأميركية والأوروبية
العقوبات الغربية على إيران منذ بداية 2024
ومنذ مطلع العام الحالي فرضت على إيران، بحسب رصد أجرته "العربي الجديد" 13 حزمة من العقوبات الأميركية والأوروبية. في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على ثلاثة كيانات وشخص واحد (إبراهيم طلال العوير)، في كل من لبنان (شركتي يارا وهيدرو) وتركيا (شركة ميرا)، لتقديمهم الدعم المالي لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وأيضاً تمويل حزب الله. وذكرت الوزارة في حينه أن "هذه الكيانات حقّقت عائدات تُقدر بمئات الملايين من الدولارات من بيع السلع الإيرانية، بما في ذلك للحكومة السورية". وفي 2 فبراير/شباط الماضي فرضت أميركا عقوبات على أربع شركات، مقرها في إيران وهونغ كونغ، بسبب توفيرها مواد وأدوات تكنولوجية لبرنامجي الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة في إيران. كما فرضت عقوبات على ستة مسؤولين في القيادة الإلكترونية السيبرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني، بسبب أنشطة إلكترونية "ضارة" استهدفت بنى تحتية حيوية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى. وتلا ذلك في 14 فبراير الماضي فرض الولايات المتحدة، عقوبات على شركة إنفورماتكس سيرفيسز (آي.إس.سي) التابعة للمصرف المركزي الإيراني، وكيانين مقرهما الإمارات العربية المتحدة وكيان مقره تركيا وثلاثة أفراد لتورطهم في تهريب تكنولوجيا أميركية إلى المصرف المركزي الإيراني الذي اتهمته الخزانة الأميركية بتأدية "دور حاسم" في تقديم الدعم المالي لفيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، وحزب الله.
وفي 18 إبريل/نيسان الماضي، فرضت أميركا عقوبات على 16 فرداً وكيانين، مكّنوا إيران من إنتاج الطائرات المسيرة وتصنيع أنواع محركات لتشغيل مسيرات شاهد، وذلك بعد هجوم طهران على إسرائيل في 13 إبريل الماضي رداً على استهداف سفارتها في دمشق في الأول من الشهر نفسه. كما أعلنت بريطانيا للسبب ذاته أنها أدرجت سبعة أفراد وستة كيانات من المؤسسات العسكرية الإيرانية والأفراد والكيانات المنخرطة في صناعة المسيرات والصواريخ البالستية الإيرانية. وبعد ذلك في 23 إبريل فرضت الولايات المتحدة إجراءات حظر على شركتين إيرانيتين وأربعة أفراد إيرانيين، لتورطهم المباشر أو غير المباشر في أنشطة سيبرانية "خبيثة" بالنيابة عن القيادة السيبرانية ـ الإلكترونية للحرس الثوري الإسلامي في إيران. وذكرت الخزانة الأميركية أن هذه الجهات استهدفت 12 شركة وكياناً حكومياً من الولايات المتحدة من خلال عمليات سيبرانية. بعدها بيومين في 25 إبريل الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات بالتنسيق مع بريطانيا وكندا استهدفت أكثر من 12 كياناً وفرداً وسفينة اتهمتهم بالاضطلاع بدور في تسهيل وتمويل بيع سري لطائرات مسيرة إيرانية، وإسناد القوات المسلحة الإيرانية التي قالت واشنطن إنها داعمة للحرب الروسية في أوكرانيا، ورداً على عملية "الوعد الصادق" التي شنتها طهران على إسرائيل.
