العراق: من ترهيب الناشطين وأصحاب الرأي إلى تهديد السياسيين

02 ديسمبر 2024
خميس الخنجر مع رئيس البرلمان العراقي محمد المشهداني، 3 نوفمبر 2024 (المكتب الإعلامي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه خميس الخنجر ضغوطًا سياسية بعد استدعائه من القضاء العراقي، إثر انتقاده لتأخر تنفيذ التعهدات الحكومية، مما يثير قلقًا حول حرية الرأي في العراق.
- تشمل مطالب الخنجر إعادة النازحين، الإفراج عن المعتقلين، وإنهاء سيطرة الفصائل المسلحة، لكنها تواجه معارضة من الأحزاب الحليفة لإيران.
- تأتي التحركات ضد الخنجر في سياق التنافس السياسي المتصاعد مع اقتراب الانتخابات، حيث يُستخدم الضغط السياسي لتثبيت التحالفات وكسب التأييد الجماهيري.

يثير التحرك الأخير ضد رئيس تحالف السيادة، أكبر القوى العربية السنية في العراق، خميس الخنجر، بعد مذكرة استدعاء قضائية بحقه إثر كلمة له في جامعة دهوك شمالي العراق، انتقد فيها استمرار المماطلة بتنفيذ الوعود والتعهدات المتعلقة بالملفات الإنسانية والحقوقية، قلق المراقبين والناشطين على مستقبل حرية الرأي في الدولة العراقية التي تعاملت مع عنوان الرأي والحريات على أنه أبرز مكتسبات ما بعد عام 2003.

سقف الحريات في العراق الذي يواصل انخفاضه منذ سنوات عدة، وبشكل تدريجي، لم يعد مقتصراً على الناشطين والصحافيين والمدونين، إنما تعداهم ليصل إلى عتبة قيادات سياسية بارزة ونواب سابقين وحاليين في البرلمان، مثل سجاد سالم، ومحمد عنوز، وحيدر الملا، لكنه اليوم تطور ليطاول أحد قادة ائتلاف إدارة الدولة ورئيس تحالف يملك أضخم كتلة برلمانية للعرب السنة.

وقرر القضاء العراقي استدعاء رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر إثر شكوى تقدمت بها هيئة المساءلة والعدالة، المعروفة محلياً باسم "اجتثاث حزب البعث"، بعد كلمة وصفت بالقوية للخنجر، تحدث فيها عن ضرورة المساواة بين العراقيين وفقاً لمبدأ المواطنة، وتنفيذ التعهدات المتعلقة بإعادة النازحين، والإفراج عن المعتقلين الأبرياء، وعودة سكان المدن التي تحتلها الجماعات المسلحة مثل جرف الصخر، والعوجة، والعويسات، وتحقيق التوازن داخل مؤسسات الدولة، وإخراج الحشود المسلحة من مراكز المدن والأحياء السكنية.

وتُعتبر الملفات التي تصدى لها الخنجر أهم ما يشغل الجمهور في مدن شمال وغرب العراق، وهي محافظات الأنبار، ونينوى، وكركوك، وديالى، وصلاح الدين، إلى جانب حزام بغداد، وشمال بابل وسط البلاد. لكن الخنجر عادة ما يتعرض لهجمات إعلامية من قبل الأحزاب والفصائل المسلحة الحليفة لإيران، والرافضة مطالبَه التي غالباً لا تخرج عن الالتزامات الحكومية والبرلمانية التي عادة ما يجرى التنصل منها.

وشهد العراق، خلال الأيام الماضية، حملات استنكار واسعة من قوى مدنية وواجهات عشائرية وقبلية ودينية اعتبرت أن التحرك الأخير ضد الخنجر والتصعيد سياسياً ضده من قبل قوى حليفة لإيران إحدى وسائل الترهيب التي باتت تُستخدم ضد كل من ينتقد الوضع الحالي للسلطة والأحزاب الحاكمة في العراق.

في السياق، أشار المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء في العراق إلى وجود "حالة استهدافات سياسية متكررة ودعوات لإثارة التوترات السياسية والنزاعات السياسية، لا تصب في خدمة البلد وإعماره"، مطالباً الجهات السياسية، في بيان، بالعمل على "تحقيق المصالح العامة، ودرء المفاسد والمخاطر التي تهدد أمن العراق، وسيادته، واستقراره". ودعا إلى "وقف عمليات الاستهداف السياسي للشخصيات والمؤسسات، لا سيما بعد حصول التصالح والمقبولية، والمساهمة في تجاوز الأزمات السياسية، والاتفاق على تشكيل الحكومة، وإسدال الستار عن الماضي"، قائلاً إنه "لا ينبغي إثارة ما يزعزع الثقة والاستقرار السياسي".