صلاح الدين خديو: أميركا بعد انسحابها من الاتفاق النووي أعادت فرض عقوباتها بشكل أوسع
في 14 مايو/أيار الماضي، فرضت الحكومة الأسترالية عقوبات على خمسة أشخاص وثلاثة كيانات في إيران، رداً على ما وصفته بـ"سلوك طهران المزعزع للاستقرار"، واستهدفت العقوبات وزير الدفاع الإيراني السابق محمد رضا أشتياني، وقائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني. كما شملت العقوبات الغربية على إيران أيضاً القوة البحرية التابعة للحرس الثوري وشركات مساهمة في تطوير البرنامج الصاروخي وبرنامج المسيرات في طهران ومسؤولين إيرانيين كباراً ورجال أعمال. وفي الشهر التالي وتحديداً في 4 يونيو/حزيران الماضي أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن فرض عقوبات جديدة على أربعة كيانات إيرانية وشخص إيراني، بسبب ارتباطهم بطائرات مسيرة إيرانية الصنع تم توريدها إلى روسيا والوكلاء والشركاء لإطالة أمد الصراع وزعزعة استقرار المنطقة. كما تبنت دول الاتحاد الأوروبي عقوبات على ستة أفراد (من بينهم وزير الدفاع) وثلاثة كيانات إيرانية، لدورهم في نقل طائرات مسيرة إلى روسيا لاستخدامها في أوكرانيا، أو لإرسال أسلحة إلى الجماعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأحمر.
وفي 25 يونيو الماضي فرضت الولايات المتحدة، عقوبات على نحو 50 كياناً وشخصاً متهمين بتشكيل "شبكة ظل مصرفية" لمصلحة وزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية والحرس الثوري. وأضافت وزارة الخزانة أن الشبكة ساعدت وزارة الدفاع والحرس الثوري في إيران على الوصول إلى النظام المالي الدولي وعمليات تعادل مليارات الدولارات منذ 2020. ثم تلا ذلك في 30 يوليو/تموز الماضي، إعلان وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات استهدفت خمسة أفراد وسبعة كيانات مقرها في إيران والصين وهونغ كونغ، بتهمة تسهيل عمليات الشراء نيابة عن مرؤوسي وزارة الدفاع الإيرانية ولوجستيات القوات المسلحة الإيرانية. واتهمت الوزارة المستهدفين بشراء مكونات مختلفة، بما في ذلك مقاييس التسارع وأجهزة قياس الزوايا، كمدخلات رئيسية لبرنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة في إيران.
وفي 2 سبتمبر/أيلول الماضي، فرضت بريطانيا عقوبات على ثلاثة أشخاص وكيان إيراني بتهمة ممارسة أنشطة "مزعزعة" للأمن الإسرائيلي. بعدها بأيام وفي 10 سبتمبر الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية في بيان أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا باشرت العمل على فرض عقوبات على شركة الطيران الإيرانية "إيران إير" بسبب ما قالت إنه قيام إيران بإرسال صواريخ بالستية إلى روسيا. وفي بيان منفصل، أدرجت بريطانيا سبعة كيانات على نظام عقوبات إيران، وثلاثة على نظام عقوبات روسيا. كما أعلن سريان تعليق رحلات شركة الطيران الإيرانية إلى بريطانيا بعد 12 شهراَ. كما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، فرض حزمة جديدة من العقوبات الغربية على إيران شملت "عشرة أفراد وستة كيانات، مقرها في إيران وروسيا". وأوضحت وزارة الخزانة أن وزارة الخارجية "صنفت ثلاثة كيانات، بما في ذلك الخطوط الجوية الإيرانية، وحددت خمس سفن ممتلكاتٍ محظورة متورطة في انتشار أنظمة الأسلحة الإيرانية في روسيا". وفي 16 سبتمبر الماضي، أعلنت بريطانيا عن فرض عقوبات جديدة استهدفت السلع والتكنولوجيا ذات الأهمية الاستراتيجية بهدف تعطيل إنتاج وتوريد المسيرات والصواريخ، وكثفت الضغط على الصناعات الدفاعية الإيرانية. وحددت بريطانيا حظر تصدير وتوريد وتسليم بعض السلع إلى إيران أو استخدامها فيها، مثل محركات الاحتراق الداخلي وكاميرات الرؤية الليلية والحرارية، خصوصاً للطائرات من دون طيار، معدات الملاحة الرادارية والراديوية، أنظمة الليزر للملاحة الجوية، آلات ومعدات تصنيع وتجميع أشباه الموصلات، أنظمة البرمجيات والحواسيب للطائرات من دون طيار.
كشف الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني أن العقوبات تحمّل إيران خسائر تقدر سنوياً بمائة مليار دولار
فوارق بين العقوبات
في السياق، قال الخبير الإيراني رحمان قهرمان بور في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن العقوبات الغربية على إيران التي تُفرض على إيران تتنوع بين عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية، وتشمل أشخاصاً وكيانات إيرانية في أربعة مجالات، البرنامج النووي، وحقوق الإنسان، والتعاون العسكري مع روسيا ودعم فصائل المقاومة في المنطقة ضد الاحتلال الإسرائيلي والبرنامجان الصاروخي والمسيرات. وأشار قهرمان بور إلى ثلاثة فوارق بين العقوبات الأميركية والأوروبية، أولها أن العقوبات الأميركية هي من جانب دولة واحدة، لكن العقوبات الأوروبية، عادة تفرض باسم الاتحاد الأوروبي أي نحو 30 دولة، ثانياً الولايات المتحدة إلى جانب فرض عقوبات أولية على أفراد وكيانات إيرانية، تفرض أيضاً عقوبات ثانوية على أي جهة غير أميركية تتعامل مع إيران، وهو ما تجعل العقوبات الأميركية ذات مفاعيل دولية ضد إيران. أما إجراءات الحظر الأوروبية المفروضة على إيران، وفق قهرمان بور، فهي أولية ولا تشمل فرض عقوبات ثانوية على أي جهة تنتهكها. والفارق الثالث حسب الخبير الإيراني، أن العقوبات الأوروبية ربما تكون غير مؤثرة سياسياً كالعقوبات الأميركية، لكن لها مفاعيلها الاقتصادية بسبب علاقات تقنية وبنيوية اقتصادية تاريخية مع إيران. وأوضح الخبير الإيراني أن العقوبات الأميركية تنقسم إلى ثلاثة أصناف، تشمل عقوبات للاتحاد الأوروبي، وعقوبات بريطانيا التي خرجت من الاتحاد عام 2020، وكذلك عقوبات فرنسا وبريطانيا الشريكتين في الاتفاق النووي.
ووصفت إيران العقوبات الأميركية بأنها "حرب اقتصادية شاملة"، إذ كشف الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، في يونيو الماضي، أن العقوبات تحمّل إيران خسائر تقدر سنوياً بمائة مليار دولار. واعتُبرت العقوبات الأميركية عاملاً رئيسياً في الأزمات الاقتصادية في إيران منذ سنوات مما أثر سلباً على الرصيد الاجتماعي للحكومة. وكانت الاحتجاجات التي شهدتها البلاد مدفوعة باشتداد هذه الأزمات، عدا الاحتجاجات الواسعة أواخر عام 2022 على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني بعد أيام من احتجازها من قبل الشرطة بتهمة عدم التقيد بالحجاب.
من جهته، اعتبر الخبير الإيراني صلاح الدين خديو لـ"العربي الجديد" أن العقوبات الغربية على إيران بسبب برنامجها النووي، باتت أكثر من غيرها في مجالات أخرى، إذ دخلت العقوبات في عام 2010 في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، مجالات أكثر حساسية لإيران، مثل قطاعها النفطي والغازي اللذين يعتمد عليهما اقتصادها، ثم مع مرور الوقت طاولت جميع المجالات الاقتصادية. وأضاف خديو أن إيران تعرضت أيضاً لعقوبات أممية إلى جانب العقوبات الأميركية، للمرة الأولى منذ بدء صدور قرارات من مجلس الأمن الدولي بين عامي 2006 و2015، وصل عددها إلى ستة قرارات ألغيت بموجب القرار 2231 الأممي المكمل للاتفاق النووي المبرم عام 2015. وأشار إلى أن العقوبات الأميركية لم تُلغ بالكامل فتم تعليق بعضها وظلت قوانين أسست لهذه العقوبات مثل قانون "داماتو" قائمة. وأوضح أن أميركا بعد انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018 أعادت فرض عقوباتها التي ألغتها في الاتفاق بشكل أوسع من ذي قبل، لافتاً إلى أن بعض العقوبات مكررة إذ يعاد فرضها وتتعرض كيانات وأشخاص إيرانيون إلى عقوبات عدة مرات، فمرة بسبب البرنامج النووي ومرة بسبب البرنامج الصاروخي.