في هذا الإطار، قال السياسي العراقي إبراهيم الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "التنافس السياسي والتسقيط موجود في العمل السياسي منذ عام 2003، وللأسف، هي طريقة تعمل بها بعض الجهات والشخصيات السياسية، وبحسب المعلومات التي نملكها، فإن هناك من دفع الخنجر باتجاه هيئة المساءلة والعدالة من أجل الضغط عليه، وكانت الدائرة قد طلبت من الخنجر مراجعة مقر الهيئة بطريقة لا تتناسب مع ثقله السياسي، وبالتالي، فقد تنازل عن رئاسة موقعه السياسي في رئاسة حزبه"، لافتاً إلى أن "المواضيع التي تطرق إليها الخنجر في آخر ظهور له هي مواضيع تشغلنا في مدن غرب وشمال العراق، بالتالي، فهو تحدث عن ملفات عراقية".

وأكمل الدليمي بأن "التهديد وترهيب السياسيين بإجراءات هيئة المساءلة والعدالة هما سلاح يُستخدم ضد الخصوم السياسيين، التصفيات والتسقيط"، مشيراً إلى أن "السياسيين والناشطين يتابعون موضوع الإجراءات القانونية تجاه الخنجر، ومن غير المقبول ترهيب كل من ينتقد الوضع السياسي، أو يطالب بتنفيذ الالتزامات الحكومية والبرلمانية، ولو كان الأمر كذلك، فإننا أمام مرحلة خطيرة وهي إلغاء الآخر وحريته في التعبير".

من جانبه، لفت الناشط السياسي والإعلامي المقرب من تحالف السيادة أحمد غازي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الوضع السياسي في العراق يضطرب كلما اقترب موعد الانتخابات، وبدء مرحلة تأسيس الاتفاقات والتحالفات الجديدة، وهي مرحلة تبدأ فيها الحرب الإعلامية والضغوطات السياسية لأجل تثبيت التحالفات والكسب الجماهيري".

وأوضح أن "ما يحدث مع الخنجر هو موضوع سياسي بحت وليس غير ذلك، مع العلم أن بقية الأحزاب تعمل حالياً على خطابات كسب الجمهور، وتُستعمل ورقة الخنجر من أجل الكسب السياسي". وأشار غازي إلى أن "الخنجر يتصدى لملفات صعبة، ومنها العفو العام، وانتقاد دور المخبر السري، بالإضافة إلى الاستخدام السياسي لهيئة المساءلة والعدالة، والتصفيات السياسية، فيما تسعى أطراف سياسية أخرى إلى رسم حالة من الخوف لدى بعض الأطراف التي تطالب بتطبيق هذه التعهدات، والطرف السياسي الشيعي حريص على شيطنة المطالبين بحل هيئة المساءلة والعدالة، وإقرار قانون العفو العام لإطلاق عشرات الآلاف من الأبرياء"، موضحاً أن "الخنجر لم يطالب بأكثر من تنفيذ ورقة الاتفاق الحكومي، التي وافقت عليها كل الأحزاب، لكن بعضها تنصل من هذه المواقف".

وصعّد خميس الخنجر، مطلع الشهر الحالي، من حراكه السياسي في بغداد ومحافظات غرب وشمال البلاد، للضغط على القوى السياسية الفاعلة لتنفيذ تعهداتها التي جرى التوقيع عليها. وتنص ورقة الاتفاق السياسي التي وقعت عليها القوى السياسية العراقية، ووافقت على تضمينها في برنامج عمل ثامن الحكومات العراقية منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، على عدة مطالب للقوى العربية السنية والقوى الكردية، ووافقت عليها قوى "الإطار التنسيقي"، الحاكمة في البلاد، لقاء تصويت السنة والأكراد على منح الثقة لحكومة محمد شياع السوداني.

وأبرز ما تضمنته هذه الورقة كان تعديل قانون العفو العام ليشمل إعادة النظر في محاكمات انتُزعت بناء على اعترافات تحت التعذيب، أو أدين أصحابها بوشاية المخبر السري، وإعادة جميع النازحين إلى مدنهم الأصلية، وإنهاء احتلال المدن من قبل الفصائل المسلحة، وأبرزها جرف الصخر والعوجة والعويسات، وإخراج الحشود المسلحة من مراكز المدن والأحياء السكنية في مدن شمال وغرب العراق. كذلك، تضمنت الورقة تعويض أصحاب المنازل المدمرة من العمليات العسكرية والإرهابية، والكشف عن مصير المغيبين، وحل هيئة المساءلة، وتحقيق الموازنة داخل مؤسسات الدولة، بما فيها المناصب العسكرية والأمنية، وفقاً للنسب السكانية في العراق.

وقاد الخنجر، خلال الأيام الأخيرة، سلسلة اجتماعات مع قيادات وزعامات سياسية وقبلية ودينية سنية في بغداد ومناطق شمال وغرب البلاد، وبحث خلالها توحيد الجهود المتعلقة بانتزاع حقوق سكان المدن المحررة من تنظيم "داعش"، والتي تعاني من أوضاع إنسانية واجتماعية واقتصادية سيئة.

المساهمون